شاهدت لك: مسرحية “المرحلة 32”




أماليا داوود


خاص ( ثقافات )

تدعو مسرحية “المرحلة 32” إلى اكتشاف الحقيقة التي لا تكون معطى جاهزاً، بل يتحرك الجمهور ويتنقل بين مشاهدها من أجل اكتشافها، فالمسرحية غير التقليدية بطريقة العرض تقدم المشاهد كرحلة اكتشاف، تشبه رحلة اكتشاف العقل للحقيقة على أنها مادة استكشافية يقوم بسبر أغوارها مستخدماً أدواته الذهنية، وعندما يدرك الإنسان حقيقة ما ينتقل إلى طبقة جديدة مجهولة يستخدم فيها أدوات ذهنية جديدة لتوصله إلى اكتشاف طبقات أخرى وهكذا، والمسرحية تدعو المتفرج إلى التأويل واكتشاف الحقيقة التي هي في الأصل إدراك الفرد وتساؤلاته وتفكيره العميق.

يتنقل المتفرج عبر المشاهد عن طريق مرشد مسرحي، وهو يرمز إلى دور الجماعات الواعية في كشف الحقيقة، لكن في نفس الوقت يكشف عن دور العقل في بيان صحة تلك الحقيقة، إذاً تترك المشاهد حرية للمتفرج في أن يرى المشهد الذي يريده ويتنقل بينها.

في مسرحية “المرحلة 32” دعوة إلى اكتشاف ستة مشاهد تتوزع في فضاء العرض، هي حكايات الإنسان المعذب، تروي المسرحية ثنائية الخير والشر قابيل وهابيل، وكل مشهد من تلك المشاهد يسلط الضوء على مآسٍ يعيشها الإنسان، يتحرك الجمهور كما يطلب منه لا يوجد كراسٍ ولا خشبة مسرح، الفضاء الأثري الفسيح الممتد بكامله هو ركح العرض.

وتنتهي مشاهدة تلك اللوحات بطرد الجمهور من المكان من قبل ما يسمى بحراس المكان الذين كانوا أشبه بشرطة والجمهور أشبه بمتهمين، وانتهت المسرحية بمشهد قتل بين قابيل وهابيل وعكس النهايات المعتادة ينتصر الشر.

وفي تقديمه للمسرحية قال المخرج معز المرابط لثقافات: “المسرحية تعرض خارج الفضاءات التقليدية المغلقة، والتركيز على التراث المادي، فقد عرضت المسرحية في الجنوب في مدينة مطماطه، وفي قرية شنتي البربرية في بناء قديم في الجبل، وفي قصور مدينة مدنين في مخازن الأكل وفي صفاقس في فندق الحدادين، في افتتاح مهرجان قرطاج في دورته السابعة عشرة تم عرض المسرحية في حمامات أنطونيوس في مدينة قرطاج”.

وأضاف: “قد كان الرهان في هذه المسرحية بخلق علاقة جديدة مع الجمهور، فكرة المسرحية مستوحاة من رسالة الغفران لأبو العلاء المعري والكوميديا الإلهية لدانتي، والجمهور هو الذي يقوم بهذه الرحلة.

وعن دور المكان في المسرحية قال: “في كل عرض الممثل يقوم بشغل كبير ويطوع المكان للعرض، ويلعب الفضاء والجمهور دور ممثلين لإكمال العرض”.

أما عن العرض في حمامات أنطونيوس فقد علق على الموضوع قائلاً: “العرض في الموقع الأثري حمامات أنطونيوس صعب لأنه فضاء ممتد والتراخيص كانت صعبة، لكن فيه روح وخصوصية عن بقية الفضاءات الأخرى، فالتاريخ كان خلفية للعمل، والحاضر والمستقبل حاضر في المشاهد والخرافة التي نقدمها”.

أما عن حكاية المسرحية: “حكاية قابيل وهابيل صراع الخير والشر والخير أساساً مسألة الإرادة التي يمكن أن تغير الواقع، تتكون المسرحية من ستة مشاهد بنوعية مختلفة تفتح الباب على مأساة وجحيم معين”.

والمسرحية كانت مكونة من ستة مشاهد، وبداية العرض كانت دعوة للجمهور للاحتفال، ويتخلل الاحتفال كائنات ترابية، ثم خطابات من على أعمدة المكان الأثري تتكلم عن المتناقضات بين الحياة والرجعية، أما المشاهد الستة فكانت كالتالي: الشاهد الأفغاني من السجن الذي يحكي قصة كتابته لرواية لمدة اثني عشر عاماً ويبقى سجين فكرة الكتابة.

الطفل الكبير: قصة الزوج الذي يعيش سجين أحلامه، وطوال الوقت تستحوذ عليه فكرة مشروع يجب تحقيقه وزوجته تعاني من جراء أحلامه.

مشهد العنف ضد المرأة: الزوج يشرب والزوجة تعاني من الضرب والاعتداء وتبقى بمثابة العبد لذلك السيد.

وفي مشهد يحكي حكاية المهاجرين في البحر: في كفن أسود يقوم الممثل بسرد حكايته مع البحر والهروب، شاكراً البحر والسمك الذي نهشه ولم يسأله عن دينه أو جنسيته أو انتماءاته ولمحطات الأخبار التي بثت خبر موته لمدة خمس دقائق، ويختم مشهده سامحوني لقد غرقت في البحر.

مشهد المرأة التي تحتضن طفليها التوأمين الميتين، وتختار أن تسافر ولا تستطيع حملهما معاً لتختار طفلاً ميتاً لتهرب به في حقيبة سفر كي لا تبقى وحيدة.
ورجل دين مسيحي انعزل عن العالم، حتى حين استصرخته امرأة طالبة النجدة قتلها خوفاً من الحرام.
وتأتي تلك المشاهد لتعبر عن مآسي الإنسان في البحث عن فرصة أفضل أو عذابات أحلامه أو وطنه أو هلوساته، لتدعو الجمهور لتأمل تلك الحكايات وبيان الحقيقة منها.
وفي حديث لثقافات مع ميكايلا كازالبوني عن الفكرة وتطبيقها قالت: “انطلقت فكرة المسرحية من ورشة أخرى كنا بصددها، وهي نشاط مستمر لي ولزوجي عن وضع المهاجرين في إيطاليا ودعوة إلى تقبل الآخر ومساعدته، لنتعرف في تلك الورشة آثار مطماطة، وقررنا أن نخرج مسرحية بناءً على وحي ذلك المكان السحري الأثري الذي فتننا، وأوحى لنا بميلاد مسرحية يكون المكان جزءاً من العناصر المسرحية، واليوم نعرض في حمامات أنطونيوس لنتأقلم مع الطبيعة التي يفرضها المكان الأثري، ولنشارك الجمهور بهذا العرض الذي يتحرك فيه ليكون جزءاً من المسرحية وليس متفرجاً فقط”.

من آراء الجمهور في تجربة المشاهدة 

نجوى زهير: “مسرحية حلوة برشا، علاقة مع الجمهور جديدة ومفاجئة، قراءة أخرى وتفكير آخر للحقائق المرمية في وجوهنا، قراءة لطبع الإنسان ولتاريخه بطريقة عميقة ومذهلة، المواضيع والحقائق ترجع لتاريخ قديم بطابع عصري مطابق لما نعايشه اليوم.

عبد القادر جرشاوي: “مسرح دون ركح مسرحي” هذا ما لفت انتباهي منذ الوصول ولم يكن بمسرح شارع. فكانت فرصة فريدة من نوعها لي أنا الذي لم أحضر عرضاً كهذا. بدت الانطلاقة بنسق عالٍ يسيطر عليه صراع ثنائي يفرقه “أعوان أمن” ثم أندهش عندما قادني الممثلون إلى احتفال برأس السنة، ومن ثم يقودني الممثلون وحبي للاطلاع بسلاسة إلى عدة أماكن متلاصقة ترى فيها فئات من مجتمعنا كالشاب المهاجر بطريقة غير شرعية أو معاملة الاضطهاد من الرجل لزوجته وعندما تقرر أن تكتشف ما يحصل في الأماكن الأخرى لفت انتباهي ممثلون يستدعونني قائلين: “إجا اكتشف الحقيقة” الحقيقة التي لم أرَ منها سوى مشاهد صامتة تجسد عدة وقائع ثم يطردني نفس أعوان الأمن الذين كدت أنساهم من مكان الحقيقة إلى ما أسميه تلخيص حقيقة النوع البشري فكان لي الحق في اختيار أين أوجد مدة ساعتين كما كان لي الحق في إنشاء الحقيقة التي فهمتها.

(المرحلة 32)
العرض: تونسي – إيطالي
النص: رضا بوقديدة – نيكولا أونازي
إخراج: معز مرابط – أندريا باولوتشي
أداء: عبد المنعم شويات، رضا بوقديدة، رمزي عزيّز، هناء شعشوع، مريم جلاصي عكاري، فرحات دباش، كيلاني زقروبة، لطفي الناجح، ثرياء بوغانمي، رانية جديدي، نادية تلّيش، محمد أمين قمعون، محمد وسام كريدان، محمد زحافي، شوقي عقيلي، حكيم ذويب، إلياس لكحل، سلمى وريمي، مروان حرشاني، إسماعيل بن راشد، ميكايلاّ، جوليا فرانزاري، إيدا ستريزي، جياكومو.

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *