*رشا المالح
دخلت مسرحية “عربة اسمها الرغبة”، للكاتب الأميركي تيننسي وليامز، التي فازت بجائزة “بوليتزر” الأدبية عام 1948، تاريخ روائع الأدب العالمي، منذ عرضها الأول على مسرح “برودواي” عام 1947. وكان لها كبير الأثر في توسيع آفاق دراما المسرح الأميركي في القرن العشرين. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما العوامل التي جعلت هذه المسرحية استثنائية؟
“الواقعية الشعرية” كما يرى بعض الأكاديميين والنقاد، هي أحد أبرز عوامل النجاح في العمل، حيث جمع وليامز بين وحشية الواقعية وشاعرية اللحظة، من خلال تصعيد درامي يصل إلى الذروة في تعرية تناقضات النفس البشرية، التي تغتصب براءة اللحظة لتنهار أقنعة الادعاء والزيف والتبجح الإنساني في غياب أي شاهد، إذ يلعب وليامز في مضمون المسرحية، على فكرة المثل والأخلاق، بين الظاهر والباطن. فمن يبدو شريراً للوهلة الأولى يتجلى لاحقاً بمثابة ملاك، مقارنة بما تضمره دواخل النفس البشرية التي تتجمل باكسسوارات الخير.
بلانش وكلاوسكي
تبدأ المسرحية بوصول السيدة بلانش دوبوا، التي لا تزال تحمل ملامحها بقايا جمال الصبا، إلى شقة أختها ستيلا المتزوجة. فتستقبلها الاخيرة بقليل من البرود، حيث ما من صفات مشتركة بين الأختين، إضافة إلى اختيار ستيلا حياة زوجية متواضعة، هرباً من الحياة المتكلفة التي كانت تعيشها عائلتها.
تستفز سلوكيات بلانش المستهترة، ستانلي كلاوسكي، زوج ستيلا، الذي يبدأ بالتذمر من وجودها في شقتهما الضيقة.. ومن الغموض الذي يحيط بفترة زيارتها. يتحرى ستانلي ويتقصى عن ماضيها ليكشف لزوجته الأحداث المشينة التي ارتبطت بأختها، ويصر على طردها من البيت، لكن ستيلا تدافع عنها. فيفقد ستانلي أعصابه ويضرب زوجته الحامل للمرة الاولى.
وسرعان ما يعتذر وتصفح زوجته عنه، ذلك مع بقاء بلانش، التي تتعرف، بعد ايام، على مينش، أحد أصدقاء ستانلي، الذي تجذبه شخصيتها وأنوثتها. وحين يلحظ اعجاب صديقه بها، يسخط عليها ويحاول النيل من مكانتها أمام مينش، فيتفق الاثنان على اللقاء خارج البيت سراً.
نبش الماضي
وهنا يبدأ ستانلي التقصي حول ماضي بلانش في البلدة التي كانت تقيم فيها، فيعرف أنها طردت من المدرسة بسبب سلوكها الشائن وعلاقتها بأحد الطلبة المراهقين، إلى جانب طردها من شقتها لعدم تسديد الإيجار. وغير ذلك من القصص.
ويكشف ستانلي لزوجته عن هذه المعلومات، خلال احتفال ستيلا بعيد ميلاد شقيقتها، ويقدم لها كهدية، تذكرة سفر بلا عودة. فيتأزم الموقف بدفاع ستيلا عن أختها، وقبل احتدام الامر بين الزوجين يخبر ستانلي بلانش أنه أطلع مينش على كافة تفاصيل ماضيها، وفجأة تداهم عوارض الولادة ستيلا. فيسرع بها زوجها إلى المستشفى.
الوحش الكامن
بعد مضي بضع ساعات، يصل مينش ويعيد ما قاله صديقه عنها وهو يبكي. وهنا تبوح بلانش له بدوافع طيشها، الذي كان ردة فعل على انتحار زوجها حين أدرك أنها كشفت سره بشأن علاقاته العاطفية الشاذة. ولا يتردد مينش في فرض نفسه عليها، بعد أن اعتبر أنها امرأة سهلة المنال. لكن بلانش تصده وتطرده من البيت.
يعود لاحقاً ستانلي بمزاج مرح وهو يترنح بثمالته، وكانت بلانش ثملة أكثر منه. فيقترح ستانلي عليها الاحتفال بمناسبة مولوده الجديد، لكنها تسخر منه ويحتدم الجدل بينهما، وهو ما يدفع ستانلي إلى اغتصابها.
نشاهد في الفصل الأخير، بعد مضي بضعة أسابيع، ستيلا مع جارتها توضبان حقيبة ملابس، لندرك أنها لبلانش التي تأخذ حماماً استعداداً للالتحاق بصديقها المليونير، بينما ستانلي يلعب الورق مع أصدقائه في الحجرة الأمامية. وبينما ينتظر الجميع، في الواقع، قدوم الطبيب لأخذ بلانش إلى المصحة العقلية، تعترف ستيلا لجارتها، بما رددته بلانش على مسامعها وادعائها بأن ستانلي اعتدى عليها، ما يؤكد برأيها، فقدان بلانش لعقلها.
كاتب وبعد انساني
“كل شيء في حياة وليامز في مسرحياته، وكل ما في مسرحياته في حياته”. هذا القول لإيليا كازان، مخرج معظم مسرحيات تينسي وليامز (1911 1983)، يلخص البعد الإنساني لهذا الكاتب والشاعر الذي استلهم مجمل أعماله من طبيعة حياته في محيط أسرته المفككة، منذ طفولته وحتى شبابه، والتي كان كل فرد فيها نموذجاً لشخصيات عديدة، مثل: الأم والأب.
وعليه كرس وليامز موهبته الأدبية حول الأشخاص الأقل حظاً في الحياة، واكتشاف كوامن نفس الإنسان الداخلية التي يعتبرها هدفه الأبرز، إذ يعتبر أن واقع العالم الذي يعيش فيه الناس بأجسادهم، يختلف عن العالم الموضوعي الذي يكمن في أعماق قلوب الناس، وأن حقيقة وواقع الحياة، محجور عليهما في قلوبهم وعقلهم الباطن.
وآل على نفسه أن يقدم الحقيقة بأسلوب “الواقعية الشعرية” كنهج فني. أما هذه الحركة الأدبية فظهرت في الغرب خلال الفترة: من 1840 وحتى 1880، كنظرية في الكتابة، تعتمد على جعل النص مرآة للواقع عبر غلالة من الوهم.
ولم تمنع قناعة وليامز، المتمثلة في كون أدبه امتداداً لأسلافه من تشيخوف وستريندبرغ وأونيل وبروك، من تكسير مفهوم الواقعية التقليدية وتعديلها في فضاء المسرح، والنفوذ إلى عوالم شخصيات أعماله على خشبة المسرح.
روز والإدمان
الفرد الوحيد من أسرة وليامز، الذي ارتبط به هو شقيقته روز التي كانت تعاني من مرض الشيزوفرينيا، منذ شبابها. إذ تحتم ادخالها الى المصحة العقلية في عام 1943 نظراً لحدة سلوكها. وبادر وليامز لحظة توفر المال بين يديه، إلى نقلها إلى مصحة خاصة قريبة من مقر إقامته في نيويورك.
ويرى الدارسون لسيرته الذاتية، أن مرض روز تسبب في ادمانه على الكحول والمخدرات ونوبات الاكتئاب، التي أودت في مجملها، بحياته المضطربة، حين كان عمره 71 عاماً.
شهرة وليامز
بدأت شهرة وليامز مع عرض مسرحيته “الزجاج الوحشي” في شيكاغو، خلال عامي 1944 و1945. وايضا في نيويورك، ليتوج نجاحه بعرض مسرحيته “عربة اسمها الرغبة” عام 1947. ولم يستطع النجاح الذي منحه النجومية والثراء، التغلب على مشاعر الخوف التي تكتنفه.
________
*(البيان)
الملخص ليس صحيحا ولا يوجد به شيء من وجه الدقة
الملخص ليس صحيحا ولا يوجد به شيء من وجه الدقة حيث ان ستانلي قام بضرب ستيلا العديد من المرات فبل وصول بلانش