حوار مع الروائية أنتونيا سوزان بيات (2)




*ترجمة وتقديم لطفية الدليمي


* يلحظ المرء غالبا أن هناك استجابة قوية في الكثير من أعمالك لمسألة تثير الانتباه وغالبا ما يبخس الناس قدرها وأعني بها رومانسية المعرفة . لو قدر لك ان تكتبي كتابا أكاديميا مهما وكبيرا ففي أي الموضوعات سيكون؟
– لو أدركت تماما بأن لم يعد بوسعي كتابة أية رواية بعد اليوم فسأشرع فورا في كتابة كتاب يتناول تأثير نابليون في الرواية الأوربية . لم يفعل احد هذا من قبل على حد علمي ، لكنني سأحتاج حياة كاملة أخرى كما سأحتاج للذهاب يوميا الى المكتبة البريطانية والتنقيب في كل ركن فيها . أدرك تماما ان ليس بإمكاني فعل هذا الان و ليس بمقدوري تحمل تبعات التفكير فيما لا يمكنني فعله .
* ليس صدفة ان لديك نسبة قراءة عالية جدا لدى الجمهور الاوروبي الذي يتابع أعمالك كثيرا .متى بدأت تدركين هذا ؟
– لطالما رغبت أن أكون مواطنة أوروبية ( بمعنى مواطنة للقارة كلها -المترجمة) ولسبب بسيط وبديهي وهو انني جيدة في تعلم اللغات . أحب البلدان لأنني احب لغاتها . تعلمت الفرنسية والالمانية واللاتينية إضافة الى الانكليزية طبعا في المدرسة ثم اتبعتها لاحقا بالإيطالية في كامبردج لأتمكن من قراءة دانتي . هذا يعني أن بإمكاني اليوم ان أقرأ الادب الاوروبي بإيقاع لغاته الاصلية . لا اعتقد حقا أن كانت لدي مقروئية أوروبية معتبرة الا بعد ان نشرت روايتي ( استحواذ). 
* نلمح دوما حسا من التعاطف في أعمالك : قناعة بأهمية كون المرء ذا مروءة تجاه ما يشعر او يفكر فيه الناس – حتى لو كانوا أناسا متخيلين – . لا اعتقد ان هناك الكثير من الكتّاب ممن يمكنهم كبح جماح الإغواء الطاغي بالسخرية من الناس . كيف ترين هذا؟
– قد يعتقد البعض ان هذه سمة ضعف لكنني فعلا أخشى كثيرا من فكرة أن يسخر أناس من آخرين. لا ازال أذكر كيف كنت طفلة أجلس في المقاعد الخلفية من الفصل الدراسي وأتعجب من قدرة التلامذة على السخرية المرة من معلمة الفرنسية الشابة و كنت اتساءل : هل ثمة احد ما على الارض يمكنه الشعور بما كانت تشعر به المسكينة ؟ . يعود السبب في هذا الشعور النبيل جزئيا الى والدي الذي لم أسمعه يتفوه بكلمة منفّرة بحق اي أحد رغم انه كان رجلا صلبا و بعيدا عن أية مظاهر تنم عن رقة عاطفية . أثرت مرة مع ( أيريس مردوخ ) السبب الكامن وراء رغبة معظم الناس في ان يدلوا بملاحظات ساخرة عن كيفية ارتداء الناس لملابسهم او التعبير عن أنفسهم فأجابت بأن كل الروائيين يفعلون ذلك في العادة وهو ما أثار دهشتي حقا لأنني اعلم جيدا بأنها لم تكن من هذا النوع من الروائيين.
* هل شخصياتك مأخوذة عن نماذج من العالم الواقعي؟
– ليس من شخصية في روايتي ( استحواذ) تماثل شخصية حقيقية في العالم الواقعي باستثناء ( مود Maud ) التي ربما كانت تتماثل مع طالبة لي كانت جميلة جدا ومواظبة على عقد شعرها بقوة بمنديل اخضر تبدو لي كأنها نوع من تعذيب ذاتي . لم اكن اعرف لِمَ كانت دائبة على فعل هذا رغم إنها كانت جميلة جدا . اخبرتني احدى بناتي مرة أن جيلهم يخشى كلمة “حب” وانهم يفضلون استخدام كلمة بديلة عنها وهو ما أكد رؤيتي أن من الخطير للغاية ان تكتب رواية لمن هم أصغر منك وهو أمر دفعني الى الاستعانة بشواهد صغيرة بغية تقريب الأمور الى مدارك ذلك الجيل.
* يلحظ المرء في كتبك أنك في غاية الاهتمام بالعلم لكنك تستكشفين ايضا تلك الانشغالات السحرية التي تميز بين الباحث العلمي والمشعوذ؟
– أعتقد انني عقلانية تماما لكنني اظن في الوقت ذاته أن أوصافنا للعالم ليست كافية باستخدام العلم لوحده واعتقد أيضا ان النظريات العلمية تفشل في بيان أهمية الانسان في الطبيعة تماما مثلما يفشل السحر أو الناس المتدينون رغم أنني أقف بقوة الى جانب العلماء . لطالما فشلت في فهم سبب انجذاب الناس وحاجتهم إلى مجالات للفهم غير مجال البحث العلمي الخالص الى حد تبدو فيه الاهتمامات من خارج نطاق العلم مزروعة في طبيعتنا البشرية والى حد اننا نفشل في فهم لِمَ علينا ان نعلي شأن الموضوعات الأكثر تأثيرا في حياة الناس : الولادة والزواج والموت . ينبغي دوما أن يكون لنا ثمة شكل من رؤية خارج نطاق الرؤية العلمية للاستمرار في هذه الحياة.
* تحدثت وكتبت كثيرا عن الداروينية ، وقد ذهلت لمعرفة انك ترين علاقة ما من الناحية الثقافية بين الداروينية والايمان المسيحي؟
– بالتأكيد ، حتى لداروين ذاته كان ثمة نزاع مؤلم في هذه المسألة التي تعود جزئيا الى كون المسيحية ديانة تاريخية . إن من الأسهل على المرء ان يكون بوذيا و داروينيا من أن يكون مسيحيا وداروينيا لأن الصورة الداروينية عن التاريخ أفقرت الكتاب المقدس كثيرا ، هذه مسألة جديرة بالملاحظة الدقيقة فيما يخص كتابة الرواية التي هي سرد عن شخصيات متجسدة ،إذا عاينت هذه الشخصيات من وجهة النظر الداروينية فستخسر التركيب الكتابي المقدس الذي يمثل هيكل هذا السرد مع كل المعتقدات التي تحفظ كرامة الكائن البشري . انتبه بعض كتّاب القرن التاسع عشر الى هذه المعضلة فيما لم ينتبه لها اخرون ، لا أظن مثلا أن ديكنز رأى العقلية الكامنة وراء فهم كهذا بينما فهمها ( براوننك Browning ) بعمق وقوة وتمسك برؤيته المسيحية أكثر رغم انه كان يظن انها تقوم على اعتبارات غير حقيقية.
* وأخيرا لا بد من سؤال لا يمكن في العادة تجاوزه: ما هي عاداتك الكتابية؟
– لا أزال اكتب باليد رواياتي وأي موضوع أراه جديا . أن السؤال عن العادات الكتابية ليس بديهيا كما يبدو إذ لازالت عبارة ووردزورث عن “الشعور بحسب رغبة القلب” تملي علي ما اريد كتابته وأنني لشديدة الحساسية تجاه هذه الرغبة و هو الامر الذي يفسر عدم رغبتي في استخدام الكومبيوتر لأنني أرى الورقة الكاملة التي أكتب عليها قطعة من حياكة متقنة لا تنفع معها عمليات القطع والنسخ cut – and – paste الشائعة لأنني لا أرتاح الا برؤية الورقة كاملة ، لكن من جهة اخرى أكتب أعمالي المخصصة للصحافة على الكومبيوتر حتى أستفيد من عداد الكلمات لا اكثر !! لكنني لم أكتب رواية أبدا بغير استخدام القلم و الورقة فحسب . إن كتابة رواية متعة عظمى لي.
_______
*المصدر: المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *