وردةٌ لآمنة


*عبد السلام عطاري


خاص ( ثقافات )
وردةٌ لآمنة في أيلول، وردةٌ للحقولِ التي عَبَرَتْها خطواتك ظهرًا، للعطر الذي ترسلينه سماءً فتصحو غفوتنا على مواقد الشتاء والشاي وخبز الطابون، وشتول الزعتر تحرس بيدرنا.
وردةٌ للبئر التي” نَشلتِ” منها ماء أجسادنا، فشربنا طُهرَ ماء السماء؛ فكانت غَسولَ قلوبِنا من دَرَنِ الشقاء.
وردةٌ لآمنة، لِيَديك اللتين تُمسّدان آيات الله على رؤوسِنا، فرفعنا عاليًا جِباهَ العِزّ بِقُبلةِ شفتيكِ عليهما، وقرأتِ ما حَفِظَتْهُ ذاكرتُك ما تيسر من الذِّكر الحكيم لقارئ المذياع القديم.
وردةٌ لآمنة، لعينيكِ الدامعتين شوقًا لضجيج أخوتي الذين تفرّقوا في البلاد، وجَمعهم حُبك في أقطار قَسَت، وكان قلبُك دفءَ غربتهم، وكانت تمائمُ الليل يحملُها البرْد يعبر النهرَ ويجادل الريحَ بالمسافات.
وردةٌ لآمنة، لصرختها في أيلول، حين كانت صرختي البِكْرُ تصيرُ دعاءَ اللهِ فيّ، وتمسحُ ابتسامتُك عينيَّ لأُضاحك النهارَ الجديدَ في حاكورة الرُّمّان، ويصيرُ أسمي ابنَ سارية الليل والندى، وعكّازُ أبي يهشّ على زمني فيسندني العكّاز وهمسُ الدعاء.
وردةٌ لآمنة، لأمي التي كُلّما عَبَرْتُ زمني أزهرَ اسْمُها في حقلِ الذكريات، وصار الاسمُ بسمةً لشفتين كُلّما جاء على اللسان ذكرُها، وكُلّما ضحك الطفلُ بالحنين شوقًا، وطار بجناحينِ في مواسمِ الحَصادِ وحط على بيادر القمح يَذْكُر مذراةً على صليبةِ القمحِ وشالها.
وردةٌ لآمنة، في ميلاد الطفل الذي عبر الزمنَ يحمل بين راحتيه دعاءَها ويتلوه كلّما عفّر غبارُ الزمنِ وجهَه ولاح من بين الغبار وجهُها وردّد :
لستُ أنا، 
إنما الضريرُ الذي رآني
أقبضُ على يدي، 
يدي المقطوعة 
مجداف قاربٍ قديم
فرأيتُ بإغماضةِ عينيه
حُزوزَ عمري،
وبالثانيةِ ومضةَ حنين
والهُدب جناحُ حزنٍ 
يرفُّ بجناحيهِ غبارَ السنين
لعمرٍ يراكضُ عُمري 
على بيادرِ القَمْح
بين رُمّانٍ وصُبّار
بين أطفال الحكاية 
بين (شوكَران) البساتين
لستُ أنا،
إنما الضريرُ قلبي يسألُني 
ماذا فعلتَ يا فتى بعمرِكَ 
ماذا فعلتَ 
وأنتَ تعبرُ الخمسين؟!
______________________
*شاعر وكاتب من فلسطين

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *