رحيل «عبد التواب يوسف» أشهر كاتب عربي للأطفال


*محمد عبد الرحيم


يعتبر الكاتب عبد التواب يوسف (1928 ــ 2015) أشهر كاتب للأطفال على مستوى مصر والوطن العربي، ذلك بعد رائد أدب الأطفال (كامل كيلاني 1897 ــ 1959). 
وإن كان يوسف يختلف عن كيلاني من حيث طبيعة القصص والحكايات التي كان يكتبها للطفل، فقد انصب تركيزه على قصص الأطفال المبنية على العقيدة الدينية، واستلهام العوالم الدينية وطقوسها خلال هذه القصص، من حيوانات وطيور تم ذكرها في الكتب المقدسة. فالرجل اختار المهنة الأصعب، فالكتابة للأطفال تعد من أصعب أشكال الكتابة والتأليف، إضافة إلى أن أدب الطفل عند العرب لم يكن دوماً من اهتمامات الكتاب، اللهم في الآونة الأخيرة، التي بدأ الكتاب الالتفات إلى أدب الطفل، كذلك فهي كتابة على الهامش بالنسبة إليهم، بينما للراحل كانت أساس عمله الذي وظفه في تربية ذوق الطفل المصري والعربي.
مصادر قصص الأطفال
تنوعت المصادر القصصية لعبد التواب يوسف، والتي استقى منها حكاياته للأطفال، إلا أن الإطار الديني والعربي هو ما كان يجمعها، بداية من القرآن، والسيرة المحمدية، مروراً بالتاريخ الإسلامي، والتراث الأدبي العربي. كانت هذه هي المصادر الأساسية التي كتب من خلالها الرجل حكاياته، في لغة تليق بالأطفال، من حيث السهولة والعمق والتشويق، حتى يستطيع الطفل ملاحظة الحكاية واستنتاج معناها في النهاية. ربما يعود ذلك إلى البيئة الدينية التي تربى الرجل في ظلها، فوالده كان شيخاً يؤم المصلين في جامع القرية، فالتراث الديني أحد اهم مصادر المعرفة لدى الكاتب الراحل. 
هنا نجد مساحة الخيال القصصي تتوسل بشخصيات مذكورة في الكتاب المقدس/القرآن، خاصة الشخصيات والعوالم التي تناسب عقلية الطفل، فنجد الحيوانات والطيور والجان، عالم الخيال النقي، وتوليف هذه الشخصيات من خلال حكايات ترسخ القيم الدينية لدى الطفل، إضافة إلى القيم العلمية أيضاً. فعندما يحكي عن حوت يونس على سبيل المثال، وبجوار الحكاية الدينية ومغزاها، يضيف الرجل المعلومات العلمية ــ بما يتناسب وطفل ــ عن الحوت وحياته وكيف يعيش وماذا يأكل، وهنا يصنع تركيبة قصصية تمد الطفل بالمعلومات العلمية من خلال حكاية شيقة. يقول الرجل: «قد ركزت في قصصي على الطيور والحيوانات التي ذُكرت في القرآن الكريم ومجموعها 30 طائراً وحيواناً.
وتتكرر الحكايات والرموز الدينية، من هدهد سليمان، إلى خروف الأضحية، والصوف الذي يُستعمل في الملابس، ومغزى الحكاية الديني بالطبع، فهو الهم الأكبر لدى الكاتب طوال رحلته الإبداعية في عالم الأطفال. من ناحية أخرى نجد طريقته في تبسيط القصص الديني لما يناسب الطفل، خاصة حكاية يوسف وأخوته، التي يكتبها في صياغة بسيطة وعميقة في الوقت نفسه، تقرّب الطفل قدر الإمكان من هذا العالم. إضافة إلى تنمية المهارات والحصيلة اللغوية لدى الأطفال.
الأدب العربي
تنوع إنتاج الراحل من حيث الحكايات الشعبية والتراثية الصالحة للأطفال، وذلك من خلال اختيار قصص من بلدان عربية عديدة، كمحاولة لخلق ثقافة مشتركة، تعتبر أهم ملمح هذه البلاد، فالحكايات الشعبية هي انعكاس لطبيعة الشعوب النفسية، ومن خلالها صاغ الرجل العديد من الحكايات، وذلك من خلال مجموعة قصصية بعنوان «الزرزور» أصدرها يوسف عام 1991.
الأدب العالمي
لم يتوقف إنتاج عبد التواب يوسف عند الحكايات العربية، بل ترجم وأعاد صياغة الحكايات الأجنبية وقصص الأطفال العالمية، وقام بمحاولة مزج وتقريب بين قصص هذه المجتمعات والبلاد، وتكوين الطفل المصري والعربي، حتى لا يشعر بعالم غريب، فقط انتقى المؤلف أصل الحكاية والقصة، وأعاد صياغتها من خلال البيئة المصرية والعربية. فلم يقتصر الأمر على مجرد الترجمة أو النقل، بل استلهام إطار الحكايات وإعادتها لتتناسب ووعي الطفل العربي.
بيبلوغرافيا
ولد عبد التواب يوسف في مركز الفشن التابع لمحافظة بني سويف، جنوب مصر في العام 1928. تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السيتسية في جامعة القاهرة 1949، وحصل على الماجستير في العام 1953.
قدّم أول أعماله الإذاعية في العام 1950، من خلال برنامج «بابا شارو»، وتوالت أعماله بعد ذلك، ومن أشهرها قصصه من خلال برنامج «غنوة وحدوته» الذي تقدمه «أبلة فضيلة»، وهو البرنامج الذي تربت من خلاله أجيال كاملة، سواء في مصر أو الوطن العربي. وقام بتدريس مادة ثقافة الطفل بالعديد من الكليات والمعاهد المصرية والعربية. أقام أول مؤتمر لثقافة الطفل في مصر في العام 1971. قدم للمكتبة العربية ما يقارب 700 كتاب في أدب الطفل. كما عمل بالتحرير والترجمة في المجلات والصحف المصرية، مسؤول برامج الأطفال فى الإذاعات المدرسية بوزارة التربية، عضو لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة، ومجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، مستشار الهيئة المصرية العامة للكتاب فى كتب الأطفال، خبير وعضو فى عدد من الهيئات الثقافية الخاصة بالطفولة. وبالنسبة لأكثر أعماله شهرة، فهما «حياة محمد فى عشرين قصة» وقد بيعت منه 7 ملايين نسخة، وكتاب «خيال الحقل» وبيعت منه 3 ملايين نسخة.
الجوائز:
جائزة الدولة في أدب الطفل عام 1975، جائزة اليونسكو العالمية في محو الأمية عام 1975، جائزة الدولة التقديرية في أدب الطفل 1981، وسام الجمهورية من الطبقة الثانية، الميدالية الذهبية من اتحاد الإذاعات العربية 1980، جائزة الملك فيصل العالمية في أدب الطفل عام 1990، وجائزة معرض بولونيا لكتب الأطفال 2000.
_______
*المصدر: القدس العربي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *