اسكندر حبش
بعد أشهر من المداولات والاستماع إلى الشهود، أصدرت محكمة «تورينو» (إيطاليا) نهار الاثنين أول من أمس، قرارها بسجن الكاتب الإيطالي إري دي لوكا لمدة ثمانية أشهر بتهمة «التشجيع على التخريب» (كنّا أشرنا إلى بداية المحاكمة في «السفير» في 2 شباط الماضي)، رافضة رفضاً قاطعاً ما ذهب إليه الكاتب في اعتبار أن ما قاله يمثل في النهاية «حقه في التعبير وإبداء الرأي». وستنعقد جلسة أخرى في 19 تشرين الأول المقبل للتصديق على الحكم وتنفيذه.
القضية التي شغلت الرأي العام في إيطاليا وأوروبا منذ أشهر، والتي تضامن فيها مع الكاتب عدد كبير من مثقفي العالم، كانت بدأت العام 2013 حين صرح دي لوكا في مقابلة صحافية مع بعض وسائل الإعلام الإيطالية إنه يجب «تخريب خط سكة الحديد» المنوي إنشاؤه ما بين مدينتي «تورينو» (إيطاليا) و «ليون» (فرنسا)، إذ إن هذا الخط الجديد ستبلغ تكلفته مبلغاً باهظاً «أكثر من 30 مليار يورو من أجل حفر نفق يبلغ طوله 57 كلم»، كما أنه مُضرّ بالبيئة «لأن عملية الحفر ستكون سبباً في تجفيف الينابيع» (أي ما يقارب 250 مليون متر مكعب بالسنة). وممّا قاله دي لوكا يومها إنه على اقتناع بأن هذا الخط، مشروع عديم الفائدة، أولاً لأن الخط القديم لا يستغلّ منه إلا 17 في المئة من قدراته.. «لذلك ليس الأمر قراراً سياسياً، بل قرار اتخذته المصارف وكل مَن يرغب في تحقيق مكاسب من دون التفكير بحياة وادٍ كامل».. وأضاف دي لوكا: «إن السياسة موافقة على هذا المشروع، واليوم يحتل الجيش الورش وصار لزاماً على المواطنين أن يبرزوا بطاقات هوياتهم إن رغبوا في الذهاب للعمل في حقولهم». من هنا دعا «إلى تخريب هذا المشروع». وقد وجدت السلطات يومها، دعوة الكاتب الإيطالي، أمراً يحاكم عليه القانون، بينما يُصرّ الكاتب أن الكلمة التي استعملها (Saboter) هي «كلمة نبيلة ولا تدعو إلى العنف» إذ «استعملها المهاتما غاندي بنفسه». وبرر دي لوكا بالقول إن هذه الكلمة تفيد أيضاً معنى «الرغبة في المنع»، و «عرقلة» و «مقاطعة» و «لا يمكن اعتبارها دعوة فقط إلى التخريب المادي. تماماً مثلما يقاطع النواب قانوناً ما».
المدعي العام، اعتبر في جلسة الاستماع الأولى، أن ليس هناك أي إبهام في الكلمة التي استعملها الكاتب إذ إنها «تشير فعلاً إلى التخريب»، من هنا لم يجد أن المحكمة انعقدت من أجل «قضية حرية الرأي والتعبير»، بل فعلاً لمحاكمة «شخص دعا إلى الاعتداء على مشاريع الدولة»، وبخاصة أنه «كاتب مشهور ويؤثر بشكل كبير» في الناس.
المحاكمة تحوّلت أيضاً في جزء منها، لمحاكمة ماضي دي لوكا اليساري، كما ورد في بعض الصحف التي تابعت القضية من بدايتها، وبخاصة هذا الماضي النضالي، لكونه كان ينتمي إلى اليسار المتطرّف في سبعينيات القرن الماضي، وهو اليسار الذي حوكم بتهمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق ألدو مورو، كما كان المسؤول عن عمليات الخطف والتفجيرات التي عرفتها إيطاليا، أي المسؤول عن تلك الفترة التي عرفت باسم «سنوات الرصاص»، التي لا يزال أبرز منظّريها في السجن مثل أنطونيو نيغري وأدريانو سوفري وغيرهما. يومها وبعد الاعتقالات التي حدثت غادر دي لوكا إيطاليا «ليختار» المنفى في فرنسا، بيد أنه عاد بعد سنوات، بعد تبرئته، إذ لم تجد المحاكمات التي أقيمت له، أنه شارك في أي أعمال عنف.
في أي حال، ووفق محامي الكاتب، أن المحاكمة «كانت أقل ثقلاً ممّا توقعنا»، إذ كانت التهمة الموجهة إليه، قد تدخله السجن لمدة خمسة أعوام، من هنا صرح دي لوكا عقب خروجه من الجلسة أنه لن يستأنف الحكم في ما لو صدر القرار النهائي بسجنه مشيراً إلى أنه «اندهش بالفرق ما بين الاتهامات التي واجهها والحكم الذي جاء أدنى ممّا يتوقعه».
السفير