نورهان مصطفى*
شوارع أىّ مدينة كتابٌ مفتوح يروى تاريخ هذه المدينة، ورّبما تاريخ الوطن كله، واللافتات التى تحمل أسماء الشوارع هى صفحات هذا الكتاب، وفي مصر لم تكُن هناك أسماء للشوارع حتى محمد على باشا، بلّ كانت هناك أحياء أو مناطق تحمل أحيانًا اسم القبيلة التى عاشت فيها في البداية، أو منطقة يتجمع فيها أرباب حرفة مُعينة أو «صنعة».
وأحيانًا تحمِل اسم صاحب قصر كبير، أُقيمَ في منطقة ما، مثل «عابدين» الذي حمل اسم عابدين بك حتى عندّما اشتراه الخديوي إسماعيل، ليبني على موقعه وأرض أخرى مجاورة قصر الحُكم الذي مازلنا نعرفُه في قلب القاهرة. وانتهى قصر عابدين بك القديم ولكن بعد أنّ حفر اسمه على حي وميدان كامل.
مازالت تحتفظ أحياء القاهرة بحكايات تاريخيّة، «المصري لايت» تصطحبكُم في جولة تسرِد تاريخ أهم أحياء القاهرة، مُنذ نشأتها وإلى الآن، وفقًا لمّا رواه الكاتب، عباس الطرابيلي، في كتابِه «شوارع لها تاريخ»، وكتاب وصف مصر، ومخطوطات المقريزي التاريخيّة.
رحلة من «الموسكي» إلى «القلعة»
تمتَد منطقة الأزبكية لتشمل زوايا أُخرى من الحي الكبير، ولعلّ أهمها الموسكي وشارع القلعة والجيش، فهي مناطق تقِف محَل الشاهد على التاريخ، بشوارعها وأبوابها وسُكانها، وأثناء تجولك في هذه الشوارع، قد لا يخطُر ببالك أنّ تسأل عن مغزى أسماء الشوارع أو ما تُشير إليه. ولكن الأمر لا يتعلق بالأسماء فقط، بلّ يمتد لتواريخ هذه الشوارع ومن أسسوها لتُشكّل جُزءًا من «شخصية مصر» في النهاية.
«الأزبكيّة» وحِلم الخديوي بأنّ تكون باريس
«الأزبكية»، بركةٌ تَحولت إلى حي كانَ يحمِلُ في الماضي رائحة من التاريخ، ففيها مباني البوسطة العمومية، ومبنى صندوق الدين الذي احتلتُه لفترة مديرية الشئون الصحيّة بالقاهرة.
وخلف دار الأوبرا، كانت تقع قهوة «متاتيا» التي كانَ يلتقي فيها أدباء وساسة مصر، وبعد حريق الأوبرا عام 1971، تحولَ الموقع من أوبرا للفن الرفيع إلى جراج مُتعدد الأدوار، وتحَولت دار التمثيل الخديوية إلى مسرح الأزبكية، أو المسرح القومي، وأُزيلَ سور الأزبكية بما عليه من كنوز ونفائس الكُتب، لتحتل الموقع البوتيكات وأجهزة الترانزستور.
وفي ميدان العتبة، نجِد عُمارات فخمة تدُل على رائحة التاريخ، ويكاد يكون الميدان مربعًا تُحيط بهِ تلك العمائر التي تجاوز عُمرها المائة عام ومازالت صامدة. ومنهُ تخرج شوارع «الجيش، الأمير فاروق سابقًا، الموسكى، الأزهر، وشارع عبد العزيز».
«جاردن سيتي» وشارع «الشيخ العبيط»
تخطيط المُدن مذاهب ومدارس، مِنها ما يتم على أساس مُربعات أو مستطيلات، وهذه المدرسة أوضح ما تكون في المدرسة الأمريكية لهندسة المُدن، وخير مثال لها مدينتا نيويورك وواشنطن.
وفي مصر اتبعنّا أكثر من مدرسة، مرة اتخذنا أسلوب المربعات والمستطيلات، وجاء هذا واضحًا في وسط القاهرة، بين ميداني التحرير وباب اللوق، وحتى شارع 26 يوليو، ونلاحظ فيها تقاطع مربعات وشوارع شريف وسليمان ومحمد فريد، ثُم شوارع ثروت وعدلي وقصر النيل، وتكررت نفس المدرسة تقريبًا في تخطيط ضاحية مصر الجديدة في بداية القرن العشرين.
وبالنسبة لحي جاردن سيتي، فتم إتباع المدرسة الإنجليزية في تخطيطُه، ليسكُنه الأثرياء وتُقام فيه القصور الضخمة، فالأرض التي أُقيمَ فوقها هذا الحي كانت إما غرب النيل- وليس في شرقُه كمّا هي الآن- وإما كانت تحت مجرى النيل نفسُه، سواء أيام بداية الفتح الإسلامي وحتى في العصر الأيوبي والمملوكي الذي كان مجرى النهر فيه يسير في نفس مسَار شارع قصر العيني الحالي، وميدان التحرير وشارع 26 يوليو.
«الزمالك» من أرض الفجور إلى جزيرة المشاهير
«يعيش التنابلة في حي الزمالك، وحي الزمالك مسالك مسالك، تفكّر يا مُسعد تقرب هنالك توفر حياتك بلاش المهالك»، هكذا تحدّث أحمد فؤاد نجم عن حيّ الزمالك الأرستقراطي، والذي عُرفَ من قديم الأزل بسُكانِه ورواده من المشاهير، بالإضافة إلى إحتماء الجاليات الأجنبيّة بالحيّ الهادئ، بعيدًا عن مناطق القاهرة الشعبيّة.
قَبل 600 عام، كانت الأزبكيّة هى منطقة السكن المُفضلة للأمراء وبكوات المماليك حتى الحملة الفرنسيّة على مصر عام 1798، واستمَرت كذلك في بدايات عصر محمد علي الذي أنشأ لإبنتهُ زينب فيها قصرًا عُرفَ بإسم قصر الأزبكيّة.
وإذا كانت جاردن سيتي قد أصبحت مقرًا للباشوات والبكوات بحكُم قربها من مقر الحكم في عابدين وحي الوزارات والسفارات، فإنّ الزمالك أصبحت هى الحي المُفضل للبرجوازية المصرية مع بدايات القرن العشرين.
«باب اللوق» قلب وسط البلد
«باب اللوق»، أحد أحياء وسَط القاهرة، فهو يبلُغ من العُمر حوالي 700 عامًا، يحتضِن ملامح شوارع وسَط البلد جيدًا، تتفرَع منهُ أشهر الشوارع وتعود إليه. ولكن هل تعرف ما هي حكاية «باب اللوق»، أو حكاية إسم «باب اللوق»، فمِن المؤكد أنّ الذين يمرون الآن بباب اللوق لا يعرفون حكايتهُ ولا سر تسميتُه، ورُبمّا يتساءلون: «لماذا يبقى هذا الاسم الغريب؟».
يقول الكاتب، عباس الطرابيلي، في مُقدمة حكاياتِه عن الحي: «بدايةً أعترف أنني وجدت كثيرًا من المعلومات عن هذا الباب في الكُتب المشهورة مثل؛ خطط المقريزي، خطط علي باشا مُبارك «التوفيقية» وفي صُبح الأعشى، وفي كتاب رشدي سعيد عن النيل، وأيضًا في كتاب أسماء ومسميات من مصر القاهره، لصاحِبه المؤلف، محمد كمال السيد محمد».
«العباسيّة» من صحراء إلى حي الأثرياء
حي العباسية، من الأحياء الشهيرة في القاهرة، حيثُ توجد به أشهر الجامعات المصريّة، جامعة عين شمس، كمّا أنهُ يصِل بين غرب القاهرة وشرقها، ولكن هل تخيلتُ يومًا أنّ حي العباسية كانَ صحراء جرداء ثُم تحَول إلى حي الأثرياء ومهدًا للمنشآت العسكرية مع مرور الزمن.
كمّا شهدَ الحي قديمًا موقعة «الريدانية»، والتى وقعت أحداثها عام 1517 بين جيش المماليك الذين كانوا يحكمون مصر والسلطان العُثمانيّ، سليم الأول، والتي انتهَت بإنتصار العُثمانين وهزيمة المماليك بقيادة السلطان طومان باى. فيعرف الكثيرون اسم الموقعة دونَ معرفة أنّ «الريدانية» هى نفسها منطقة العباسية، فسُميت المنطقة التى كانت مُجرّد صحراء جرداء باسم «الريدانية» نسبةً إلى «ريدان الصقلي»، أحد أفراد حاشية الخليفة الفاطمي، العزيز بالله، وبعد هزيمة المماليك فيها ودخول العثمانيين منها للقاهرة، أًهملت هذه المنطقة، ثُم تغير اسمها إلى «الحصوة»، حتى أعاد اكتشافها «عباس الأول» ثالث حكام الأسرة العلوية.
«قصر النيل» نزهة الأكابر ومهد الصراع السياسي
«الشوارع حواديت»، مطلع أُغنية كتبَها صلاح جاهين، وتغنّت بها فرقة المصريين في أوائل الثمانينات، فهو تمنّى أنّ يحكي عن حدوتة كُل شارع، والتفاصيل التي ضلّلت عليها «حوادية» كُل شارع، أو كمّا قال:«الشارع ده والشارع ده كُلهم حواديت طوال وقصيرين».
شارع قصر النيل، أشهر شوارع قَلب العاصمة، ويكاد يكون الشارع الوحيد الذي لم يتغير اسمُه، رغم مرور عوامل الزمن عليهِ، ففي كتاب «شوارع لها تاريخ»، يحكي الكاتب، عباس الطرابيلي، حكاية شارع قصر النيل، ومراحلهُ الزمنّية المُختلفة، مُنذُ أنّ كانَ ثكنات عسكريّة للجيش، ثُم تحوله إلى نُزهة لـ «أولاد الأكابر»، وإلى أنّ أصبح أهم شوارع القاهرة.
ــــــــــــ
* المصري اليوم لايت.