*ناصر ثابت
خاص ( ثقافات )
شجرٌ للتسامحِ يخضرُّ في القلبِ
يكبرُ كالسنديان العظيم.
شجرٌ للتسامحِ يخضرُّ، يخضرُّ،
والقلبُ فيه حقولٌ من العفوِ
تزرعُها صفةُ الروحِ بالحنطةِ الفاخرة
مثل أمٍّ تسامحُ قاتلَ أطفالِها
شجرٌ للتسامحِ يخضرُّ في القلب
قد أسامحُ حتى عدوي،
وسارقَ تفاحتي،
قطتي حين تخمشُني،
امرأتي حين تهرقُ ماءَ الهوى،
قاتلي، وابنَه، وسلالَتَه كلَّها
أنا لن أتسلى بصخرِ الظنونِ المريضة
والقلبُ يحتلُّه قلقٌ عفويٌّ
يُكسِّرُ سوسنةَ المجتمعْ
يسرقُ النبضَ من لغةِ الغيبِ
مثلَ حديدِ المرايا
يتذكرني في صلاةِ التجلي،
أتجاهلُه، أتهربُ من كبرياء الدلالَةِ
أهربُ منه، إلى شجرٍ فاخرٍ للتسامحِ
يخضرُّ في القلبِ
يأخذني نحو غيمِ المروءةِ بين سطور السماء
يتشربني كالفجاءةِ
أسمعُ ظليَ
لا أتهربُ من لغةِ الحربِ، عند الدمارِ المعطرْ
بل أحاولُ أن أنثرَ الحِلمَ عند زوايا الهواءْ
لا أرى في الولاء العقيم إلى الإنتقام
مادةً لولادةِ غيميَ من رحمِ مبهم للحضارة
سأسامحُ سارق تفاحتي، وعدوي
والمسيحَ الذي في السموات.
شجرٌ،
سوف يأخذ ما ترسمُ الذاتُ من صورٍ مُرَّةٍ، مُرَّةٍ
ليعلمني أن أعيدَ كتابةَ تاريخ فاجعتي
ربما قاتلي كان يبحث عن أملٍ غاب خلفَ السرابْ
ربما لم يكن قادراً أن يوجه لي دعوةً للغداءِ
وفضَّلَ أن ينهيَ المسرحيةَ بالموتِ، موتي
ربما لم يكن عنده شجرٌ أخضرٌ للتسامحِ يطعمه ثمرَ العفو عني
ربما، ربما، لستُ أدري
غير أن الردى المعنويَّ سيحملُ أطفالنا لغدٍ مبهم ورديء
أنا لا شأن لي بالغنائم أو بالبطولات
فالبطولاتُ لن تزرعَ الحقلَ بالقمحِ
والبطلُ الحقُّ من يبذرُ الزيتَ في أرضنا
من يعلمنا أن نقلِّبَ هذا الترابَ
لنخرجَ منه التماثيلَ والشمسَ،
لا من يعلمنا أن نلاحقَ أوهامنا بسرابِ اليدين
باردةٌ هي هذي البطولات
صعبةٌ، كالهواءِ العتيق
كالكلامِ الكبيرِ الذي يصنعُ الموتَ والقهرَ في طبقاتِ المساءِ الرقيق
كالخُرافاتِ، لا تفسدُ الروحَ لكنها لم تكن ابنةً للحقيقةِ يوماً
دمها أبيضٌ، ولنا دمنا الأحمرُ المتساقطُ في وهم هذي الطريقْ
شجرٌ للتسامحِ، يعرفني
وأراهُ هنا، في الفؤادِ قريباً من الوحيِ
من صوته العامِرِ الأثري الأنيقْ
في القرارِ المراوغِ ما بين قلبي وجرحي القديم
وأنا واثق أنني لن أعيشَ شراسةَ هذي الفراشات
في المساء المقطر من لعنة الجغرافيا
وسياجٌ كبيرٌ من الحربِ يفصلنا عن شعورٍ من الأبديةِ
يذهلُنا
يتصببُ من قلبنا عرقُ الشوق
هل هذه رغبةٌ للتآلفِ
أم أنها قصص للحضورِ الدقيق
والصعوبةُ كامنة في انتصارِ الرعاءِ على كلمات الشجر
أنا لا رغبةَ الآنَ لي
بانتقامٍ سريعٍ يعلمني الموتَ
ويقلل من فُرصتي في الحياة
هل هنالك من فكرة في النزاع العميق
بين ذاتي وذاتي
بين شمسي ودربي؟
شجرٌ للتسامحِ يخضرُّ في القلب
شجرٌ عفَّ عن دمِ كل الضحايا
مثل صفصافةٍ عاشقة
مثل أنثى التردد، حين تقابلني في الوضوح
ينزعُ السمَّ من داخلي، ويبدده في الفضاءِ القديم
في الحروبِ التي تكسرُ المرمرَ البشريَّ
أقول:
أنا لا شأنَ لي، بالشؤونِ الصغيرةِ للقاتل المحترف
أنا لا شأنَ لي بالخطاباتِ
فاخرةٌ هذه الأرضْ
تستحقُّ من القلبِ مغفرةَ النحلِ
لن أتنازل عن عرشِ هذي الحديقةِ، فالغدُ لي
حين أصفحُ عن قاتلي
كم أحبُّكَ يا قاتلي!
كم أحبكَ! علمتني كيف أقطفُ حريتي
ثمراً فاخراً يتدلى كمثلِ القناديل من شجرٍ فاخرٍ
سوف أنسى الجريمةَ
لا شأنَ لي بالجرائمِ
لا شأن لي بتسلسلِ أحداثها
إذْ تركتُ المدينةَ مفتوحةً، وهربتُ إلى سُرةٍ للنجاة
سوف أنسى الجريمةَ والبارحة
وصراخي على حد سيفك
سوف أنسى دمي، فوقَ معطفكَ الفاخر الليلكي
يا صديقي ويا قاتلي
سوف أنسى كلام المنابر
حينما حرضوكَ لتقتلني
حينما حرضوني لكي أنتقم
سوف أنساه، يا قاتلي
وسأبدأ من أول العمر، طفلاً صغيراً
وسأزرعُ حقلي بالمفرداتِ الجديدةِ
لن أتعلمَ كل كلامِ الأساطيرِ عن عُشنا الوطني
فغدي الآن لي
وغدي الآن لك
أنتَ يا قاتلي في الحقيقةِ ما أجملك
هل هنالك من فكرة كستنائية
تتوارى على غيمةٍ في جبينكَ
مثلَ فؤادٍ خجولٍ.. خجولْ
سوف أسمحُ لليلِ أن يسرقَ التينَ من سورِ بيتي
وسأسمح للقط هذا الصباح
أن يعضَّ بشكل خفيفٍ على إصبعي
سأسامحُ لصَّ الهواءْ
وليكنْ أنه سوف يسرقُ من غيمتي ما يشاءْ
فالتسامحُ يفتحُ لي كوةً في جدار السماء
سوف أتركُ ربي وربَّك يلتقيانِ ويتفقانِ
على ما تقولُ التفاصيل
سوفَ أهديكَ لحمي على سيفك الحي
عله يا صديقي يرضيك
وسأفتح باباً صغيراً لنعبرَ بين بساتيننا
فالتسامحُ يفتحُ لي كوةً في جدار السماء
ويعلمني أن أعودَ إلى داخلي
لأمتعَ ذاتي بهذا الصفاء الحقيقي في الروح
ولأغسلَ قلبيَ من لغةِ الحقد والإنتقام
شجرٌ للتسامحِ
طفلي وطفلك في ظله يلعبان
يا صديقي ويا قاتلي
فهلمَّ بنا نصعدِ الآنَ في جبل المغفرة.
________
*شاعر فلسطيني مغترب