فاطمة الزهراء فلا
أغنية بحجم الفضاء والحلم المتسع كجلباب جده يوم تسامر مع القمر في ليلة صيف، إنه محمود المغربي شاعر جنوبي آخر يرحل في عامه الثالث والخمسين, بعد أن طرح شجر الليمون، وغنت مع أغنياته الفوضوية شجرة الصبار.
والشاعر الكبير من مواليد محافظة قنا في فبراير 1962، بدأ كتابة الشعر من صغره، وبدأ يكتب شعر الفصحى في أواخر السبعينيات، وكان أول لقاء له بالجمهور من خلال حفل تنصيب اتحاد طلاب كلية الآداب بقنا في عام 1981 في حضـور محافظ قنا والقيادات التنفيذية وشعراء قنا الكبار.
اتجه “شاعر الجنوب” بعد ذلك للمشاركة في العديد من المؤتمرات والنـدوات الأدبية وصدر له عـدد كبير من دواويـن الشعر منها: أغـنية “الولد الفوضوى”، “العتمة تنسحب رويـدًا”، “تأملات طائر”، “ناصية الأنثى”، “صدفة بغمازتين”، “تجليات المغربى” ومجموعة شعرية بالعربية والفرنسية.
وحصل مغربى، على عدد من الجوائز منها جائزة أخبار الأدب في الشعر عام 1995، وجائزة هيئة قصور الثقافة في العام نفسه، وجائزة المجلس الأعلى للشباب والرياضة الأدبية عام 1996، كما تم تكريمه في عدد كبير من المحافل الأدبية المحلية والدولية منها تكريم النادي الثقافي العربي بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي المهرجان الدولي للشعر بالناطور المغربية 2013، وفي مهرجان الدار البيضاء الأدبي بالمملكة المغربية 2013 وتكريم جماعة بصمات التشكيليين العرب بالقاهرة في يناير 2015.
تميز شعر المغربي بالبساطة والعمق يقول في قصيدة مشاهد بالعامية المصرية:
ف بلاد برّه
المطره شيء عادى
بتصادق كل الشبابيك
وتملّي بترقص فوق أسفلت الشارع
وكمان بتعاكس شعر البنت الشقرا بحنان
وساعات بتشده بجنون
لكن في بلدنا
قصد في صعيد المحروسة
لمّا تزورنا المطره..
تتحزم بجنازة
وتغنى ب بوووووووووووووووووووه
إنها رائحة الوطن الساكن بين ضلوع الشاعر مهما كانت أناشيد الحزن المطلة من تحت جلاليب القب
الولد الجنوبي، الولد الفوضوي، الشاعر الأسمر، كلها ألقاب يحملها الشاعر المصري محمود المغربي، الفائز بجائزة أخبار الأدب في الشعر عام 1995، وصاحب دواوين: صمت الوقت، أغنية الولد الفوضوي، العتمة تنسحب رويدا، تأملات طائر، وناصية الأنثى. وصدر له حديثا ديوان “صدفة بغمازتين” عن بورصة الكتب للنشر والتوزيع.
ينظر إلى الشعر على أنه “الفعل الخلاق في حياتي”، وتتجلى بدايته الحقيقية مع الشعر كما يراها، في مشاركته لجماعة “رباب الأدبية” عام 1980، التي كان يشرف عليها الشاعر أمجد ريان في فترة وجوده في محافظة قنا بصعيد مصر، حيث تعرّف في هذا المناخ، كما يقول، “على الكبار أمثال أدونيس وسعدي يوسف وعبدالمعطي حجازي والبياتي وصلاح عبدالصبور والسياب وأمل دنقل والأبنودي، وعرفت بأن هناك شعراً مختلفاً غير ما درسناه في المدرسة”.
الولد الجنوبي
يقول الشاعر المغربي عن تسميته بالولد الجنوبي: “إن مفردة الجنوبي تجعلنا نستعيد الجنوب، صعيد مصر، بكل تفاصيله الثرية؛ شعراء أميون ومتعلمون، بالجلباب والبنطال، حنان الجنوب وقسوته، مفردة الجنوب تجعلني أرى (المغربي الصبي) حاديا خلف المحراث، يشدو بالمواويل، يؤنس نفسه وروحه المنفردة في الحقول البعيدة عن المدينة في القيلولة، أتذكره مندهشا ومُصغيا إلى عازف الربابة الشجي، الذي يجيء مثل غيره في وقت حصاد محصول القمح، إلا أن (الجنوبي) يبقى مرتبطا بشعراء وأدباء كثيرين مثل: أمل دنقل، وعبدالرحمن الأبنودي، وبهاء طاهر، ويحيى الطاهر عبدالله، وعبدالرحيم منصور، وغيرهم، وفي الجنوب أتذكر أنه في عقد الثمانينيات كان المناخ فياضا بروح العطاء والتلاحم والاحترام في كل مجالات الفنون من أدب ومسرح وفنون شعبية وتشكيلية وغيرها، حيث كانت الحقبة غنية بالأمسيات والندوات، كما كنا نجد في قرى الجنوب ما يسمّى بـ (ظاهرة المنادر) التي كانت تستقبل الشعر والشعراء وتتفاعل الجموع مع الكلمة. كل هذا اندثر تقريبا وبات المشهد بائسا، نحن الآن أمام جمهور تحوّل من القراءة إلى الفرجة وطبعا هناك أسباب أخرى عديدة ساهمت في ذلك”.
ويقول عن لقب الولد الفوضوي: “إن مفردة الفوضوي تكررت في مجموعتي الشعرية الأولى (أغنية الولد الفوضوي)، الذي أعتبره جواز مروري الحقيقي لعالم الشعر الغني والمدهش والسحري، فقد صدرت المجموعة عن سلسلة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة المصرية 1998 ووجدت صدى طيبا جدا في الصحف والمجلات، وتمت مناقشتها في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب ضمن برنامج المقهى الثقافي، ونوقشت في أبحاث مؤتمر أدباء مصر من خلال الناقد الدكتور مجدي توفيق، كما نوقشت في دراسات موسعة في المجلات والصحف المصرية من أهمها دراسة تحت عنوان (الحداثة, والمغربي ذلك الجنوبي العاشق لتفاصيل الهم في الصعيد الجواني), كان يعشق الكراس حين يدون حكاياه المزروعة تحت التوتة ولهيب الصهد في الصعيد الجواني”.
ترى ماذا يحدث للغة بعد إدمان طويل على الكتابة مع تقدم العمر؟ هل يألفها الشاعر، هل تتوالد بين يديه؟ يرى الشاعر المغربي بأن اللغة هي من أهم أدوات الشاعر والمبدع عموما، هي فاتحة الكتاب والحياة والتقدم، وهي سر السعادة، شعارنا المرفوع في كل الثورات، اللغة هي الحياة في أجلّ تفاصيلها وعنفوانها، وكلما تقدم العمر بالشاعر، عانق حرفه أكثر، ليصبح هو واللغة وجهين لعملة واحدة، ساعتها فقط، لا بد أن يستعيد الشاعر كل الضياء الدفين في روح العالم، من خلال قصيدته وسحره المدهش!
ميدل ايست أونلاين