الولد الذي


* محمد النّعاس

(ثقافات) 

مصابيحٌ نُحَاسِيَّةٌ ، مكوّرةٌ…
مهتزّةٌ تبكي حرارةَ وجدِ الكهربَاءْ .
قوسٌ رُخاميٌ ،
أزهارٌ لا أعرفُ اسمهـا ،
و موسيقى تستسقي لحنَ البُكاءْ .
كتبٌ و أوراقٌ و أقلامٌ بلا حبرٍ ،
و القلبُ يخفقُ زيفَ الدِّمـاءْ ..
بحيرةُ المقلِ شحّت من المِلحْ ،
و الدمعُ صار صالحاً للشرب ..
لوحُ ” الماهوجني ” كما كانت تنطقهُ أصابعُنا
متشققُ غالبه المطرُ الكئيب ..
نخلةٌ تذكرني بإصبعِي الملويِ كصبَابَتِي ..
النّايُ الذي أغوى كآبتي ،
و عاشقٌ لا اعتراف لهْ ..
مشهدٌ يوحي المـارةَ بالعنفْ ،
زجاجُ صدري الذي انكسر ..
أنتِ التي لستِ بأنتِ ،
قمرٌ على قمرٍ على قمرٍ ..
مجرّدُ نُفاياتِ في رحمِ الفضاءْ .
الأرضُ مكعبةٌ ،
الصورةُ المأخوذةُ عن القلبِ مُزوّرةٌ ،
الشرطيُ بائعُ خُردةٍ إن أضاع القبعةْ ..
الأرضُ مكعبةٌ أصر …
و الحب يأتي لا مفرْ ،
و أنا مدفأةٌ أهملها الانطفاءْ .
الولدُ الذي كان يحلمُ أن يكون طائراً ،
أو ريشةً …
أو وردةً في الوادي البعيد ،
الولدُ الذي …
متوسدٌ ألمه ..
الولدُ الذي ..
رائحة المستشفيات لا تروق له ..
عطرُ البناتِ لا يسلبهْ ..
غزالةُ الميناءِ لا تثيرُ شهوته ،
خيطُ الهوى لم يدخله ..
و صورتكِ يتنفسها هواءْ .
أنتِ التي لستِ بأنتِ ،
لا تشبيه عليكِ اليومْ ،
لا السماءُ لا الماءُ لا المطرُ ..
لا البحرُ لا الغيمُ لا الشجرُ ..
لا الوردُ لا الليلُ لا القمرُ ..
لا أمةُ الأشياءْ ..
أوديستِي أنا لستُ هوميروسَ لأكتبكِ ..
الجنديُ لا يهوى الملاحمْ ،
الجنديُ يغرسُ سيفه في القنبلةْ ..
تتفجرُ شوقاً لا حد لهْ ..
السيفُ يتشابهُ و الأنا ..
الاثنان ليس لهما مراسم ..
العشقُ ليس له مواسم ..
و الأرضُ مكعبة البناءْ ..
ألملمُ خساراتيَ …
أحرقها ،
أشتري لي خسارةً أخرى …
مزهوةً لكنّها مثقوبةً ،
مشبوبةً بحذرٍ ..
تسرقُني من صباحي و المساءْ ..
مئذنةٌ مخفية بسربٍ من شعاعْ ،
طيورٌ مهاجرةٌ إلى حيثُ لا تحب ،
و أنا المهجور من من أحبْ ..
المصابيحُ النحاسية ،
الشاعرُ الذي ما كان يُمكن أن يكون*
القصيدة التي نامت على كوبِ الشايْ ،
كوبانِ من القهوةْ ..
المظلةُ المفخخةُ بأيدِ الشّمسْ ..
و حديثُ مفخخٌ بالتغاضي عن التغاضي ،
سورة الكهفِ لا تتلى ،
لكنها ترتقي مخيلةَ الذين ناموا على أخطاءِ بلادهم ،
الشعرُ لا يدق الباب ،
الشعرُ يأتي بلا تراضي ،
الشعرُ حالةٌ من انكفاءْ ..
يا أيّها الشاعرُ العذب الكلامْ ،
أمينٌ أنت على دارِ القوافي ..
أمينٌ ينسى أنّ السماءَ ليست سماءْ ..
يا أيّها الشاعرُ العذب الكلام ،
الحمامةُ لا تطيق طوقها ،
رسالة الغفرانِ صارت منها لها ،
الجدارية مُلئت كلاماً عن الحبِ و الذكرى ،
عن الأرضِ و الوطنِ و السوقْ ..
عن الزُرقةِ المسروقةِ من مركباتِ الوقتْ ..
عن السحاب المكتئبِ كمالكِ ،
عن أي المفاتيح يغلقُ قلبكَ المجنونْ
عن الصباحِ الذي ينفي الصباح ،
عن الليلِ لا يهدأ …
عن شوقك المسجونْ .
عن تساقط أوراقكَ رُغم أنفِ الربيع ..
عن السعداءِ الأوفياءِ الـ… يـحزنونْ !
عن الذي جعل من الهوامشِ جملاً لنا ..
عن صاحبِ الجرحِ الدفين ،
عن صاحبِ الجرحِ المخزنِ وسطَ السنين ..
عن ما كان يمكن أن يكون .
يا أيها الشاعرُ العذب الكلام ، تلتفُ دموعُكَ بالساقْ ..
تتدحرجُ أفكارُكَ في حَزَنٍ ..
تتلعثمُ عيناكَ الآنْ ..
أطفئ شمعتكَ في جوٍ مملوء بصراخِ الصمتْ ..
بارك للإنسانِ الطفلَ الممسوحَ الأفراحْ ..
ابكي يا هذا لا تخجل ..
ابكي ..
لا الشرطيُ يراك لا أمُكْ ..
لا صديقك المكسوُ موعظةً …
لا عينُك ،
لا قلبُك … لا المرآةُ و لا الأشواقْ .
يا أيّها الشاعرُ العذبُ الكلامْ … 
كنتُ أقول أنّي صرتُ شبحاً موهوماً ..
صرتُ قُبلاً ضائعةً في خدٍ موبوءْ ..
كنتُ أقولْ ، فماذا تقول .. ؟
ماذا تقول لو كنتُ أنتَ الذي يوماً أكون ؟
ماذا تقول ؟ .
ماذا ترى لو كنتَ أنا الذي كره الورَى ..
فما أصبتَ من الضوضاءِ شيئاً ..
و ما أصبتَ من السكونْ ؟.
يا شاعري ماذا تقول لو كنتَ أنا الذي يوماً تكونْ ؟.
*عنوان لقصيدة ” ما كان يمكن أن يكون ” للشاعر عبد الدائم اكواص ..
________________
* قاص وشاعر ليبي 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *