عشرونَ سيرة ذاتية للقَهوة


*سميحة المصري


خاص ( ثقافات )
[ إنَ نصفَ دماء العَرب قهوةٌ والنصفُ الآخر قصائد ]
____________________________


أما الإهـــــــــــــــداء ..
أنا منذُ عشرينَ سنةً لمْ اؤذِ أحداً ، فقط كنتُ أشربُ القهوةَ وأكتبُ القصائد ، فمنْ ألصقَ بي تُهمة الصراخ ؟
أنا لا أحبُ أن أخدشَ حياءَ الدموع ..
أو أُحْرِجَ وجَهي . … يا الهي !
كلّ بعضهم خَنقوا مصابيحهم وانطفأوا .
فَلِكلّ كُلهم أُرتِّبُ كلَ هذه القهـــــــــوة ….
…………………………
أوصَدوا بالأمسِ بابَ القيامة ..فامشِ الهوينى .
لقدِ انعتقَ السِرُّ ، و سلّمتُ – منْ وراءِ حِجابٍ – يداً بيدٍ
على بهيّاتِ أحزانِكَ ..حَدَّ التَقَرّح – ما أكذبني حينَ صدّقتُ الكذبة !-
ورستِ المحبّات على الرُسل ، فهاتِ القلبَ ، قدْ جفَّ الريق 
أريحوني إذاً من هذا العَداء العنيد الذي يُقَوّضَ قلبَ القَصيدة
ولا تُبالغوا في وسْمي بالأخضرِ في الأعياد و( الآحاد) اليتيمة !
أن أحببتم فَسنجالِس الله زُرافات عاشِقة هذي الليلة
وسنُحلّفه به أن : يدَعنا نتمنى بشغفٍ أن يُذبحَ الخوفُ
وأن يُلغي الشائعات التي تسمحُ بتدخينِ الأوطان
أن لا يُصابَ عاشقٌ في كبدهِ ولا في حُسْنِ نيّته
وأن يذهبَ مُزَوّرو التاريخِ إلى الاعترافِ
ويذبحوا هناكَ خطاياهم ويتوبوا ( ويَعودوا سالِمين)
فهنيئاً لمنْ ماتَ بالأمسِ ميتةَ الله
ومُباركٌ منْ تنتظره قهوته المرّة هُنا الليلة
منْ يشربها مع الخَسارات الباذِخة ، والانتصاراتِ الواهِمة
مع الذينَ يتذكرونَ دائماً بأنهم من سلالةِ الغُرباء وهُموا ليسوا
مع الذينَ يُفرّقون جيداً بينَ الموتِ والموتى وهموا بينَ بَينْ
الذينَ تركوا ندوبهم وفاحتْ رائحةُ غُربة قهوتهم
مع العابرينَ والوافدينَ والمُفْرِطين في الحُب
مع الذينَ يكتبونَ القصائدَ عنّا وعَنهم
ويقرأونَ القصائدَ عنّا وعنْهم
ويسكتونَ من الدهشةِ وثَمَ الهشاشة عنّا وعنهُم
مع الذينَ يبكونَ بعدها من نفسِ العينِ عنّا وعنهم
فــَ سيري يا زوابع
وأكمِلها ..
قدْ حانتْ ساعتها فاشربْها بحُرقةٍ واكتبْها بحُرقَة
كنْ شيئاً جميلاً وأنتَ تُهاذيها
كنْ نَجْديَّ الهوى مَثلاً ..كنْ تَميميَ القَصيد 
كنْ روميَ الغَزلِ شيرازيَّ العِشق تبريزيَّ الوصول ..
وهاتِها عالياً هاتِها غالياً هاتِها ابنة الروائِح سَليلة الشاماتِ 
المنشورة كإعلاناتٍ سوداء على جدرانِ العالمِ وبواباته
وإنْ حانتْ ساعتها فـــي الشرفةِ المطلّة على وَجْدهِم 
ألا إنَ لكُلِ شُرفةٍ قهوتها ولكلِ ناحيةٍ قلبُها العاشق
ولكلِ كأس مزاجها ورائحتها وأجفانها
فأكملها …حتى الحديث الأخير …
يا الله كيفَ نشربها وحْدنا ؟
ولماذا ينزفونَ الشتائِم على الصامتينَ في حَضرتِها
لماذا تتعثّرُ (عينتاي) بأهلِ الغُبار
وبالضالّة من الأشعارِ … والأنثار..؟
وتنتظرني كل هذي البلاد …
سَمّيني يا ليلى جملةً في بطنِ قصيدة
وثوري إن هادنتُ ، وأفيقي إن غَفوتُ ، وهدهديني
هَدهِديني إن شِخْتُ وربَضتُ كما أهل أرذل العُمر
فالطفلة التي تعرفينَ ما زالت تَلْعَبُ وتغضَبُ وتعشقُ 
ظَلّي معي فلا أُحبُ أن أُطاردَ ضوء الصُبح وحيدةً
وقولي للمجنون :
مُبتسماً خُذها لتبدو بهجةَ جراحكَ أزهى أمامَ السُمّار
مع الذينَ لم تُغمض في عيونِهم “الليلات السود “
مع الذينَ ليسَ لهم أُمنياتٌ مَشروطة في الليلِ البارد
وبِلا طُقوس تُشبهُ هَبلَ العَرّافات
مع الذينَ تزعمُ بأنهم أصدقاء .. جدّاً !
أكملها ، وأنتَ تكتبُ قصيدةً وَعِرَة ، مُحَيّرة ، طاغٍ فُضولها
وتزعُمُ أن المتنَ فيها لا يُعرض دماءً طاغيةً
وتتعبُ من قلقِ التوصيف…
اشربها مع الذينَ اختزلوا الشقاء بــ( إنما الحاضرُ أحلى)
كنْ الأُضحية العاشرة وأنتَ تُنْهكها ..واعتذرْ لها
ورطْها في الأسبابِ اللامعقولة وانجُ قبلَ أنْ تَستَنطقك
اعتذرْ بِقَسوةٍ ، وتهيأ لأنْ ترمي ذاكرتكَ وتبكي بعدها وحيداً
اشربها في غيابِ الجَوقة
فأنتَ تعرفُ بأنكَ لستَ مرجِعاً قيّماً في الحُكمِ على أحد
ولستَ حبيباً لأحد ، وطيوركَ الأولى هي أُغنيات قصائِدك
دَعها تبردُ واعتذرْ لها فليسَ في الأمرِ امتياز !
وأوقفْ هُراءَ الساحِرات ، فقدْ نَضجتْ حماقة المَساءات
يا ربّات القَهوة
هَيّنٌ أن تَعُدنَ إلى البحرِ لتملئنَ جراركنَ من تَرِكات مَن رحلوا
الليلةُ مزاجُ البحرِ أسود مثلَ مزاج إبليس ليلةَ الخُروج
فَخُذنَ مزاجَ القهوة للمراسي بأناشيدَ ليليةٍ ولا تَخَفن
لأن الكبار حين يشربون قهوتهم لا يخافونَ ولا يَتنرجسون …
حينَ تكونُ القهوةُ قَدَراً …فالقصيدةُ هديّتهم الكبرى والأخيرة .
حينَ يكونُ الوطنُ قَدَراً ..فالمقهى ..أي قدَر!
قالتْ ربّة المَساء
توشكُ القهوةُ أن تكُفَ عن الرائحة
توشكُ القهوةُ أن تتركني وحيدةً كَمنْ يجيءُ إلى الفراغ 
توشكُ القهوةُ أنْ تختلطَ بالسُكّر حتى لا أشربها ..
وأضافت : الكونُ كلّه لا يكفي لإدانتكَ إن شربتَ القَهوة بالسكّر
سيدتي ..لا توشِكي فما أشدَ جفافَ الأشواق ..
وقالتْ ربّة الحَنين
أفادني طالع القهوة بأن :
القهوة نصٌ باذخ المرارة والغِناء والرائحة
القهوة تلكَ التي تُذكركَ بكَ ..بأبيكَ وجدّكَ وَوجْدكَ وسُلالتك
القهوةُ تفسدُ بنكهةِ الياسَمين …
القهوةُ تُريدُ أهلها نُدمانها سمّارها ..القهوةُ تريدُ أوطانها .
فريحُ الوطن قهوةٌ ورائحةُ القهوة وطنٌ ..فلا تَبِعها للغبارِ المُبين ..
هامش / الفرقُ كبيرٌ بينَ منْ يشربُ كلَّ صباحٍ قهوته الباهِظة ومنْ يشربُ أرواحاً معَ روحهِ ، ذلكَ الذي لا يأملُ بحظوظٍ منتفخة ، وكلّ جهات الحنينِ عنده واحدة ، لا تنحني حينَ يمُرُّ حَجيج الغِربان ..
فسلامٌ على كل النجوم والدروب التي …..
والأغنيات التي ..والمدن التي ..وأنا التي …
الأقربين منَ الروحِ : الحظُ والعمر ، سلامٌ عليكما وقَهوة ..
إنَ المحبّةَ تصِلُ أطرافَ القلبِ بأطراف المَلكوت ..

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *