عبدالله الساوره
يصر المخرج الأمريكي كوينتين تارنتينو، المثير للجدل على ترديد»أنا كاتب وهكذا أكتب ببساطة…». ولكن أي نوع من الكتابة الفيلمية الذي يسير حد اعتبار العنف شيئاً جمالياً؟
في فيلمه الأخير «الحقد الثامن» (2015) لا يخرج عن أفلامه السابقة ورؤيته الإخراجية المعتادة المليئة بالعنف والدماء. تدور أحداث الفيلم بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية الأمريكية 1865، عن حكاية صياد مكافآت يتأرجح بين الخيانة والبقاء على قيد الحياة في منطقة ثلجية على نمط سينما الويسترن.
فمن يكون هذا المخرج الأمريكي عبقري كل الأزمان والذي باستطاعته ابقاءنا في التشويق مع كل مشهد؟ شاعر حضري يمكنه إبداع قصص مروعة ومضحكة بقسوة؟ أو ربما مجرد مجنون مهووس بالدماء والعنف؟
أفلام تارنتينو، مصنوعة بنمطية واحترافية كبيرة، حيث الاقتباسات والتلميحات تتحول على نحو فعال إلى استعارة عناصر سينمائية أخرى ومزجها مع مرجعيات أخرى بثقافته الشعبية، وفرضها علامة خاصة، يجعل منها أسلوبه والذي يمكن التعرف عليه في كل فيلم من أفلامه.
يستوحي المخرج أسلوبه السينمائي من تجارب مختلفة من أعمال مخرجين عالمين من بينهم، مارتن سكورسيزي، سام فولر، هاورد هواكس، فيل كاريسون، سرجيو ليوني… ويتحكم في الفضاء السينمائي بمعرفته واطلاعه الكبير بثقافة البوب وبنصوصهاوبتفرد في الأسلوب.
تتعدد خصائص سينما تارنتينو، فالمخرج له موهبة كبيرة في بناء الجسور بين الأنواع الفيلمية، والثيمات، والتأثيرات ومنابع الإلهام. هذا المزيج والخليط الشخصي في العديد من أفلامه كما في فيلم «اللقطاء الملاعين» بين الويسترن السباغيتي والسينما الحربية. يرسم المخرج شخصيات أبطاله وحركاتهم وذلك من خلال اللعب بمجموعة من الثيمات، خاصة أفلام الحرب، ولكن ُيبيئها بنظرته الخاصة وفلترتها من خلال رؤية إخراجية فريدة من نوعها لتقديم ما يرغب في تقديمه. ويتبع المخرج طريقة سرد غير تقليدية، عبر الفصول والأجزاء والمقاطع (الفصل / المقطع / الجزء الاول، الثاني، الثالث…)، ليس سرداً خطياً في اتجاه تصاعدي، في حوارات أفلامه يعمل على توظيف مرجعيات ثقافته الشعبية، وببنية سردية غير خطية.
هناك أيضا استعمال الألوان (حضور اللون الأصفر في فيلم «بيل القاتل» وكذا عبر مشاهد كاملة ملونة بلون مختلف، ولباس البطلة باللون الأصفر في الفيلم). مع وجود أجواء من الترفيه والتسلية في أفلامه لا تخلو حد التخمة بمشاهد العنف والدماء المبالغ فيها
بالنسبة للمخرج العنف، شيء جمالي ويقول «العنف واحد من المظاهر التي يمكن أن يكون لديك ترخيص حينما تحكي قصة ترتكز على الإنتقام. أيضا أشعر وأعتقد بوجوب برهنته. العنف هو شكل آخر من وسائل الترفيه السينمائي. تسأل عن العنف في أفلامي كمن يسأل عن تبرير التتابع الموسيقي في سينما فينسنت مينيلي». يخلق المخرج عالماً من العنف المتطرف والمُنمم والجمالي لعرض جمالية متطورة، ولكن النقاد يعترضون بشدة على هول العنف وكمية الدماء الحمراء القانية الموجودة في أفلامه.
كانت لحظة الاعتراف به كسينمائي مبدع من خلال فوزه في مهرجان «كان» بالسعفة الذهبية عن فيلمه «بيلب فكسيون»(1994) لتتوالى باقي الأفلام «الغرف الأربع» (1995) و»جاكي بروان» (1997) و»بيل القاتل»(2003) و»مدينة الخطيئة» ( 2005)و»دليل الموت»(2007)، حيث يتحدث عن مجرم محترف يجد لذته في قتل النساء المشهورات والتنكيل بهن بوحشية قاسية، ثم فيلمه «خزان الكلاب»(1992)،الذي يحكي عن قصة سرقة سيئة التنفيذ ونتائجها المنطقية، بعنف غير مسبوق يختبر أواصر الصداقة بين مجموعة من اللصوص المحاطين بسياج. ثم فيلم «اللقطاء الملاعين» (2008)وفيلم حربي، يحكي عن مجموعة من الجنود اليهود، عرفوا عند أعدائهم كلقطاء وهم مستعدون للقيام بأي شيء من أجل تحقيق أهدافهم في الحرب العالمية الثانية. ثم فيلم «دجنغو الحر»(2012) الذي يتحدث فيه عن العبودية بجنوب الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يرد فيه الاعتبار لسينما الويسترن سباغيتي. يؤكد المخرج «كنت دائما أرغب أن أكون رجلاً ويسترن خالصاً وقاسياً».
بالنسبة له فالفيلم حسب قوله «يذهب في اتجاهات مختلفة، لكن المتفرج يبقى دائما في المسار الصحيح، لأنه يعرف في كل لحظة ما هو الهدف من الحكاية».
يعتبر الكثير من النقاد والمهتمين أفلام وسينما كوينتين تارنتينو بأنها مشتقة وغير أصيلة ويغلب عليها طابع التصنع والتكلف وفي هذا يوضح المفكر الايطالي أمبرتو إيكو «أي فيلم لايمكن تجريبه بعيون الإنسان البسيط. كل الأفلام يمكن تأويلها بعلاقتها مع أفلام أخرى». لذا يرى الممثل كريستوف ولتر بطل فيلمي «دجنغو الحر» و «اللقطاء الملاعين» في أفلام تارنتينو «دماء أفلام ترانتينو هي حمراء أكثر من الواقع». كذلك نبرة التعالي نجدها لدى المخرج يرددها أكثر من مرة باعتباره قاصاً ومنتجا ومخرجاً بقوله «يعجبني أن أفكر أنني واحد من أفضل الفنانين في زمني». لربما جراء احساسه أنه لم يذهب ذات يوم لمدرسة للسينما ليتعلم أبجدياتها… أو لربما لأنه يكتب بهذه البساطة هكذا.
القدس العربي