*عبد الرحيم التوراني
خاص ( ثقافات )
اقتراف الهباء
أكله الندم. ظل الندم يفترسه حتى أفناه…
في البداية، ندم على حياته التي ضاعت هباء، لم ينفعه ندم، بعد أن صار في عداد الأموات…
ثم ندم على موته الذي ضيعه في ظلمة قبر، بعد أن حانت ساعة الحساب،
وبعد أن وحد نفسه في الجحيم، سمع صوتا غريبا يهمس له:
– توقف عن اللهو…، ها قد صرت الآن جمرة من الندم.. حافظ على اشتعالك، حاذر أن تتحول إلى رماد وهباء، حينها لن ينفعك بعدها أي ندم…
انطفأت جمرة المذنب، لأنه لم يصبر على اقتراف الندم. صار رمادا ثم هباء تناثرت ذراته، طارت بلا جناح، حتى دخلت الجنة.
عزلة الوردة النازفة
اعتادت أن تكلم ورود البلكون وهي تسقيها، وأحيانا كانت تغني لها.
ذات يوم ردت عليها وردة ندية:
– أليس لديك سوى الماء ترشينا به كل صباح.يا سيدتي؟
توقفت الأرملة عن الدندنة، تراجعت إلى الخلف مذعورة،.سقط بين قدميها إبريق الماء، ظلت فاغرة فمها، تنظر إلى الوردة الناطقة. ثم ولجت المطبخ مسرعة..
لما عادت وبيدها آنية حليب، ألفت الورود كلها اختفت، والأصيص مكسورا وعليه آثار دم.
لم يصدق أحد حكايتها.
– كيف…؟
– نبتة تتكلم وتنطق …؟
– وبلسان فصيح؟
استعصى على المرأة تفسير اللغز. لم تعد تسقي الورود وتغني لها. لم تعد تكلم أحدا، لكنها احتفظت زمنا بالأصيص، كل صباح تقف أمامه تتأمل كسوره. حين غزا المحو آثار الدم،. قامت بدفن أجزاء الكسور في البلكون.
صارت لما تصحو من نومها، تهرع إلى استكشاف مكان الشظايا المقبورة، كأنها تنتظر معجزة، أن تنبت فجأة وردة تشبه الوردة الفصيحة، فتسقيها الحليب والعسل.أو ماء الزهر، وتغني لها لحنا قديما من ألحان الورد.
مرت الأيام، ولا أحد استغرب ذبول الأرملة وصمتها الدائم، ولا هي انتبهت إلى فقدان لسانها.
ذات فجر دافئ ماتت الأرملة من الحزن المضاعف. فوجئ الجيران بجثمانها مغطى بالنحل، وعلى مبسمها وردة حمراء تنزف بالعسل …
اعتقال قابيل وإخلاء سبيله
لما قتل قابيل أخاه هابيل، ترك جثته مدماة داخل المطبخ، واتصل بوالدتهما حواء ليخبرها أن شقيقه “حرك” إلى أوروبا.
كان وحده يسير تائها على وجهه في البرية. والندم يأكل دواخله. تذكر أن هناك قرارا بحظر التجول ليلا، بعد ارتفاع نسبة الجرائم المسجلة، فتوجه إلى كهف قريب واختبأ. بعد منتصف الليل جاء شرطيان وأخذاه إلى المخفر. تساءل قابيل في سره كيف تمكن البوليس من التعرف على جريمته بأسرع وقت، وقرر أن لا ينكر جريمته. لكنه اكتشف أن إيقافه كان بسبب إصداره لشيك من دون رصيد. تنفس الصعداء. ثم وقع التزاما بتسديد ما عليه في غضون أسبوع فقط. بعدها أطلقوا سراحه.
في الغد نسي قابيل جريمته وبحث عن أخيه هابيل ليقترض منه المبلغ المطلوب. عاد إلى الدار. فوجئ بشقيقه هابيل جالسا وسط الصالون. رحب به، ثم طلب منه أن يشاركه مشاهدة مباراة في كرة القدم منقولة مباشرة على قناة “بي إن سبور” حصريا. كانت مدرجات الملعب فارغة بلا جمهور، اقتربت الكاميرا من الكرة ليفاجأ قابيل بأنها رأس أخيه هابيل، فاستدار نحوه:
– أشاهدت الشبه بين رأسك وكرة المباراة يا أخي؟
رد عليه هابيل:
– بل شاهدت الشبه بين اللاعب الوحيد في فريق قابيل وبينك.
كان اللعب باتجاه مرمى واحد، لم يكن هناك فريق خصم، أما الحكم فكان غرابا.