*غيث خوري
فيرجينيا وليونارد وولف، من أشهر أعلام الأدب في بريطانيا، جمعهما الحب والتفاني والإخلاص، وبقيت علاقتهما المتينة بمثابة الملجأ والأرضية التي استندا إليها في أصعب الظروف. التقيا للمرة الأولى عندما كانت فيرجينيا تزور أخاها في جامعة ترينتي عام 1900، حيث كان صديقاً مقرباً من ليونارد الذي أعجب بها كثيرا، وبعد مرور سنوات على صداقتهما تقدم ليونارد للزواج بها عدة مرات قابلتها بالرفض إلى أن وافقت أخيراً وتزوجا في أغسطس/ آب العام 1912.
نشأت فيرجينيا وولف في ظروف صعبة تركت أثرا بالغاً في حياتها، فكانت نكستها الأولى مع وفاة والدتها وهي في عمر الثالثة عشرة، وعندما أصبحت أختها الكبرى بمثابة الوالدة توفيت هي أيضا وفيرجينيا في الخامسة عشرة، وفي سن الثانية والعشرين توفي والدها التي كانت تجمعها به علاقة وطيدة ومتينة، فتعرضت نتيجة هذه الأحداث لانهيارات عصبية عابرة، ولكن وفاة أخيها وهي في سن السادسة والعشرين شكل صدمة كبيرة فوقعت ضحية انهيار عصبي حاد وطويل.
شكلت هذه الأحداث والمآسي بذرة الإبداع الأدبي لدى فيرجينيا، فكان دماغها يعمل بنشاط عالٍ، وهذا مايفسر اتباعها أسلوب التداعي الحر في كتاباتها وحاجتها إلى التفريغ الإبداعي حتى تهدأ وتحقق شيئا من التوازن.
وتعتبر فرجينيا وولف من أهم أدباء بريطانيا وأحد رواد حركة التحديث في الأدب، حيث أسهمت في تغيير شكل الرواية الإنجليزية، عبر تطوير الأسلوب الشعري في السرد القصصي والروائي، ونشرت فرجينيا أوّل رواياتها في العام 1915 وكانت بعنوان (رحلة إلى الخارج)، وفي العام 1919 ظهرت روايتها الواقعية (ليلاً ونهاراً)، أما (غرفة جاكوب) 1922 فكانت عبارة عن سيرة حياة أخيها ثوبي وموته في غربته، و قد لاقت الرواية استحسان القرّاء والنقاد، وقيل إنّها كانت الجسر الذي عبرتْ عليه فرجينا وولف نحو النجومية بعد الإخفاق الذي عانته مع روايتها السابقة (الليل والنهار). واستطاعت روايتها (الطريق إلى الفنارة) 1927 ترسيخ اسمها كأحد روّاد الحداثة في الأدب الإنجليزي. و تعدّ رواية (الأمواج) من أعقد رواياتها حيث تتبع فيها حياة ستة أشخاص منذ الطفولة حتّى الشيخوخة عبر حوار ذاتي (مونولوج) يناجي كلّ واحد فيه نفسه.
أما ليونارد وولف فيعد أحد أبرز الناشرين للأدب الحديث في بريطانيا، وأشهر كتاب السيرة الذاتية الكلاسيكية، وقد بدأ ليونارد بالكتابة بعد زواجهما، حيث نشر في العام 1913 روايته الأولى «قرية في الغابة»، والتي استند فيها إلى السنوات التي قضاها في سريلانكا، أتبعها بسلسلة من المؤلفات، التي رسخت أفكاره المناهضة للإمبراطورية، كما التفت ليونارد إلى مجال السياسة وعلم الاجتماع، ومع تدهور صحة فيرجينيا العقلية، كرس الكثير من وقته للعناية بها رغم معاناته من الاكتئاب هو أيضا، وكان له دور مهم في تشجيع فيرجينيا على الكتابة والنشر، وفي عام 1917 اشتريا آلة طباعة يدوية صغيرة، والتي كانت نواة لدار نشر«هوجارث» التي تحولت لمشروع مهم عام 1922 وقد طبعت فيها كل أعمال فيرجينيا، إلى جانب مؤلفات ليونارد، وعدد من أشهر الكتاب البريطانيين والعالميين مثل (ت.إس. إليوت، مكسيم غوركي، أي.إم.فورستر، كاثرين مانسفيلد، وغيرهم)، كما أصدرت ترجمة للأعمال الكاملة لسيغموند فرويد في 24 مجلدا، ورغم أن فيرجينيا لم تتوقف عن الكتابة والنشر خلال الثلاثينات، إلا أن الحزن بسبب موت الكثير من أصدقائها في الحرب، والترويع الدائم الذي عايشته بسبب التهديد النازي، راكم أثرا سلبيا يضاف إلى معاناتها السابقة فعادت الانهيارات العصبية لتلاحقها.
ونتيجة ذلك كله، أقدمت فيرجينيا عام 1941 على الانتحار غرقا في مياه نهر «أووز» الباردة،
وبعد وفاتها تلقى ليونارد طوفانا من رسائل التعزية، ومع ذلك كان لاعزاء له، فكتب يعتمره الحزن العميق: «يقولون احضر لشرب الشاي.. دعنا نواسيك، وهذا ليس جيدا، أعلم أن فيرجينيا لن تأتي عبر الحديقة، ولكني أحدق في هذا الاتجاه بحثا عنها.. أعلم أنها غرقت ولكني مازلت أسمع خطواتها عند الباب».
______
*الخليج الثقافي