*ج ك رولينغ
(مقتطف من ترجمة رواية «منصب شاغر» لمؤلفة سلسلة هاري بوتر للفتيان ج. ك. رولينغ بأجزائها السبعة التي عرفت رواجاً مذهلاً. وروايتها الأخيرة هذه ليست للفتيان):
سبقها وخرج من الغرفة بخطواتٍ طويلة متوثّبة، وذراعاه متجمّدتان إلى جانبيه، فاضطرّت تيسا إلى الهرولة للّحاق به.
«ربّما من الأفضل ألّا تقرأ»، قالت له بإصرار، فيما يده الضخمة البارزة المفاصل تحرّك الفأرة على المكتب، «أو يمكنني أن أقرأه» و…
نزوات نائب مديرة مدرسة
أحد الرجال الطامحين إلى تمثيل السكّان على مستوى مجلس البلدة هو كولين وول، نائب مديرة مدرسة وينترداون الشاملة. قد يهمّ الناخبين أن يعلموا أن وول، الانضباطيّ الصارم، لديه حياة خياليّة غير عاديّة. السيّد وول يخشى كثيرًا أن تتّهمه تلميذة بسلوك جنسيّ غير ملائم، إلى حدّ أنه يحتاج مرارًا إلى أخذ عطل ليهدّئ من روعه. إن كان السيّد وول داعب بالفعل طالبةً في السنة الأولى، لا يسعُ الشبح إلا التكهّن. فحماسة وحماوة تخيّلاته توحيان بذلك، وحتى لو لم يفعَل إلى الآن، إلّا أنه يتحرّق للقيام بذلك.
ستوارت هو الذي كتب هذا، فكّرت تيسا على الفور.
بدا وجه كولين مروّعًا في الضوء المنبعث من الشاشة.
بدا كما كانت تتخيّله لو أصابته سكتة.
«كولين…»
«أفترض أنّ فيونا شوكروس أخبرت أحدًا»، همس. الكارثة التي لطالما كان يخشاها حلّت عليه. هذه نهاية كلّ شيء. لطالما تخيّل نفسه يتناول حبوبًا منوّمة. تساءل إن كان لديهم ما يكفي منها في المنزل.
تفاجأت تيسا للحظة بذكر المديرة، لكنّها استدركت: «فيونا لن تفعل…على كلّ حال هي لا تعلم…»
«تعلم أنّني أعاني اضطراب الوسواس القهريّ»
«أجل، لكنّها لا تعلم ماذا…ما أنت خائف منه…»
«بلى، تعلم» قال كولين. «أنا أخبرتها، قبل المرّة الأخيرة التي احتجت فيها إلى عطلة مرضيّة».
«لماذا؟» قالت تيسا بانفعال. «لماذا أخبرتها بالله عليك؟»
«أردت أن أشرح لماذا كان أخذ العطلة أمرًا بهذه الأهميّة بالنسبة إليّ»، قال كولين شبه ذليٍل. «خلت أنّها تحتاج أن تعلم كم أن الأمر جديّ».
قاومت تيسا رغبة جامحة في الصراخ في وجهه. الآن بات النفور الذي يشوب معاملة فيونا له وحديثها عنه مفهومًا. هي لم تحبّ تلك المرأة يومًا، لطالما اعتقدت أنّها قاسية وغير متفهّمة.
«مهما يكن»، قالت، «لا أعتقد أن لفيونا أي علاقة…»
«ليس مباشرة»، قال كولين، واضعًا يدًا مرتعشة على شفته العليا المتعرّقة. «لكن لا بدّ أنّ موليسون سمع ثرثرات من مصدر ما».
لم يكن هذا موليسون. ستوارت هو الذي كتب ذلك. أعلم أنّه فعل. رأت تيسا بصمات ابنها في كلّ سطر. أذهلها حتّى كيف أنّ كولين كان عاجزًا عن رؤية ذلك، كيف أنّه لم يربط التعليق بمشادّة البارحة، وبإقدامه على ضرب ابنه. لم يتمالك نفسه حتّى عن استخدام بعض الجناس في رسالته. لا بدّ أنه كتبها جميعًا… سايمون برايس. بارميندر. شعرت تيسا بهول الصدمة.
لكنّ كولين لم يكن يفكّر في ستوارت. كانت خواطر أخرى تتبادر إلى ذهنه، خواطر حيّة مثل ذكريات، انطباعات حسّية، أفكار عنيفة كريهة: يدٌ تلتقط وتعتصر أثناء مروره وسط أجساد فتيّة متلاصقة بكثافة، صرخة ألم، وجه طفلة ينقبض. ثمّ تلك الأسئلة نفسها التي تعاوده مرارًا وتكرارًا: هل فعلها؟ هل استمتع بذلك؟ لا يمكنه التذكّر. كلّ ما يعلم أنّه يواصل التفكير في الأمر، يراه يحدث، يشعر به يحدث. لحمٌ طريّ تحت قميص قطنيّ خفيف: يدٌ تلتقط، تعتصر، ألم وصدمة، انتهاك. كم مرّة؟ لم يكن يعلم. أمضى ساعات يتساءل كم من الأطفال يعلمون أنه فعلها، وهل تكلّموا بعضهم مع بعض في الأمر، وكم من الوقت سيمضي قبل أن يُفضح أمره.
وسط جهله عددَ المرّات التي تعدّى فيها، وعجزه عن الوثوق بنفسه، بدأ يتزوّد قدرًا كبيرًا من الأوراق والملفّات، بحيث يشغل يديه لمنعها من التهجّم، وهو يعبر الأروقة. كان ينهر الأطفال المتدافعين ليبتعدوا من طريقه ويقفوا جانبًا فيما يمرّ. لم يُجْدِ شيء. كان هناك دومًا أطفال شاردون، يعبرون في جانبه راكضين، يلتصقون به، وفيما كانت يداه مشغولتين، تخيّل وسائل أخرى للاحتكاك بهم بطريقة غير لائقة: حركة سريعة من كوعه كي يلامس ثديًا، خطوة جانبيّة لضمان الاصطدام بجسد، رِجل طفلة تتعثّر عرضيّا فيلامس حوضها جسمه.
«كولين»، قالت تيسا.
لكنّه عاود البكاء، وجسمه الضخم الأخرق يرتعش على وقع شهقاته. وعندما لفّته بذراعيها ووضعت وجهها على وجهه، ابتلّ بالدموع التي ذرفتها هي أيضًا.
تصدر قريباً عن دار نوفل.
________
*(السفير) الثقافي