حياة للبيع


*إريل ليڤ/ ترجمة: محمد الضبع

غيبوبة اصطناعية

أحيانًا أتمنى لو أستطيع الذهاب إلى مكان أحظى فيه بغيبوبة اصطناعية. هل هذا خاطئ؟ فقط لعدة أيام. سأتمكن بعدها من الاستيقاظ وأنا أشعر بالراحة والانتعاش. وسأخسر بعض الوزن أيضًا وقت غيابي عن الوعي، وستذهب عني هذه الدوائر السوداء أسفل عينيّ. سيكون الأمر أشبه بعطلة.
ربما عدة أيام ليست كافية. الآن بدأت أفكر في الأمر أكثر، لن أمانع لو دخلت في غيبوبة لمدة شهر كامل، وليكن ديسمبر. كل سنة أريد أن أفقد الوعي طوال شهر ديسمبر. هكذا سأتفادى كل العطلات، وعند ليلة رأس السنة سأستيقظ لأسأل عن الأشياء التي حدثت في غيابي. هل قام أحد بدفع فواتيري؟ هل قامت شقتي بتنظيف نفسها؟ هل طُرد جاري؟ حسنًا، ضعوني في غيبوبة أخرى.
ستكون الغيبوبة طريقة جيدة لتوفير المال أيضًا. من المستحيل أن أقضي يومًا واحدًا وأنا مستيقظة دون أن أذهب إلى جهاز الصراف الآلي، ولكن إن كنت في غيبوبة سألتزم بالميزانية. لن أستخدم هاتفي، وما سأوفره من تكلفة الطعام وشراء الأحذية بإمكاني وضعه ليسد التكاليف الطبية لي في المستشفى. بإمكاني أيضًا أن أجعلهم يقومون بخلع ضرسي وتصحيح نظري بواسطة الليزر بينما أنا فاقدة للوعي، سأستيقظ وقد تخلصت من الألم المزعج، وحصلت على قوة نظر مثاليّة.
أظنني أريد الاستمرار في الغيبوبة أكثر. لأجرّبها لخمسين سنة، لا تبدو هذه فكرة سيئة. سأستيقظ في الوقت المناسب تمامًا لأموت.
الوقت المثالي فعلًا لأكون في غيبوبة اصطناعية هو الوقت الذي أنتظر فيه سماع خبر ما. على سبيل المثال، إذا أرسلت روايتي إلى الناشر. في هذه الفترة سأكون قلقة وغير قادرة على التركيز. ستكون تعليماتي إذن: أيقظوني عندما أحصل على عقد الكتاب.
بالنسبة للبعض، الجزء المفضل في الغيبوبة هو اللحظة التي يستيقظون فيها. حين تقوم بفتح عينيك، وتجد نفسك محاطًا بأصدقائك وعائلتك، والجميع يبكي من شدة الفرح. ولكن في حالتي، مَن سيسهر طوال الليل بجانبي؟ التفكير في أمر كهذا يجعلني أصاب بالاكتئاب.
لا أريد أن أستيقظ من غيبوبتي وأنا وحيدة. بإمكان تخيّل نفسي أصرخ: أهلًا؟ لقد خرجت من الغيبوبة الآن؟ هل من أحد هنا؟ لن أعرف ماذا عليّ أن أفعل.
في اليوم الفائت اتصلت على طبيبي، د. سامويلسون. أخبرني أن الغيبوبة الاصطناعية يُسمح بها للمريض فقط عند الظروف المؤلمة جدًا. فقلت له: “عرّف مؤلمة”. رد علي: “عندما يحتاج الدماغ للراحة.” أخبرته إن دماغي يحتاج للراحة.
كانت هناك لحظة صمت طويلة.
ثم أغلق الهاتف في وجهي.
_____________
معاهدة انتحار
سمعت عن امرأة عقدت معاهدة انتحار مع اثنين من أصدقائها. اتفقا معها على التالي: إن أصيبت بمرض عضال، سوف يقومان بمساعدتها على تحديد موعد موتها. أول ملاحظة خطرت بذهني عن سماع هذه القصة: وجدت صديقين اثنين؟ سأكون محظوظة لو وجدت صديقًا واحدًا. مَن بإمكاني الاعتماد عليه
ليساعدني على الانتحار؟
كالعادة، كان أول شخص أفكر بالاتصال به هو ليزا. كانت في العمل وقتها. ردت عليّ: “آسفة، عزيزتي. ليس لدي وقت لأفكر بالأمر.” لا تبدو علامة جيدة. إذا كانت ليزا مشغولة جدًا ولا تستطيع مناقشة معاهدة الانتحار معي حتى، ما هي الفرص التي ستجعلها تملك الوقت لتنفيذها؟ كل مَن في نيويورك مشغول دائمًا. ربما كان اتصالي في وقت سيء.
اتصلت عليها مرة أخرى. أجابتني: “إذا وافقت على هذه المعاهدة معك، ستقومين بطرح العديد من الأسئلة علي! كيف سنقوم بفعلها وماذا لو كانت الطريقة مؤلمة وهل ستكون ذات رائحة أم لا وهل سيستغرق الأمر الكثير من الوقت، إلخ … وفي النهاية سأصاب بالجنون من أسئلتك وسأفكر في الموت أنا أيضًا.”
أي نوع من الأصدقاء لا يوافق على مساعدتك لتنتحر؟
ذهبت بعدها إلى هيذر لأنها من النوع الذي يعتمد عليه. عندما أحتاجها، ستكون بجانبي. كان هذا أكبر مخاوفي. لا أريد الانتظار وحيدة، أتساءل إن كانت نسيت أمري. آدري ستضعني في جدولها حتمًا مهما كانت مشغولة. لكنها مترددة أيضًا.
قالت لي آدري: “فقط إن كان مرضك عضالًا” كانت قلقة، ماذا لو أخبرتها إن مرضي لا شفاء منه واتضح أنني كنت منزعجة من قصة شعري في ذلك اليوم؟ ماذا لو اعتقدتُ أنه مرض عضال، ثم اتضح أنه من الممكن علاجه؟ من يستطيع أن يتخذ قرارًا كهذا ويحدد وقت موتي؟ العديد من الأسئلة المخيفة يجب التفكير فيها. بدأ كل شيء يصبح معقدًا. بعد عدد من المحادثات بيننا، وافقت آدري، ولكن بشرط وحيد، أن أترك لها بعض أثاثي.
أثاثي؟ على ماذا وقعت عيناها بالضبط؟ أخبرتني أنها أحبت طاولة الزينة. أصبت بالرعب. لقد أعطيتها إيملي الشهر الفائت.
اتصلت بإيملي. هل سترد لي الطاولة؟ وإذا لم تفعل، هل ستساعدني على الانتحار؟
قالت لي إيملي إنها ستوافق على معاهدة الانتحار بشرط واحد. الجميع لديهم شروطهم. أرادت إيملي أن تعرف إن كان بإمكانها أن تحصل على شقتي. قلت لها حسنًا خذيها. ولكن حتى بعد هذا، مازالت مترددة. قالت: “دعيني أفكر وسأرد عليك.”
بدأت أصاب بالإحباط. لا أحد يريد أن يلتزم بقتلي. ولا أحد يرد عليّ. لم أجد صديقًا واحدًا بإمكانه أن يفعلها. بماذا يخبرني هذا؟ إنني بحاجة إلى أصدقاء جدد.
__________
* عن مدونة(معطف فوق سرير العالم) للشاعر والمترجم محمد الضبع

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *