إبراهيم داود: أنا شاعر وحيد أبحث عن أصدقاء أحلم معهم


سماح عبد السلام

بعد سبع سنوات من صدور ديوانه «حالة مشي»، عاد الشاعر إبراهيم داود بديوان جديد يحمل عنوان «أنت في القاهرة»، الذي نال احتفاءً كبيراً، حيث رصد خلاله التحولات التي حدثت في مصر خلال السنوات الأخيرة، يؤكد داود اعتزازه بهذا الديوان بصورة خاصة لأنه أعاد تواصله مع جمهوره، ومن ناحية أخرى عايش الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية شعريا.

ما الإطار الذي تناولته قصائد ديوانك الأخير «أنت في القاهرة»؟
{أنت في القاهرة} ديوان صغير، لكنه أرهقني، إذ صدر بعد سبع سنوات من ديواني {حالة مشي}. لديَّ مشكلة مع الكتابة وليس لأن الشعر يزداد صعوبة، وقد حاولت من خلال هذا الديوان أن أشير إلى التحولات التي حدثت في مصر خلال السبع سنوات الأخيرة بداية من الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي شهدته مصر قبل الثورة، وما حدث في الثورة والانتكاسات المتتالية التي نشهدها، وكيف انعكست كل الأحداث على شاعر وحيد يبحث عن الألفة وأصدقائه في الشعر.
قلت إنك تعتز بهذا الديوان، فما مبعث اعتزازك؟
أواصل في الديوان تجربتي التي بدأتها مع الكتابة عبر تاريخي معها، كذلك أشعر بسعادة لما حققه من صدى عقب صدوره، ولحصوله على جائزة من معرض الكتاب الماضي، وكنت أخشى أن يتعامل معي الناس فقط باعتباري صحافياً، حيث أعمل كرئيس لتحرير مجلة {ديوان}، ومدير تحرير بـ {الأهرام}، وكاتب عمود بـ {اليوم السابع}، ما جعل قطاع عريض من الناس يراني كصحافي فقط، ولكن فرح جمهور الشعر بالديوان هو فرحي الحقيقي بعيداً عن الحفاوة النقدية التي بدأت تتولد لدى جمهوري العادي الذي يتذوق الشعر ويحدثني. لديَّ إحساس بعودتي إلى أهلي الحقيقيين وهم جمهور الشعر، وقد نشرت معظم قصائد الديوان على مدار 7 سنوات، كذلك يتضمن قصائد تنشر لأول مرة.
رغم إصدارك دواوين شعرية عدة نالت احتفاءً كبيراً، فإنك جمعتها في كتاب تحت عنوان {ستة محاولات للكتابة}. هل ترى أنك ما زلت في مرحلة المحاولة والتجريب؟
أعتقد أنني ما زلت أحاول وما زلت هاوياً، وربما لديَّ هذا الإحساس، لست متسرعاً مثل أقراني الذين ينشرون ديوانين في العام. بالنسبة إلي، الشعر ليس مهنة، هذا هو الديوان السابع، ولديَّ كتاب سردي بعنوان {خارج الكتابة}، وكتاب {الجو العام}، وكتاب عن فن تلاوة القرآن عن مدرسة التلاوة المصرية.
أهديت ديوان {هنا القاهرة} إلى {الفاجومي}، حيث كتبت: {إهداء إلى أحمد فؤاد نجم حارس المدينة الفاضلة التي كنا نبحث عنها}، فماذا يمثل لك هذا الشاعر، وماذا عن علاقتك به؟
«نجم» شخص كبير في حياتي، هو صديقي، وسألني أحد الأصدقاء كيف أهدي ديوان فصحى لشاعر عامية، وقد استغربت هذا السؤال لأن نجم ليس بالنسبة إلي شاعر عامية أو فصحى، ولكنه حالة شعرية، واقترابي منه والسكن معه لسنوات طويلة في بيت واحد، ومشاكلي معه مثل كثيرين جعلتني أراه عنواناً للنقاء والفطرة والروح الجميلة. هو شخص يحُتكم إليه في اللحظات الصعبة فيكون صادقاً، وجزء كبير من علاقتي المبكرة بالقاهرة كان بسبب أحمد فؤاد نجم، لأني أعرفه من فترة مبكرة من عمري، ومن خلاله تعلمت وعرفت الكثير من الناس، وبفقدان نجم شعرت بأني فقدت قيمة كبيرة. لديَّ إحساس بأني لم أعد الريفي الذي كنته، وقد كتبت قصيدة بهذا المعنى، وإلى الآن لست ابن المدينة، أنا موزع بين الفلاح الذي جاء للقاهرة والذي لم يصبح فلاحاً حالياً والذي يعيش في القاهرة ولم يصبح قاهرياً، وهذا الاحتكاك هو الذي يصنع روحاً جميلة.
دواوين وخيوط
ما الخيط الذي يربط بين دواوينك الشعرية؟
الوحشة والحزن والشجن، كذلك الوحدة والتي أشعر بها تتفاقم كلما تقدمت في العمر. طوال الوقت أريد أن أنظر إلى العالم. أنا شخص أبحث في الشعر عن أصدقاء أتحدث وأحلم معهم.
تعد أحد الشعراء القلائل الذين لا يتم تصنيف قصيدتهم، فما تفسيرك لذلك؟
بدأت بديوانين تفعيلة وانتقلت إلى قصيدة النثر بداية من الديوان الثالث، وإلى الآن لم يتم تصنيف قصيدتي، حيث يرى البعض أني شاعر قصيدة اتجه إلى قصيدة النثر لاحتياجي إليها وليس لركوب الموضة، لأني من أوائل الذين كتبوا هذه القصيدة، وتم الاحتفاء بها منذ فترة مبكرة باعتباري أواصل مسيرتي الشعرية.
لكن ألا تفكر بكتابة قصيدة التفعيلة أو العمودية مرة أخرى؟
لا أعرف ماذا سأقدم في الفترة المقبلة، ولكن لا أعتقد أن القصيدة القديمة قادرة على استيعاب المشاعر، بمعنى طرق القنص القديمة لم تعد صالحة لاصطياد المشاعر الآن، ولا أتعامل مع قصيدة النثر باعتبارها حلاً نهائياً، ولكنها شكل مقترح. عندما أجد شاعراً يكتب عمودياً أو تفعيلة احتفي به. قصيدة النثر أصعب أشكال الكتابة، لأننا نتخلص من الوزن وأحياناً الصورة وأمور كثيرة للوصول إلى لغة الشعر. أفضل أمر فعلته قصيدة النثر أنها {علمنة} اللغة العربية، ولم تجعلها لغة مقدسة، وهذا ما يربك السلفيين والمتطرفين وأصحاب عبادة الماضي في الثقافة. مصر حالياً وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة تقود المشهد الشعري في العالم العربي.
قلت إن الشعر لن يغير العالم.
لم يعد للشعر القديم وجود. رغم أن الشعر يجعل العالم أجمل فإننا لم نجد شاعراً يقدم ثورة. صحيح أن الشعراء كانت الأرواح التي تحمي هذه الثورات ولكن جملة أن الشعر يغير العالم تعُد بلاغية، وأرى أن وظيفة الشعر مهمة جداً، لكنه مع هذا لن يغير العالم، ولكن سيجعله أكثر رحابة وإنسانية، ويفك ألغازاً داخل الناس .
أصدرت كتاب {خارج الكتابة} متناولاً وسط البلد. ما وجه الاختلاف الذي قدمته، خصوصاً أن ثمة من تعامل إبداعياً مع تلك المنطقة؟
{خارج الكتابة} رصد لوسط البلد عن حياتي ومشاهداتي في ربع قرن، فقد رأيتها بعين شاعر وليس بعين قاص أو روائي، روح شاعر يكتب قصيدة مكثفة وهذا أيضاً ما حدث في كتاب {الجو العام}، أردت تثبيت هذه المناطق في ذاكرتي، لأنها مناطق تدفئني صحافياً وإبداعياً ومعنوياً.
حررت كتاب {القرآن في مصر}، فما الذي دفعك لتقديم كتاب في هذا الإطار؟
قدمت الكتاب عام 1997 وهو عن مدرسة التلاوة المصرية. استكتبت مجموعة من الأسماء المعروفة للكتابة، منها خيري شلبي، إبراهيم عيسى، بلال فضل، محمود الدريري وغيرهم. وكان الهدف من اختيار كل كاتب لزاويته إعلاء من شأن مدرسة التلاوة المصرية في مواجهة الهجمة والأصوات الوهابية الصحراوية التي جاءت لتنافس وتفسد التلاوة المصرية، والدفاع عن قوة مصر الناعمة، فقد كان مسلموا الهند وباكستان وإيران وإفريقيا وحتى وقت قريب لا يسمعون إلا لمدرسة التلاوة المصرية.
هل أخذتك الصحافة من الشعر؟
هذا ليس صحيحاً، قبل مهامي الأخيرة مكثت عدة سنوات دون كتابة شيء. لديَّ خناقة مع الكتابة، أحتاج إلى وقت لترتيب أفكاري، الشعر ليس سهلاً، ولكنه يزداد صعوبة.
الجريدة الكويتية

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *