أنا فرنسا وفرنسا أنا



*معتز محسن عزت


خاص ( ثقافات )
(أنا فرنسا و فرنسا أنا) … كلمات حماسية استهل بها الزعيم الفرنسي شارل ديجول كلماته وقت رفضه للاستسلام الذي أتى عبر حكومة فيشي بقيادة الجنرال فيليب بتان الذي استسلم للقوات النازية التي احتلت السواد الأعظم من فرنسا في العام 1940 وقت تزايد شرارة الحرب العالمية الثانية التي بدأت في العام 1939.
حينما سُئل شارل ديجول من أحد الصحفيين هذا السؤال:
من أنت ؟ و ما صفتك في تمثيل فرنسا و شعبها؟
رد ديجول بتلك الكلمات الحماسية:
أنا فرنسا وفرنسا أنا.
لم يكن أحد يعلم بأن هذا الضابط الطويل الضخم الذي لا يمتلك الطلعة البهية كنجوم السينما تدخره الأقدار عبر ميقات محدد ليكون ترسًا من تروس تحريك التاريخ بأحداثه المتناقضة ما بين الصعود والهبوط فقد كان ضابطًا في الجيش الفرنسي يدرس التاريخ العسكري، وتعرض للأسر في الحرب العالمية الأولى وهو ملازم أول، وخدم بالجيش الفرنسي وقت احتلاله للبنان، و كل هذه السطور لم تنم على أن هذا الفتى المجهول سيكون مدخرًا للأحداث الجسام.
في يونيه من العام 1940 كان ديجول يعمل في رئاسة أركان الجيش الفرنسي تحت ظلال حكومة فيشي، وكان يقابل مبعوث تشرشل سبنسر، وعند توديعه لمبعوث تشرشل طار كالرجل الخارق في طائرة المبعوث الحربية و قال له:
أنا ذاهب معك إلى لندن.
استقبله رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وخصص له إذاعة البي بي سي ليلقي بياناته للجاليات الفرنسية، و كان أول بيان له في 18 يونيه من الإذاعة البريطانية ينادي الشعب الفرنسي قائلاً:
(لا تتوقفوا عن القتال أمام ألمانيا النازية. إنها الحرب العالمية الثانية).
استغل ديجول معاناة بريطانيا من ألمانيا النازية، فكما اختارت الأقدار ديجول في تلك المرحلة الحرجة اختارت الأقدار ونستون تشرشل مكان تشمبرلن كوزارة حرب بعد خصام السياسة لتشرشل عشر سنوات ماكثًا بين كتبه ولوحاته لتصالح الأقدار أيقونتي تلك المرحلة.
هذا الخطاب الذي ألقاه ديجول هو المؤسس لحكومة فرنسا الحرة المناهضة لحكومة فيشي والتي نادت الشعب الفرنسي للاتجاه لقبلتها وليس لقبلة فيشي مع اختيار صليب لورين المزدوج رمز الكفاح والصمود لجان دارك المقاومة للاحتلال البريطاني لفرنسا في القرن الخامس عشر كنقطة دفع وقوة للمقاومة حيث الجمع بين المنطق والروحانيات في سفينة السعي للنصر والأخذ بالأسباب.
قام ديجول في العام 1941 بترك بريطانيا بعد مشادته مع تشرشل أثناء صراعهما تحت ظلال النيران الصديقة على سوريا حيث العداء الخفي بين أصدقاء الظاهر من أجل الهيمنة والسيطرة على خريطة العالم بين إمبراطورية الأسد (بريطانيا) و إمبراطورية النمر (فرنسا).
شحذ ديجول همم الجيوش الفرنسية في المستعمرات الأفريقية والآسيوية ناجحًا في فرض تبعياتهم لحكومة فرنسا الحرة قائلا:
(أيها الفرنسيون لقد خسرنا المعركة لكننا لم نخسر الحرب وحان الوقت في أن نزيح نير الإحتلال من صدر وطننا الحبيب).
انضم ديجول للحلفاء مع الاتحاد السوفيتي و بريطانيا و الولايات المتحدة التي دخلت الحرب في نهاية 1941 بعد تدمير ميناء بيريل هاربر من قِبل القوات الجوية اليابانية ليكون الإعداد للملحمة المنتظرة التي تمت في العام 1944 في أغسطس عبر عملية الإنزال نورماندي بالتعاون مع الجنرال دوايت أيزنهاور رئيس أمريكا رقم 34 مستقبلاً، وعند الاقتراب من باريس طلب ديجول من أيزنهاور أن تكون عملية تحرير عاصمة النور والجمال فرنسية خالصة دون أي تعاون أجنبي ليتم المراد ويعبر الجنرال ديجول قوس النصر كفاتح فرنسا من جديد مؤكدًا مقولته الشهيرة:
(أنا فرنسا و فرنسا أنا).
___________
* باحث في التراث الثقافي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *