«يوميات غوانتانامو» «ماذا تريد أميركا من حرماني حريتي وتعذيبي؟!»


أحمد ياسين

«إنني استغرب بشدة، كيف يمكن لأناس، أن يلصقوا جريمة بشخص لا يعرفونه مطلقاً؟». بهذا التساؤل المرير والمحير، ينهي السجين الموريتاني، المهندس محمدو ولد صلاحي، في سجن غوانتانامو، كتابه الموسوم بـ»يوميات غوانتانامو»، الذي يثير فيه، قضية اعتقاله واحتجازه، وتعرضه للتعذيب الشديد، وصلاحي (الذي كان عضواً سابقاً في «تنظيم القاعدة» في افغانستان) يتحدث، في هذا الكتاب، عن تجربته الخاصة، التي على حد قوله ـ تعكس مثالاً، على الممارسات الشريرة، التي جرت تحت اسم الحرب على الإرهاب.

«لقد استباح فريق وزارة الدفاع (الأميركية)، كل المحرمات، منذ ان بدأوا بتعذيبي، لإجباري على الاعتراف، بأشياء لم افعلها«.
من هنا تمثل رد فعل صلاحي، على هذا المسلك العدواني، تجاهه، بأسئلة وتساؤلات كثيرة، بصيغ مختلفة، ولكنها، ذات مضمون واحد، من بينها: «ماذا سيقول الأميركي العادي، لو عرف ما تفعله حكومته، بشخص لم يرتكب، اي جريمة ضد أحد؟». كذلك اضطر لأن يواجه، كل المحققين الذين تعاقبوا على استجوابه، بالسؤال التالي، الذي ردده بحرفيته، مراراً وتكراراً، من دون أن يصل الى نتيجة أو جواب شاف: «لماذا أنا هنا؟».
«بقيت أقول: أنتم قولوا لي، لماذا أنا هنا؟ ما الذي فعلته؟.. فـ»بعد ثلاث سنوات، من التحقيق معي، وحرماني من حريتي،إن الحكومة (الاميركية)، مدينة لي، بإعطاء شرح مقنع، عن سبب فعلها ذلك بي، بالضبط ما هي جريمتي.». لذلك، فإن كامل مضمون هذا الكتاب، يضمر التساؤل الآتي: «ماذا تريد الولايات المتحدة الاميركية، من وراء احتجازي وتعذيبي؟!». أو «من حرماني حريتي وتعذيبي؟!»
من هنا نعرف ثلاثة آراء لماذا أحيط «يوميات غوانتانامو» بثلاثة آراء تقييمية تعكس مضمونه بدقة، فالرأي الأول، وضع كعنوان فرعي لهذا الكتاب ـ وهذه حالة نادرة ـ كما نرى ـ (وهو رأي لمراسل برنامج «60 دقيقة»): «وثيقة لا تصدق؛ قصة من الجحيم».
والرأي الثاني هو لـ»غلين غرينوولد»: «كل من يقرأ «يوميات غوانتانامو» ـ وهذا ما يجب أن يفعله الآن، كل أميركي يمتلك ذرة ضمير ـ سينتابه الخجل والرعب». فقصة محمدو ولد صلاحي الذي يرويها في هذا الكتاب هي على ما يفيد الرأي الثالث، وهو لأنطوني روميرو (المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية الاميركية) ـ «قصة مزعجة ومثيرة للقلق، حاولت حكومة الولايات المتحدة، اخفاءها سنوات.


لقد استطاع، محمدو ولد صلاحي، وعلى الرغم من ظروفه القاسية، أن يكتب مسودة هذا الكتاب بخط يده، في زنزانته الإفرادية، في سجنه المنعزل، في كامب إيكو، في جزيرة غوانتانامو.
ويقول محرر الكتاب، لاري سيمز (وهو كاتب وناشط في مجال حقوق الإنسان، وكان مديراً لـ»برنامج حرية الكتابة في مركز القلم الاميركي»): إن صلاحي كتب مخطوطة هذا الكتاب في صيف وأوائل خريف عام 2005، وضعها على حلقات، بعيد السماح له بلقاء نانسي هولاندر وسيلفيا روليس، وهما محاميتان، من فريقه القانوني للمصلحة العامة. وفي ظل البروتوكولات الصارمة لنظام الرقابة في غوانتانامو، اعتبرت كل صفحة كتبها (ومجموعها 466 صفحة) مصنفة، منذ لحظة كتابتها، وبموجب ذلك، تم تسليم كل قسم جديد، إلى حكومة الولايات المتحدة، بغية المراجعة والتدقيق. ولقد أبلغ صلاحي، ضباط رئاسة جلسة الاستماع، أمام هيئة إعادة النظر الادارية في غوانتانامو، اذ انه قال لهم مقاطعاً شهادته خلال تلك الجلسة، أنه ارسل مخطوطته هذه للنشر في مقاطعة كولومبيا.
ويشير سيمز إلى أن مخطوطة محمدو لم تنشر، بل ختمت بـ «سري»، وهو مستوى من تصنيف المعلومات، الذي يمكن أن يسبب ضرراً خطيراً للأمن القومي، إذا ما اصبح علنياً، كما أنها صنفت بـ «Noforn»، وذلك يعني، أنه لا يسمح لأي مواطن، او اي جهة استخباراتية مشاركة هذه المعلومات. وهكذا فقد أودعت، في مكان آمن بالقرب من واشنطن (مقاطعة كولومبيا)، ولا يمكن الوصول اليها إلا من قبل اولئك الذين يحملون التراخيص الأمنية ووثيقة «الحاجة الى المعرفة «Need To Know» الرسمية.
ولأكثر من ست سنوات، قام محامو محمدو، برفع الدعاوى أمام القضاء، وجرى الكثير من المفاوضات، حتى تم الحصول على المخطوطة، مرخصة للنشر العام.
2500 خط أسود
ويوضح محرر الكتاب قائلاً: لقد تم تحرير الكتاب مرتين، مرة من قبل الحكومة الأميركية. اذ وضعت أكثر من (2500) خط أسود، كنوع من الرقابة على نص محمدو، ليأتي، بعد ذلك، دور سيمز، في التحرير، في المرة الثانية. ونقول هنا: إنه لولا الجهود اللافتة لسيمز في تحرير هذا الكتاب بوضعه الهوامش التوضيحية، لما كان هذا الكتاب قابلاً للقراءة الصحيحة اصلاً؛ ذلك لأن الرقابة جعلت مضمونه مشوهاً للغاية، لما طمسته بخطوطها السوداء الكثيفة والعريضة، من أسماء، ووقائع حساسة، لا تستقيم قراءة النص بدونها، بشكل صحيح ذي معنى واضح له قيمة تبليغية، وكتب محمدو ولد صلاحي مذكراته هذه ـ وعلى ما يلفت سيمز أيضا ـ باللغة الانكليزية. لغته الرابعة، التي كتب بها بصورة أساسية، في السجن الاميركي، وعلى سبيل التسلية، ليسإلا، اذ أنه يصف ذلك، في أكثر من مكان في الكتاب، وقام بترجمة هذا الكتاب الى العربية عمر رسول.
ولد محمدو ولد صلاحي، في مدينة موريتانية صغيرة عام 1970. حصل على منحة دراسية في كلية بالمانيا، حيث تخرج وعمل هناك كمهندس لسنوات عدة. عاد إلى بلده موريتانيا عام 2000، وفي العام التالي من عودته، اعتقلته السلطات الموريتانية بطلب من الولايات المتحدة، وسلمته الى الاردن سجيناً، ومن هناك، تم تسليمه الى القاعدة الجوية الاميركية في باغرام في افغانستان. وفي 5 آب ـ أغسطس 2005، نقل الى سجن الولايات المتحدة في خليج غوانتانامو في كوبا حيث تعرض لتعذيب شديد. وفي عام 2010، اصدر قاض من المحكمة الفيدرالية، قراراً يقضي باطلاق سراحه فوراً، ولكن الحكومة الاميركية، استأنفت ذلك الحكم. لم توجه اليه الحكومة الاميركية، اي تهمة بارتكاب جريمة ولا يزال رهن الاعتقال في غوانتانامو.
ويقول ناشر هذا الكتاب، أن هذا الكتاب هو «حدث لم يسبق له مثيل، في عالم النشر، على الصعيد العالمي: ذلك انه «للمرة الأولى، يكتب سجين، يومياته وهو لا يزال رهن الاعتقال، في سجنه. والى ذلك، فان هذا الكتاب ـ والاضافة للناشر ـ ليس مجرد سجل حي لاخفاق العدالة، بل هو ذكريات شخصية رهيبة، تتسم بالعمق، والسخرية السوداء، واللطف المدهش.
ويقول الناشر، أيضاً، أن «يوميات غوانتانامو»، الذي ترجم اإى اكثر من (23) لغة، هو وثيقة تاريخية فائقة الأهمية، فضلا عن أنه نص أدبي آسر.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *