انصهار


*سارة طوبار


خاص ( ثقافات )
دائماً يحتاج الآخرون إلى شروح ومبررات، لماذا لا يوافق على إجازتي دون الخوض في تفاصيل لا تهمه، الحر يزيد من عصبية الجميع وعدم تركيزهم، كل هذا الكم من الناس، كم حكاية وراء هرولتهم، كم حزن يسكن بيوتهم، أريد شرفة لا تطل على جثث متراصة تحدق فيَّ بأعين خاوية، الشقة الجديدة دور أرضي صغيرة ومؤقتة، لذا لن أشتري سجادة رمادية، لا أحب اللون الرمادي لكن يعجبني السجاد الرمادي، يضايقني كم الزجاج الذي أجمعه على فترات متقاربة، متى تتوقف الأطباق والأكواب والزجاجات عن الفرار مني دون انتباه، لا أحب السواريه، باقتراب المناسبات العائلية يذكرونني بألا أرتدي بنطالاً، فرح أختي الصغرى خلال الأسبوعين القادمين أريد الإجازة لأني متزوجة في بلد غير بلدة عائلتي، لا أقول بلدي لم أشعر بعد بالانتماء إلى أي مكان، امتحانات الثانوية العامة تجعله لا يوافق على منحنا إجازات، مساكين يسحبون أوراقهم ويرحلون، الإجازات حقنا جميعاً، مديرتي لا تتوقف عن الصراخ لكنها تعاملني بلطف، يشتكون منها طوال الوقت وأشفق عليها، أنا أيضاً لا أتوقف عن الصراخ لكنهم لا يسمعونني، كل الأدوات الكهربائية بها أعطال، كلها بلا استثناء، زميلتي تنصحني بقراءة سورة البقرة في البيت يومياً، أغنية مبسوط كتير تصيبني بالبهجة، أريد أن أشتري زجاجات مياه، سأنسى بالتأكيد، الجو حار جداً، الصغير يشتت انتباهي كلما اختفى من أمامي لثانيتين، أشفق عليه من كم الأوراق الذي عليه أن يوقعها، كيف يعامل بناته بالبيت، ربما ليس لديه بنات، وماذا عن زوجته؟ وما دخلك أنت، أحسبه شخصاً طيباً يطبق القوانين فحسب، لا يهم كونها ضيقة لن أنتقل إليها كلياً هذا العام، شقة ضيقة بمدينة أبرح من بلدة صغيرة، لا يتوقف الوافدون على مكتبه لإنهاء أعمالهم، الإجازات فقط تبدأ من عنده وتنتهي عند موظفين أصغر، من أين سأحصل على الماء الآن؟ الصغير لا يتوقف عن طلبه، لا يرفع رأسه لينظر إلينا يوقع أو يعلق ويرفض أو يرسلهم إلى مكاتب أخرى، لن أيأس، أخيراً يسحب إجازتي الاعتيادية يوقع عليها بنفاد صبر ودون تعليق.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *