زيد قطريب
يحاول العالم الراحل ألبرت أينشتاين في كتابه “العالم كما أراه…”، وعبر باب كامل مختصّ باليهودية، شرح خصائص اليهود ومفهومهم للحياة معتبرا انتماءه اليهودي هبة من القدر! الكتاب وضع مقدمته وترجمه فاروق الحميد، دون إشارة في التمهيد إلى الغرض من إفراد باب كامل لمقالات تمجّد اليهودية، مكتوبة بقلم أينشتاين وكأن هناك احتفاء ما أو لعله إعلان مجاني لهذه الفئة من الناس.
ولو أن الأمر كان من باب معرفة الآخر كيف يفكر، لكان المترجم أشار إلى هذه النقطة في المقدمة، أما بقاء هذا الباب كخاتمة لكتاب حمل الكثير من رؤى أينشتاين للحياة والثقافة والسياسة، دون تبرير يذكر، فهي مسألة تستحق الوقوف.
دوامة الأهواء السياسية
يشير المترجم في التمهيد إلى أن ما سنقرأه في الكتاب ليس مقالات وخطبا بل نخبة منتقاة من أجل “رسم الصورة الحقيقية لشخصية أينشتاين التي تجد نفسها اليوم -على الرغم من نيتها السليمة- ملقاة في دوامة الأهواء السياسية والتاريخ المعاصر”.
وتبدأ تلك الشروحات المكتوبة بقلم أينشتاين بعنوان “عالمية العلم” الموقع سنة 1922، ثم “مبادئ البحث” (1923)، و”رسالة إلى عربي” (1930)، لكن للأسف، فإن مقالات أينشتاين تأتي في الكتاب دون تفكيك نقدي سوى ما ورد من إشارة في تمهيد المترجم وهو عدة أسطر تشبه الفهرس فقط.
عناوين هامة يشرح الفيلسوف الشهير موقفه منها في هذا الكتاب، وهي تلخص رؤية ألبرت أينشتاين إلى مختلف مناحي الحياة بدءا من التعليم إلى التسلح والقوة الشرائية والعلاقات بين الدول والسلم والأقليات.
ورغم أنه يصرّح في أكثر من مكان أن اختياره هو الديمقراطية والسلم العالمي، فهو يعود مجددا للتعاطف مع اليهود والتغاضي عمليا عما لحق بالفلسطينيين من عسف وجور إذ يقول في رسالة للشباب اليهودي “نستطيع اليوم أن ننظر برضا وارتياح لأنه خلال هذه السنوات العشر نفذت القوى المتحدة للشعب اليهودي في فلسطين أكثر مما كنا نجرؤ على الحلم به.. إن عملا عظيما في البناء قد توّج بنجاح كبير”. كما يشير أينشتاين في مقالات أخرى إلى ضرورة تطوير فكرة الصهيونية بما يلبي شخصية اليهود “العريقة”، معتبرا أن لليهود مهمة نبيلة كبرى في فلسطين!
وجود هذه المقولات المتصلة بفلسطين على شكل مبتور وبعيد عن النقاش في الكتاب، جعل حيادية المترجم كبيرة إلى حدّ مجحف بالرأي الفلسطيني الذي له أهميته هنا، وحبذا لو أشار المترجم بالانتقاد إلى هذه الآراء التي أدرجها أينشتاين حول فلسطين أو شرح وعلق عليها نظرا لأهمية الموضوع.
مفهوم الحياة
تفتتح المقالات بنص صغير حمل عنوان الكتاب “كيف أرى العالم”، وفيه يشرح أينشتاين مفهومه للحياة التي يرى وجود الإنسان فيها مجرّد زيارة مجهولة الأسباب، لكن يستدرك ليقول إن وجودنا هو من أجل الآخرين وقبل كل شيء من أجل “أولئك الذين تمثل ابتساماتهم وراحتهم الشرط الكامل لسعادتنا، وسعادة هؤلاء الذين لا نعرفهم…”.
وفي غمرة مواقف وآراء أينشتاين يظهر الكثير من التناقض بين ما يؤكده دائما حول موضوع اعتزازه بالانتماء اليهودي، وما يصرح به في أماكن أخرى عن عدم انتمائه عاطفيا إلى أية دائرة، ورغم أن الانفلات من الزمان والمكان ومفهوم الانتماء الكلاسيكي يبدو مفهوما بالنسبة إلى الشعراء والفلاسفة نظرا لانهماكهم بمفهوم الإنسانية الكبير، إلا أن نوعا من التضاد يحضر في ما يخص أينشتاين الذي يحتاج مفهوم الانتماء لليهودية لديه إلى شرح وتفكيك خاص نظرا لتشابكه وإشكالاته المتعددة.
يقول أينشتاين “لم أشعر مطلقا بانتماء عاطفي إلى دولة، أو أرض، أو حلقة للأصدقاء، ولا حتى إلى العائلة الأكثر قربا، بل العكس لطالما شعرت تجاه هذه العلاقات بشعور لا يكلّ بأنني رجل غريب بحاجة إلى الوحدة”.
حول موضوع الثروة، يظهر أينشتاين قديسا وهو يشرح دور ثروات العالم في دفع البشرية إلى الأمام، فرغم تأكيده على أن النقود لا تقود سوى إلى الأنانية، إلا أنه يسرع ليؤكد أن “الرجال العظام وسليمي النية هم من يفترض أن يتحكموا في الثروة كي تمضي الأمور إلى غاياتها وأفعالها النبيلة”، لكن هذا يتناقض عمليا مع ما صرح به في مكان سابق عن تعاطفه مع الديمقراطية إذ أن صناديق الاقتراع يمكن أن تحمل إلى الواجهة من هم في عداد التجار الذين لهم آراء مختلفة في ما يخص استخدام الثروة وطرق توظيفها.
في هذا يبدو أينشتاين طوباويا عندما يقول “أيمكن لنا أن نعرض صور موسى وعيسى أو غاندي، مسلحين ببورصة كارنجي؟”. في الكتاب محطات هامة تضيء على شخصية أينشتاين وفكره في مختلف النواحي، لكن الأهم، هو قراءتها بالمنهج النقدي التحليلي الضروري لقراء العربية، من أجل فرز الغث عن السمين.
______
*العرب