ألبوم صور


*مانويل بيثنت/ ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي



لم يعد لصديق الطفولة ذاك الذي كنتَ تلعب معه على شاطئ البحر اسم. لقد كان طفلاً نحيلاً لوّحت أشعة الشمس مُحياه وكان أبوه يعمل صيّاد سمك. تظهر في الخلفية قوارب مصطفّة على رمال الشاطئ وأنت في الصورة بصحبته تصطاد السرطانات من بين صخور الحافة في شرمٍ غير مأهول.
كنتما لا تفترقان عن بعضكما أبداً، حفاة عراة تدوسان على ملح تلك الأيام الصافية من طفولتكما. لكن رفيق فصول صيفك الأولى ذاك الذي كان ذراعك عند الشدائد اختفى سريعاً ولم تعد تذكر اليوم ما كان اسمه رغم أنه في طفولتكما كان مستعداً لتقديم حياته فداء لك.
في صفحة أخرى من ألبوم الصور أنت شاب مراهق في الحديقة ذات صباح خريفي، تحمل كتاباً في يدك وتقف بين زميلين من المدرسة يبتسمان مثلك أيضاً. فارق أولهما الحياة بعد حادثة سير بدراجته النارية، أما الآخر فأصبح وكيل وزارة. ثلاثتكم اكتشفتم الحب في الدفعة ذاتها وسط ذلك السرب من بنات مدرسة لوريتو اللواتي كن يذهبن مرتديات سترة وتنورة بطيّات بينما يحتضنّ حقائب الكتب المدرسية بالقرب من نهودهنّ الصغيرة.
بعد ذلك، تظهر وأنت تلبس زياً عسكرياً وفي يدك بندقية في كوخ كبير للحمام بصحبة رفيق سلاح يضع ذراعه على كتفك ويضحك ملء شدقيه. أين وصل يا ترى؟ كان يحب سارتر كثيراً وربما أصبح الآن صاحب ورشة لنشر الأخشاب.
تفوح من المساء رائحة قش محترق وترقص الخفافيش وسط بخار من الذّهب بينما أنت تقلّب صفحات ألبوم صور، كل صوره أصبحت دخان الذاكرة. فيه عدة شخصيات متلاشية ظلّت ذات يوم وراء ظهرك، مع أن هذه الشخصيات أهدتك في لحظات معينة جزءاً من روحها من دون أن تطلب منك شيئاً مقابل ذلك. جرفها المد والجزر صوب شواطئ متفرّقة، لا أحد منهم حقّق أحلامه، لكن كل واحد منهم مرّ في حياتك صدفة وخلال مدة معينة كان رفيقك في درب المتع والشقاء.
تفكر حين تغلق ألبوم الصور أن كل الأصدقاء الذين عرفتهم هم شخص واحد. مُحياه في داخلك منذ الطفولة. هو ذاك الطفل بلا اسم الذي كان يلعب معك عند شاطئ البحر. وعبر وجودك لم تفعل شيئاً غير انعكاسك في عينيه.
________
*العربي الجديد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *