فصل في هجاء الحرب


*مصطفى النفيسي

خاص ( ثقافات )

هل ستنجو يا صديقي؟
هل سننجو أيها الأصدقاء؟
عبارة أرددها كمحارب يذهب الى المعركة بشكل يومي. يضطر دوما إلى أن يخوض حروبا غير رابحة. حروب كتلك التي خاضتها الحيوانات في فجر الخليقة. حروب يكون البقاء فيها للأقوى.الحرب في كل مكان. على الأقل هذا ما تظهره شاشات التلفاز. الموت يعيش معنا داخل منازلنا. موت بشع لا يليق بأحد. موت من أجل اللاشيء. أينما حللت وارتحلت تسمع طبول الحرب وأنين الموتى الهازئين بنا. الحرب في كل مكان .الحرب كظلال سيئة تخيم تحت الأشجار وفوقها. الظلال التي لا يستظل أي أحد تحتها أو فوقها. ظلال كأشباح الهزيع الأخير من الليل، أشباح بدون جلابيب أو ملابس تنكرية. أشباح مابعد حداثية. مقدمو نشرات الأخبار هم أنفسهم أشباح بشوارب مقصوصة على الطراز القديم.
نذير الحرب التي لم تعد تخيف أي أحد مستفحل كبشارة أخيرة لعرافة ستعتزل قريبا حرفتها التي ضاقت بها ذرعا. الحرفة التي مارستها كي تسعد زوجات محاربين ذهبوا في طريق اللاعودة. يتحولون إلى مجرد أخبار حزينة مرفقة بابتسامات بلهاء لمذيعين أتخمتهم رواتب المهنة. مذيعون لا يختلفون عن مانيكانات واجهات المتاجر الباذخة. ابتسامات تشبه الفرقعات التي تصدرها زجاجات الكوكاكولا حين فتحها من طرف ندل محترفين.
الحرب التي أتحدث عنها تجعلك تحس بالذنب وتأنيب الضمير. الحياد نوع من المشاركة في الجريمة. فقط لأنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء سوى تغيير المحطات التليفزيونية بروموت كونترول في نزعه الأخير بعد أن أوشكت بطاريته على الانتهاء. تغير المحطات بدون جدوى وأنت تهرش فروة رأسك. لقد فقد التلفاز بريقه كأواني مطبخية بولغ في استعمالها حتى أصبحت كفزاعات الحقول .الفزاعات داخل كل بيت.
هل وضعت هاته الفزاعات لإخافة الأشباح؟
أنت تشغل التلفاز لأنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء آخر غير ذلك. شاشات التلفاز التي لم تعد تبث سوى صور الموتى وإحصاءات المعطوبين والمختفين في سراديب الوقت.
الحرب يخوضها الجميع. الحرب التي ننال فيها حصصنا من الآلام متساوية كأنها قسمت من طرف ناشط حقوقي يومن بالمساواة إلى حد التطرف. المساواة كعدالة جائرة من وجهة نظر ماكس شيلر. حصتك تصلك دون مرافعات محامين جشعين أو اصطفاف أمام البرلمان.
الحرب ليست خيار أحد. الحرب كواجب خرافي يتم بدون رغبة من الجميع نكاية بإميل دوركهايم. واجب قسري وإن كان لايمت بصلة للواجب الكانطي لا من قريب ولا من بعيد. واجب يتبرأ منه الجميع رغم أنهم يقومون به بإصرار شديد.
هاته الحرب لم تعد تخيف أحدا.
الأطفال الآن لن يفكروا في أي شيء سوى في تواريخ الحروب والمعارك. من يفكر الآن في أعياد الميلاد أو حفلات نهاية السنة ؟ الحفلات تتكفل بها الآن شاشات التلفاز ووكالات الأخبار. جميعنا نحتفل مساء بعدد القتلى الذي يتزايد باستمرار كأنه حصان عنيد يصعد المفاوز في طرق جبلية وعرة. المؤشر الوحيد الذي ينمو الآن بدون هوادة بعد أن أصاب الإفلاس كل شيء. كل المؤسسات أفلست الآن إلا مؤسسة الحرب، حتى أنك تستطيع بقليل من الإنتباه مشاهدة تزايد أندية فنون الحرب. كل مواطن هو محارب بالضرورة أو هو مشروع ليصبح كذلك. الحرب كأفق بعد انسداد كل الآفاق. استعداد للحرب أثناء مشاهدة أفلام الكارتون..داخل المدارس..في الشوارع..خطاب العنف هو الخطاب الذي يحضى بالاحترام وأسهمه كلها صاعدة في بورصة اليومي.
هاته الحرب لم تعد تخيف أحدا. 
لا أحد سيذهب الى الحدائق صباحا بعد الآن. الفراشات أصبحت كائنات تافهة. أما الربيع فيجب أن يتنحى الآن. الطبيعة هي الأخرى أتعبتها هاته الحروب التي لا تتوقف أبدا. تتوقف قليلا لتبدأ من جديد. دائما هناك أسباب وازنة لشن حرب ما. ولكن هل هاته الأسباب معقولة؟ هل يقبل بها إنسان في كامل قواه العقلية ؟ ولكن الأنكى هو: ألا يبدو هذا السؤال رجعيا بمعنى ما ؟ أليس المحاربون أناس حداثيون ؟ ولكن من الرابح في هاته الحروب؟ هل المحارب أم الحرب أم ساحة الحرب أم رعاة الحروب الأشبه بوكلاء مباريات الملاكمة بملابسهم الجلدية وياقاتهم البيضاء ؟
هاته الحروب لم تعد تخيف أحدا.
الأطفال أيضا يخوضون حروبهم في صالات الألعاب المدججة بأعتى صيحات التكنولوجيا في دورات تكوينية هم فيها المدربون والمتدربون. ألا يشبه هذا ما يسمى بهرطقة التكوين الذاتي ؟ لقد أصبحت المدارس مجرد دكات احتياط لا يرغب أي أحد في الخروج إليها لأن المعارك الحقيقية تخاض خارجها. ما يتم داخل المدرسة هو مجرد شوط إضافي في مسلسل الحرب الذي يبدأ باكرا في سنوات الطفولة الأولى التي قال عنها سيجموند فرويد بأنها عتبة كل شيء. هاته الطفولة التي أصبحت فاتحة لمتاهات الحياة.لكن المدارس أصبحت هي الأخرى مجرد ساحة وغى يختلط فيها الحابل بالنابل أو على الأقل صالات ديفيلي بامتياز شديد مع حفظ الألقاب والشارات.
هاته الحروب لم تعد تخيف أحدا.
هل سننجو ياصديقي إذن؟
هل سننجو أيها الأصدقاء؟
هل سننجو الآن أو غدا ؟
هاته الحروب هي مجرد كوابيس غير أصيلة أو هي نسخ صينية مزيفة للحياة التي ننشدها جميعا.
هاته الحروب نموت فيها جميعا.
هاته الحروب طلقة أخيرة في جسد طفولة الكون معلنة شيخوخته.
أليست الحرب فوهة للآلام ؟.
_____
*المغرب

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *