لمى نوام
نقيّة الروح، تحمل في ملامحها جمال العراق وطيبة شعبه. هي مثال المرأة العراقية الصلبة والمقاومة، فهي تقاوم بالحرف والقلم لتروي قصة شعبها ووطنها، وتعكس صورته الحضارية والثقافية أنى حلّت. تتناول كتاباتها الهمّ الإنساني بأشكال متعدّدة، ولعل ثيمة الحرب تميّز غالبية نتاجها، ذلك لأنها وليدة سلسلة حروب لم تنته بعد. أما الرسالة التي تودّ إيصالها في كتاباتها، فتتمثل في التأكيد على كلّ الخير الذي يعتمر قلوبنا، والبشرى دوماً بصباح جديد مهما كانت السماء ملبّدة.
أينما حلّت نصوصها، وأينما ذهبت، ترافقها لوعة الأمّهات العراقيات اللواتي أكلت الحروب أعمارهنّ، ونثرت التراب على أرواحهن وجعاً. تمارس ببساطة دورها الإبداعي باعتباره أمراً أشبه بالوراثة، فالعراق بالنسبة إليها سليل حضارة تمتدّ لآلاف السنين، حضارة علّمت العالم الكثير، وهذا يدفعها لحمل هذه الأمانة والمضيّ بها قدماً، لإبراز الهوية العراقية الحقيقية، وهي الهوية الإبداعية.
لا نقطة وصول لطموح الكاتبة العراقية رشا فاضل، فأحلامها متجدّدة، وطموحاتها متغيّرة انسجاماً مع هذا الكون المتغيّر المتطوّر في كل لحظة. طموحها ألّا تتوقف عن الحلم.
أديبة وإعلامية وكاتبة مسرحية ومدرّبة في التنمية البشرية والعلاج بالطاقة الحيوية، وعضو في الهيئة الاستشارية في قصر الثقافة والفنون في العراق، وعضو في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين، تكتب في عدد من الدوريات العربية منها مجلة «نزوى» العمانية، كما تكتب في صحيفتَي «اليوم» الإماراتية و«الزمان» اللندنية. مثّلت العراق خير تمثيل في الخارج، وكان لها عدد من المشاركات في المؤتمرات والملتقيات منها: مؤتمر المبدعات العربيات في تونس بدورته الـ16 عام 2012، الملتقى العربي الثالث للقصة القصيرة في عُمان عام 2011، المؤتمر التأسيسي لملتقى القلم الدولي في دمشق عام 2007، وملتقى القصّة القصيرة جدّاً في حلب عام 2005. إنها الأديبة والإعلامية العراقية رشا فاضل، ضيفة «البناء» في حوار حول حياتها ونتاجها.
عن نشأتها في الكتابة، وبروز موهبتها في الطفولة تقول فاضل: منذ أيام الطفولة المبكرة، كنت أميل إلى الرسم كثيراً. وفي سنوات لاحقة، كنت أحرص على قراءة المجلات الخاصة بالأطفال آنذاك، وأشهرها «مجلّتي»، و«المزمار». وأعتبر أنّ هذه القراءات المستمرّة كانت سبباً مهماً في تكويني المعرفي وفي إثراء قاموسي اللغوي.
وعن رأيها بأهمية الحفاظ على المسرح كقيمة ثقافية في ظل سطوة التلفزيون والدراما والسينما، كونها كاتبة مسرحية أجابت فاضل: لا يغني التلفزيون عن المسرح ولا عن أيّ فن آخر، ذلك لأنّ المسرح هو المواجهة الحرّة مع المتلقّي أي المُشاهد. ولأن للخشبة تأثيرها وفاعليتها، لا بل سحرها الاستثنائي. إضافة إلى أن ما يعرض في السينما أو الدراما يختلف عمّا يعرَض على خشبة المسرح. للمسرح خطابه الخاص وأفكاره الخاصة التي تصلح لأن تعرض على الخشبة فقط، ما يعطيه الكثير من الخصوصية.
حصلت المسرحيات التي كتبتها فاضل على عدّة جوائز في العراق وعدد من البلدان العربية منها سلطنة عُمان، حيث افتُتِح مهرجان المسرح الجامعي السادس، بمونودراما «لعنة البياض»، وهي المونودراما النسائية الأولى التي تمثل تاريخ الخليج العربي وقدّمتها جامعة «نزوى».
وأشارت فاضل إلى عدّة مسرحيات شاركت في هذا المهرجان ومنها: مسرحية «سياط تحت وطأة الأنخاب» التي قدّمها «نادي بريخت للفنون الدرامية» في المغرب العربي، وكانت من إخراج الفنان يونس آية أحمد، وعرضت على مدى ثلاث سنوات وحصلت على جائزة أحسن عمل متكامل وأحسن تأليف، وعلى جوائز أخرى.
وعن واقع المرأة في عالمنا مقارنةً بالرجل تؤكد فاضل أن هناك ردّة حقيقية في دور المرأة في المجتمع العربي عموماً، لا بل هناك تقهقر واضح ومبرمج نتيجة الفكر الظلامي والأفكار المتشدّدة التي يتبناها البعض، والتي بدأت تطفو على الساحة العربية مؤخراً. وتقول: أثّر ذلك في مسيرتي التقدمية ودوري الذي يفترض أن يزداد فاعلية في المجتمع. من ناحية أخرى لا يمكن مقارنة حقوق المرأة بالرجل أو مساواتها بالرجل. فمساواتها بالرجل ظلم لها ولتكوينها الأنثوي الخاص، فعلى الرجل تترتب مسؤوليات لا تناسب المرأة، ولا أعني أن ليس بمقدورها أن تنجزها، لكن إنجاز تلك المهمات يستهلك كثيراً من أنوثتها وجهدها الذي يفترض أن يكرَّس لأمور أخرى تناسب طبيعة المرأة وتكوينها الذي يختلف عن تكوين الرجل.
وترى فاضل أن وضع المرأة في مجتمعاتنا يبقى ضعيفاً على رغم كل الإنجازات المهمة التي حقّقتها، والمواقع القيادية التي تبوّأتها، وذلك لأسباب كثيرة. لكن من المؤكد أن السنوات المقبلة ستشهد فاعلية أكبر للمرأة ومساحات حرّية أكثر اتّساعاً.
وعن أمسيتها التي قدّمتها مؤخراً في المركز الثقافي العراقي في بيروت، والتي حملت عنوان «التسامح»، أخبرتنا فاضل أن صدى الأمسية كان مؤثراً، نظراً إلى ما لمسته من الحضور. ولعل موضوع التسامح تناول أبعاداً أخرى لما هو مألوف. فقد تحدّثت عن التسامح كونه ضرورة أساسية لمن يريد أن يشفى من الأمراض، وبيّنت أهمية ذلك وأثره على الجسد البشري، واستشهدت بالأبحاث العلمية والتجارب الشخصية الموثّقة. إضافة إلى كونه ضرورة أخلاقية أكّدت عليها كلّ الأديان والفلسفات، في محاولة لاستعادة هذا المبدأ العظيم وجعله من أساسياتنا في التعامل مع الآخرين، وحتى في تعاملنا مع الماضي الذي لا نغفر له أخطاء كثيرة. وتناولت جانباً آخر من التسامح لعلّه لم يُطرح من قبل، ويتمثل بالمغفرة للنفس. إذ إن كثيرين لا يغفرون لأنفسهم، ويظلّون تحت سطوة التأنيب، وبالتالي تستمرّ حياتهم على هذه الوتيرة المؤذية من المشاعر السلبية، وهم لا يعرفون أن هذا التأنيب من شأنه أن يُضعِف الجسد والنفس على حدّ سواء.
وتقول: من خلال تعاملي مع عدد من الأشخاص في هذا المجال، يمكنني أن أقول إن مشكلتنا الحقيقية تكمن في عدم وجود أيّ مؤسسة تتبنّى بناء الإنسان وتعلّمه كيف يدير أزماته الشخصية ومِحَنه. وبالتالي يخطئ في السلوك والتصوّر، ويخطئ في خياراته أيضاً. الطبيعة البشرية تميل بالفطرة إلى الخير، لكن سوء إدارة المشاعر السلبية ـ وهي لدينا جميعاً ـ يجعلنا نخطئ الصواب.
وعن تجربتها في عالم التنمية البشرية والطاقة الحيوية، تؤكّد فاضل أنها اكتشفت مدى حاجة الناس إلى أن يكسروا طوق خيباتهم والضغوطات التي يتعرّضون لها، وصناعة عوالم أجمل. وتعتبر فاضل أن عالم التنمية البشرية رائع وساحر وواسع. وباعتقادها الشخصي، لو لم يدرس الإنسان في حياته غير هذا العلم، لكفاه إبداعاً ومعرفة. فهو الذي يجعله يكتشف قدراته وذاته، ويجعله يتعلم كيف يدير حياته بنجاح وكيف يحقّق أهدافه.
وعن تجربتها في مجال الإعلام ونظرتها إلى واقع الإعلام وتوجّهاته، خصوصاً الإعلام الذي يضلّل و«يميّع» الحقيقة، تقول فاضل: لا إعلام محايد، ولا إعلام صادق مئة في المئة. وأتحدث عن الإعلام العربي. فالكل يحاولون أن يوصلوا ما يريدون قوله وفقاً لأجنداتهم الخاصة. وهذا الأمر صار معروفاً لدى القاصي والداني. لكنّني أثق ببعض الإعلاميين، وهم قلّة، فعددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد، وهم الذين يحاولون إيصال الحقيقة بأمانة وصدق.
وما نمرّ به اليوم، يتحمل الإعلام العربي مسؤولية كبيرة منه، من خلال إذكاء الفتن الطائفية وتهويل المشاكل الداخلية في البلاد، لا بل تخصيص الإعلام العربي فقط للكوارث. في الحقيقة، نحن لا نملك مؤسسات إعلامية، إنما محطات تختصّ بنقل الكوارث أو افتعالها في أحيان كثيرة.
رشا فاضل، حاصلة على ثلاث شهادات دولية من الهلال الأحمر الدولي والصليب الأحمر الدولي، وبكالوريوس في اللغة الإنكليزية في «جامعة تكريت»، وشهادة دولية في الصحافة والإعلام من معهد الدراسات الاستراتيجية في لبنان عام 2007. كما حازت على الجائزة الأولى في مسابقة وزارة الثقافة العراقية ـ نازك الملائكة ـ في القصة القصيرة عام 2011، وجائزة دبي الثقافية للإبداع العربي في مجال الرواية عام 2011. لها عدد من الإصدارات منها: مجموعة قصصية «أحلام كالفراشات» بغداد 2003 . «فيروس سردي» عن مؤسسة الشمس للنشر والتوزيع ـ القاهرة 2008 . «رقصة فوق خراب الوطن». «مزامير السومري». رواية «على شفا جسد» 2012 . ولها كتاب يضمّ عدداً من الحوارات التي أجرتها مع عدد من الشعراء والنقّاد. وهي حالياً في صدد التحضير لرواية بعنوان «تانغو».
جريدة البناء