*مهند النابلسي
( ثقافات )
هذه الفكرة عالجها المخرج الأمريكي المستقل الشهير “وودي ألن” في العديد من أفلامه. في الحقيقة، كل فيلم من تلك الأعمال الـ12 التي عرضها في “كان” متشابهة في هذا الاتجاه: “إنها عن الرجال الحائرين والنساء الحائرات الذين يكتشفون أن شريك حياتهم ليس من يرغبون به وأن للقلب بابا ما يزال مفتوحا لمن يرغب”.
هذا الموضوع مطروق في “مانهاتن” وفي “هانا وأخواتها” و”نهاية هوليوودية” و”ماتش بوينت” ومؤخراً جدّاً في فيلمه الذي صوّره في أسبانيا قبل عامين “فيكي، كرستينا بارثلونا”، وكلها عرضت في “كان” ومطروقة أيضاً في الأفلام التي لم تعرض هناك مثل “سبمتمر” و”رصاصات فوق برودواي، وهذا الفيلم الذي أستعرضه (مقتبس عن الناقد اللبناني محمد رضا بمدونته الشهيرة ظلال وأشباح).
كما أن “ألن” يميل بمعظم أفلامه اللافتة إلى أن يسقط أسلوبه التمثيلي الاستحواذي على أبطاله، النساء والرجال على حد سواء، فأنت تراهم يقتبسون بنجاح أسلوبه بالتردد والثرثرة واحتقانه بالمخاوف والهواجس، مع لمسات كوميدية طريفة تجعلك تتعاطف مع أبطاله المحشورين والمأزومين!.
يعمل سي داليو بريغز (مخرج الفيلم وودي ألن) محققا في إحدى شركات التأمين في نيويورك بأربعينات القرن الفائت، ويفاخر دوما أمام بيتي آن فيتزجيرالد (هيلين هانت المسؤولة عن المواردالبشرية بالشركة)، بقدرته الفذة على اختراق عقول وأفكار الزبائن النصابين المخادعين، وذلك بفضل تعويذة خاصة، تتمثل بأيقونة “عقرب مصنوعة من حجر اليشب الكريم”!.
لكن بريغز يقع في مشكلة حقيقية حين يتمكن عميل نصاب محترف من اختراق عقله بواسطة نفس التعويذة السحرية…يدور هذا الفيلم الذي يستند لسينما المؤلف كتابة وتمثيلا وإخراجا، حول نفس تيمة الكراهية التي يتقنها وودي آلن بمعظم أفلامه، لدرجة أن الشتائم “الطريفة” المتبادلة بين بريغز وفيتزجيرالد تستحوذ على معظم الشريط ودون أن نشعر بالملل من تكرار المواقف الظريفة، إلا أن زمام الأمور يفلت أحيانا من يدي المخرج البارع فيستطرد جديا بالخلاف لدرجة الاحتقان والجدية والتكرار …
وكعادة ألن “الثرثار” يغوص أحيانا بحوارات وسيناريوهات جانبية تكاد تفقد الفيلم الإنسيابية والتماسك، مثل حب فيتزجيرالد لرئيسها ماغرودر(دان أيكرويد)، وعشق هذا الأخير للورا كينزينغتون(الممثلة البارعة تشارليز ثيرون) التي هي ابنة أحد زبائنه، وقد قاد ذلك للملل والتشتت أحيانا، والفشل في “إكمال” البعد الدرامي للأبطال الثانويين(عكس أفلامه الأخرى)، كما ركز أكثر من اللازم على شخصيته بشكل نرجسي!
وبالرغم من ميزانيته الكبيرة نسبيا مقارنة بباقي أفلام وودي ألن، إلا انه كان ربما الأقضل لو أنه صوره وأخرجه بالأبيض والأسود، وخاصة أن الفيلم يتحدث عن فترة الأربعينات، وكما فعل ألكسندر بين عندما نجح باخراج نبراسكا(2013) بالأبيض والأسود حديثا، وساعد ذلك بإظهار بؤس وعناد وطرافة “قصص الشيخوخة” في البلدات الأمريكية البسيطة!