ياسين طه حافظ
المصباح وحيداً يضيء
أما وقد ابتعدتِ بعد أن صنعتِ لي أعذاراً،
اعذاراً متخاصمة الواحدُ يفضح الآخر،
تألمتُ من أجل نفسي التي طُوّحَ بها
وتألمتُ للحب الجميل تمرّغهُ المراوغاتُ وهو مستسلم لايدري.
أرى الآن كلَّ شيءٍ بوضوح من بدء القصة،
من تلامعِ الانذاراتِ الشيطانية،
في البيوت العتيقةِ التي أخفت التاريخ
الى الوضوح المُخَيِّب الذي يحيق بي ويُلزِمني بالصمت.
الحكمةُ في محنة .
أغفر لها، أم أُعاقب نفسي ومبكرّاً جاءتني الاشارات؟
لم أكن أُصدّق
أن الرداءة دمرّت كل هذه المساحات من مزارعنا
وان العالم مُفزِعٌ من تلَفٍ
وأني إلى هذا الحدّ أجهل ما وراء الكلام.
أنا الآن في عزلةٍ رمادية والصقيع على العتبة.
والزمان مثلُ صفيحٍ بارد لا يتحرك.
أيتها الجميلة
خذلتِيني بقسوة.
طاقتُكِ على الكذب تفوق طاقةَ المراوغين منذ بدء الأرض.
بدأ الأحياءُ يقبلون مصيرَهم ،ويعلمون أن خطأً ما يحدث.
هل أجد سبباً لماذا البيوت في المدينة
موصدة أمام الحب؟ ولماذا يقتلون في الريف العاشقات؟
قد يكون ما أريتِنيه سبباً، قد يكون..
اياماً، افكر فيكِ كماأفكرّ بامرأةٍ لا اعرفها، أقول:
من يدري ربما هي أيضاً ضلّت الطريقَ وهي تقود أحلامَها.
الرؤيةُ في عالمنا ليست دائماً واضحةٌ وليس الجميع يرون
كم بقيَ من النبيذ في الزجاجة؟
انطفأت نارُ الموقد تحت الغمِّ الرطب تراكمَ في لحظات.
هل أجدُ بعدُ دفئاً؟
أرى من بين الحشائش شَمسها تتسرّب كما لتُخفي شيئاً.
حبيبتي ، لم تكوني طيبةً معي.
لستُ ضدكِ.
لكني أراني زورقاً محشوراً في الثلج
ومصباحُه ظل وحيداً يضيء..
مع كل هذا الالم والرثاء ونحن نلفُّ حبالَ سفائننا الخائبة،
لاتفتقد الحياةُ كلَّ جمالِها.
هي ترعى السفنَ العائدة،
ونحن نُعيد الحبَ الى مكانه
ونمدّ أصواتَنا وأرواحَنا للحلم!
لا تظلي بعيدةً
في ابتعاد الضوء عن العالم، في ابتعادِكِ،
يظل نهارُنا متّكِئاً على جدارٍ مثل مريض،
يظل الكون شاحباً كما سيستلّون حقيقتَهُ.
أظلُّ افكر في قدوم النهار
وعودة الحياة الى فقراء الارض:
المرضى والعاطلين عن العمل وهذا الذي هو أنا
بانتظاركِ، أنتِ التي يحمل جسُدكِ المباهجَ والنِعَمَ الإلهية
فقد أكلتْ وجهَ الأرض الكوارث
وقد أكلت أوجهَنا دقائقُ الانتظار.
جمالكِ وحده يكشف حجمَ الجريمة التي وقعتْ.
فقد أعطينا وعوداً كثيرة وانتظاراتٍ كثيرة وقرابين.
من أجل مجيء الفجر
من أجل انبثاق جمالكِ في خرائب الفقراء.
إننا، من كوم الانقاض وتوالي الجرائم بين بيوتنا،
ما عدنا نسأل عن المطر والشمس طالعةً، ولا عن البَرَد،
لا يريد ان يذوب فوق عشب الحديقة.
لكن ربيعَك يتسلّلُ إلينا أحلاماً ولمسات
وتضيء يقظتَنا فرحةٌ لا نراها
فكأنما نسمع حفيفَ حريرِكِ قريباً من وجوهنا.
لا تظلي بعيدةً، تعالي
تعالي حلماً أو حقيقة!
شذرات النجوم
ليست هي حرفةَ خلطِ الاوهام بالحقائق،
هي عذابٌ لكي نعيش،
نتقبل سكاكين الصخر لنبلّلَ شفاهنا من المياه البعيدة.
وأنا عشتُ زمناً طويلاً أرى وأحدّثُ
من لا وجودَ لها.
صنعَتْ لي ملاذاً ومكانَ انتظار
لِهِباتٍ أظنها ستصل.
غريبٌ اليوم أني رأيتكِ، أنا ما صدقت .
كنتُ في شبهِ صحوٍ وشبهِ حلم.
كيف حدث هذا؟ لا تعدم أملاً حياةُ الفقراء.
ها هو الحلم يكتسي لحماً وفرحاً ومن بين
طيات لا أرى، تاتينَ بخطواتٍ حييّة
ومشتاقةً بادبٍ تقفين.
تبتسمين، نتكلم، تتصافح يدانا،
ورجفةٌ صغيرةٌ جدا مثل هزّةٍ أرضية بدرجة واحدة،
وتبدأ قصةُ الحبِ مسيرتَها،
ملحمةً سميتِها أنتِ!
دائما تفتح بابها الحياة
الماضي كان سيئاً. ولكنه سيئٌ له لحظات يكون فيها طيبا.
ربما عطوفاً أو مداعباً في ساعات،
ومن غير موعد، من غير حتى انتظار،
يفتح لي حقيبةً مقفلةً لأرى ما نسيت
ويفتح لي غرفاً مهجورةً منسية،
فاجد بهجةً تنتظر،
أجدُ فرحا أنا محتاج له.
هكذا اقتربتُ إلى تلك العزلةِ في ركن الشارع،
اقتربتُ لأرى ابنتَه اليافعة،
الشقراء الفتية، ذات الضفيرة الذهبية البسيطة،
والخصلة الصغيرةِ داعبت الجبين
مثل عنقودٍ من أشعة الشمس عرف طريقَهُ
فمكث حلوا تشتهي الكفُّ المرورَ بلذةٍ عليه.
مرةً اجدُها محلَّ ابيها الشيخ،
في الركن الصغير، الظليل،
هي وحدها تضيء فيه.
ما كنت أصدّقُ أن الحب في كل مكان
وألاّ مكانَ في الدنيا يخلو من جمالٍ خاص.
للمرة الرابعة، الخامسة، ترددتُ أزورُها
آخر مرة أودعتُ حاجةً عند أبيها ريثما أعود.
انبثاقُ صباها، أنضَج لمساتِ القلبِ الأولى.
هذه المرة، حَمَلتِ المذياعَ الخشبيَّ الإطار، الذي ائتمنتُهُ
ذراعان مضيئان انحسرتْ عنهما الاكمام.
تناولتهُ، مسّتْ يداي يديها الباردتين،
ورأيت اضطراباً وارتعاشةَ ضوء.
واليوم فتحت لي الحياةُ بابَها البعيد
الذي لا تفتحه إلا في الأعياد.
ورايتُها. رأيت الدكانَ، رأيت الكالبتوسةَ قرب الدكان
ورأيت الراديو خشبيِّ الاطار
تحمله ذراعاها الخجولان اليَّ.
لم اصدّقْ انها تظل في الذاكرة
وانها تحضر الان هي وابتسامتُها الصغيرة
وتلك الارتعاشةُ القليلة في يديها
وذلك الاضطرابُ في النظرات.