المجزرة تبتسم


وداد نبي
المجزرةُ تبتسم

فصورها منتشرة بكثرةٍ على صفحات الجرائد والمجلات

نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي

المجزرةُ هاتفها مغلق

كأي شخصية مشهورة

لا تردُ على الاتصالات الكثيرة

للمجزرةِ شأنها الخاص بوضع الأرقام على قبور ضحاياها

لكن لمجزرة كوباني أسماء أيضاً

وليست أرقاماً فقط

تدللُ على الضحايا

لكل ضحيةٌ اسمٌ يبتسمُ

فالمدينة صغيرة والجميع يعرفُ الجميع

لا قتيل مجهولاً

كل قتيل له أحبة وأصدقاء

كل قتيلٌ له إسمٌ يدون على شاهدة قبره

بيروين.. محمد.. هوشنك

كلستان.. عمر.. أفين..نارين

مصطفى.. ريبر.. خليل.. أزدشير.. اسماعيل

وقائمة الأسماء تطول وتطول

تصلُ للسماء الأخيرة وتستقرُ بجناحِ غيمة وتبكي

أحمد.. فاطمة.. فتحي.. علي

و»سلافا«..

آه ٍ «سلافا«..

الطفلة التي يصلحُ وجهها كمزهريةٍ لمجزرةِ كوباني

المجزرةُ تبتسم

فكل قتيلٌ يعرفهُ أهل المدينة

كل قتيلٌ جرحٌ أزلي بذاكرةِ المكان

لطخة ألم ٍ بذاكرةِ الأحياء الناجين

المجزرةُ تبتسم

فمن يرفعُ بعد اليوم عبء الذاكرة عنا

من يلغي الفجر من صباحاتنا

ذلك الفجر الذي تسلل فيه وحوش الكهوف المظلمة للمدينة

في تمام الساعة الخامسة صباحاً

طرقوا الأبواب

فتحوا لهم الأبواب

فأهالي كوباني لا يدعون أحداً خارج بيوتهم يطلب مساعدة

فتحوا الأبواب

فابتسمت المجزرة

وافترس الموت الأسود قلب كل من فتح بابهُ

صعدوا للأعلى..

فتحوا كل الأبواب المغلقة

قتلوا النائمين وتركوا أحلامهم معلقة بخيطِ دم ٍ يتخثروا بأجسادهم

لم يستثنوا أحداً

طفلاً

امرأة

شيخاً

عاجزاً

كل أحد

كل من كان قلبه ينبضُ بالحياة قبل فجر ال25 من حزيران

ذبحوا الجميع بهدوءٍ

وظلت المجزرة تبتسم وتبتسم

«لم يكن أهل كوباني ليغلقوا أبوابهم أمام غريب ٍ يطرق الباب»

هكذا برر الضحايا لأطفالهم قتلهم الوحشي فجر ذلك اليوم من حزيران

للمجزرةِ ذاكرة المدينة

فمجزرة كوباني تحفظ رائحة ضحاياها

أغنياتهم المُحببة

نوع السجائر التي كان يدخنونها

وأصناف الزهور التي كانت النساء تزرعنها بباحاتِ منازلهن

أسماء «الطبخات الكردية» التي أُعددت على الإفطار

عدد المرات التي بكت فيها الطفلة الرضيعة قبيل الفجر

كلام الحُب الذي كتبتهُ العاشقة لحبيبها برسالةٍ قصيرة قبل النوم

ليس للمجزرة أسماء وذاكرة فقط

للمجزرة سكينٌ حاد يضعُ أحشاءك بين يديك

وتتركك حجرا ً بلا دمع ٍ أمام المقبرة الجماعية للراحلين

وتظلُ المجزرةُ تبتسم و تبتسمُ

حتى تلتقط لها صورة حزينة

حزينة جداً جدا ًكقلبكَ القتيل.

المستقبل

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *