*د. شهلا العُجيلي
نلفّ وندور ونعود إلى فلسطين!
شغلَ الشكل الجديد للثورة، أو الانتفاضة الجديدة، أو الحراك الأخير في فلسطين، وسائل الإعلام جميعاً، حتّى وإن جاء في بعضها خبراً ثانياً أو ثالثاً.
المصوّر الذي التقط تلك الصور كان متفوّقاً، حيث أبرز جمال الرشقَة، وترك لنا فضاءً لتأمّل العيون الملوّنة الكحيلة، التي تبديها الكوفيّة أكثر سحراً، وللتساؤل عن إمكانيّة التعاطي مع أصباغ الأظافر الحمراء التي اعتمدتها المقاتلات الحسناوات في ملابسهن (الكاجوال): قمصان كاريه، وبنطلونات جينز، وأحذية رياضيّة، وكان الشباب أيضاً في أناقة مدينيّة متفوّقة بأجساد رياضيّة مشرئبّة، وتسريحات (ألترا مودرن)، وهكذا يتحوّل الشارع اليوميّ إلى شارع مقاتل، يتركنا نحن الذين خارج فلسطين في حيرة، إذ لا نعرف إذا ما كان ثمّة اتفاق مسبق على توحيد تلك النظرة المتحدية والابتسامة الواثقة للمناضلين جميعاً، أم أنّ المصوّر امتلك حريّة الكلام مع المعتقل وهو بين أيدي الشرطة الإسرائيليّة ليقول له: ابتسامة عريضة، ارفع رأسك قليلاً…
لقد غيّرت التكنولوجيا وجه الحرب كثيراً، فكلّ حرب جديدة أو متجدّدة تحسم التكنولوجيا فيها المعركة وفاقاً لدقّة الضربات، أو أخطاء التوجيه، أو نوعيّة السلاح، إلاّ في فلسطين حيث يعرف المقاتل عدوّه تماماً، فتتفوّق روحه الواثقة على عبقريّة الكاميرا التي تلتقط الابتسامة…
حينما دخل الفوج الثاني من جيش الإنقاذ إلى فلسطين في التاسع من كانون الثاني من العام 1948، لم يكن يحظى بشيء من تلك القوّة التكنولوجيّة، إذ يقول الدكتور عبد السلام العجيلي في كتابه “جيش الإنقاذ”، صدر في 2005، الذي شارك فيه طبيباً ومقاتلاً، بعد أن ترك مقعده النيابيّ وتطوّع للجهاد: “هذه ضحايا الفوضى وقلّة الترتيب التي بدأ بها عملنا. أمّا البغل فقد نفق على الطريق من سقوطه من السيّارة، وأمّا المجاهد فقد أصابه رفيقه بمسدّسه وهو يلعب به، وأمّا جهاز الراديو فقد سقط عن بغله الحامل له سقطة مريعة، ولقد كانت تلك بداية سيّئة ليوم اختراق الحدود الفلسطينيّة. وسرنا في هذا الليل لنخترق الحدود من منطقة عيتا الشعب. أمّا النظام فقد فُقِد بسبب البغال اللعينة التي لم تستطع النهوض بأحمالها، فانغرست في مراحل الطريق وغرست معها الرجال، وكان الخوف من المجهول الذي استولى على نفوس أغلب أفراد فئة القيادة يزيد من الفوضى”.
يتغيّر كلّ شيء اليوم ويؤول المآل إلى “خلافة الديجيتال”، وهذا عنوان الطبعة الإنكليزيّة للكتاب الجديد للكاتب الصحفيّ عبد الباري عطوان.
يقول المراقبون عن الأسبوع الفائت إنّه أسبوع نسائيّ بجدارة، فقد تمّ الاحتفال باليوم العالمي للفتيات في الحادي عشر من تشرين الأوّل، ويندرج هذا اليوم في إطار حملة تنظمها الأمم المتحدة لمكافحة الفقر المدقع، وتحسين صحة النساء والفتيات في العالم، وتربيتهن! وتمّ في بيفرلي هيلز تكريم غوينيث بالترو، وأوبرا، وسلمى الحايك في مهرجان (تعدّد القوّة النسائيّة)، حيث تحدّثت بالترو عن حملة للمساواة في الأجور بين الرجال والنساءفي هوليوود! فتياتنا اليوم في بعض المناطق العربيّة التي طالما كانت حداثيّة، لا يذهبن إلى المدارس وهنّ في عمر ست سنوات، بسبب العصابات المتطرّفة والخطف، والأنظمة التعليميّة المريعة في تخلّفها، كما تحوّل الكثير منهنّ إلى سبايا وبغايا…
حصلت امرأتان على جائزة نوبل في الأسبوع الفائت، هما: الطبيبة الصينيّة يويو تو عن توصّلها إلى علاج جديد لمكافحة مرض الملاريا، وقد أعربت عن سعادتها بأنّ الطبّ الشعبيّ الصينيّ سيلقى اليوم حفاوة ناتجة عن المصداقيّة، والبِلاروسيّة سفيتلانا أليكسيفيتش والمعلومات عنها شحيحة، إذ ما زالت غير مترجمة إلى العربيّة، ومع ذلك دار حولها لغط بسبب من مواقفها السياسيّة، إذ أشاروا إلى أنّها كانت ضدّ الاتحاد السوفيتيّ، ثمّ وقفت مع استقلال أوكرانيا عن روسيا، أليس ذلك شأن شخصيّ ثم شأن داخليّ؟!
لا يكفّ كثيرون عن إسقاط رغباتهم وانتماءاتهم على الموضوعات. كتبت هذه المرأة عن الحرب، إذ يطغى في بلادها صوت الحرب على غيره، وبذلك نتشابه معها في ذلك الجزء من التاريخ، جئنا مثلهم من ملك عثمانيّ قديم، وعمل في خرائطنا الاستعمار الأوربيّ، وموضوعنا الضحايا، لكن علينا أن نكون أكثر تحديداً في تعريف ماهيّة الضحايا.على الرغم من أننا لم نقرأ لألكسيفيتش سوى بعض حواراتها، شعرت بسعادة خفيّة وخجولة بفوزها، ربّما لأنّها امرأة! وهناك من اغتبط لأنّ كتابتها نوع آخر من الأدب، أدب غير خياليّ، غير ملتفت إلى أننا منذ زمن نكتب الرواية بالاعتماد على الوثيقة، وأنّ ذلك النوع من الكتابة، يوهم ببعده عن الخيال فحسب، لكنّه ليس وثيقة مطلقة.
كنت أريد أن أكتب قليلاً عن تجربة جوليا كريستيفا في الصين، لكنّ المقال بلغ مداه، ولابدّ من الإشارة إلى أنّ رأس السنة الهجريّة (1437) يصادف غداً، فكلّ عام وأنتم بخير!
______
*المصدر: عمّان.نت