صورة المرأة في رواية..( سيرة الفتى العربي في أمريكا) لرفقة دودين*

(ثقافات)

 

صورة المرأة في رواية..( سيرة الفتى العربي في أمريكا) لرفقة دودين*

  • نايف النوايسة

 

    لا يبارح ذهني مطلقاً هذا السؤال: هل المرأة مظلومة؟ ربما لا أجد الإجابة الصريحة عليه، سواء القاطعة بالنفي أو بالإيجاب، ذلك لأن المرأة والرجل شريكان في بناء الحياة جنباً إلى جنب ـ كما أسلفت في دراسة سابقة. وليس من السهل تجزئة الواقع، والظفر بعد ذلك بإجابة حاسمة.

   وعندما شرعت بدراسة موضوعة المرأة في الرواية النسوية كنت في موقع البحث عن جواب لدى فئة متنورة من النساء ووقفت في جزء كبير من نشاطهن الذهني والعملي على حقيقة المرأة ودورها في بناء الحياة، ووجدت أن لديهن نظر نافذ في الشأن النسوي واقتراب هذا النظر من الدقة الموضوعية أو التطلع الطموح من خلال الفنية الإبداعية.

    ربما يكون الواقع الذي تعيشه المرأة الأردنية يعطيها فضاء ما تتحرك فيه، لا أدري ما مدى اتساع هذا الفضاء وكيف تقيسه المرأة وتعبّر عن رأيها تجاهه بسبب جملة من إشارات مؤسسة الخوف المحذرة؟

    إن ظاهر الأمر يدل على إحراز المرأة معظم المكاسب التي تسعى إلى تحقيقها، فهل في ذلك ما يؤكد تطابقه مع حقيقة الأمر؟ بمعنى إن المسافة ما بين الحلم واليقظة قد تقلصت واقتربت المرأة إلى مشارف جميع ما تفكر به.. وحتى نصل إلى إجابات معقولة لا بد من دراسة وعي المرأة بحيادية تامة وبعيداً عن القمع والاستقواء والوصاية، لا بد من الوقوف على ذلك من طرق الباب الحريمي نفسه لمعرفة قدرة المرأة على تقديم إجابة حاسمة على موضوعية السؤال، وكيفية مداورة الخيال الأنثوي لإدراك وضع المرأة في الحلم والرؤية حتى مشارف المواجهة.

    رفقة دودين، هي واحدة من المبدعات اللواتي اشتغلن على ترسيخ قواعد البيت الثقافي للنساء وتمكين المرأة ثقافياً، وفك الألغاز المتعلقة بها، وفي روايتها( سيرة الفتى العربي في أمريكا) ندخل في بانوراما ثقافية مركزها الإبداع  الروائي, وأما أجنحتها المحلقة فتحمل  رفقه المثقفة المناضلة إلى قضيه المرأة أو قضيه الوطن.

    ومن يقرأ الإهداء سيذهب به الوهم إلى أن أحد( الدكاتره ) المهدى إليهم هذا العمل هو بطل الرواية, غير أنني أجزم أن( عبد) بطل الرواية قد تقمصت شخصيته رفقة دودين وأفرغت فيه ذوب إبداعها وثقافتها وقضيتها , فهي صاحبة رؤية وملتزمة كل الالتزام بها.

     ( سيرة الفتى العربي في أمريكا) هي كشف حساب ما بين الشرق والغرب عبر ثنائيات في القضايا:

     _ قضية حضارتين

     _ قضية المرأة والرجل( الذكر والأنثى)

     _ قضية فلسطين والآخر

      والذي يهمني في هذه الرواية هو نظرة دودين للمرأة وكيف أبرزت صورتها, وهي مبثوثة في صفحاتها على نحو ذكي وتتطلب من القارئ عناية فائقة لالتقاطها؛ فأول الرواية في آخرها, وآخرها متداخل مع أولها وأوسطها في بناء روائي متين وهو أمر يستدعي الانتباه واليقظة وإدامة استرجاع قراءة فصول الرواية حتى يتم ربط الأول بالآخر, والذي يزيد من إشكالية قراءة الرواية هو تداخل صورة المرأة في جمله القضايا المطروحة؛ فهي موجودة في صراع وتجاور الحضارات فضلاً عن وجودها في القضية المحورية بين الرجل والمرأة، كما أنها نقطة الارتكاز في القضية الفلسطينية، فأنّى يممت وجهك سترى المرأة ماثلة في أحداث الرواية..

    واستطيع القول إن العنوان سيكون أقرب دلالته لو كان هكذا( سيرة الفتاة العربية وأمريكا)، وأظن الأديبة دودين لا تقدر من خلال هذا العنوان لأنها تريد مواجهة الغرب ب( ذكورية الشرق) وأظنها بهذه المواجهة قد أفلحت.

    وزعت الأديبة دودين تواجد الفعل النسوي في روايتها على ثلاثة بيئات جغرافية رئيسة هي فلسطين والعراق وأمريكا، وهي بيئات مهمة بطبيعتها لدراسة القضية الفلسطينية، ولعل الربط بين قضية فلسطين وقضية المرأة هو ما أرادته دودين، وهذا طابع عام يتسم به كل المناضلين، وفي الإضاءات التي يلتقطها القارئ من الرواية يدرك حقيقة القضيتين اللتين أهمتا دودين وصنعت لهما هذا المدى الإنساني الممتد.

    تتجاذب صورة المرأة في الرواية ثلاثة نماذج نسائية بارزة  متجولة في كل صفحاتها، هي: زليخا أم بطل الرواية( عبد رمضان الحاج )، والعراقية الكردية سازان زميلته في جامعة الموصل، وصديقته الأمريكية سندي، ويتحرك داخل هذا المثلث النسوي نساء كثيرات هن روافد أو معابر لتعميق أهمية القضية النسائية من خلال المثلث الذي ذكرناه.

  وتكشف النساء الثلاث عن البئر العميقة التي تنتح منها دودين مياه قضيتها, فالنسوة الثلاث مبثوثات في الرواية بطريقه فنية دقيقة في اللغة الراقية والتكنيك الروائي المدهش.. الرواية كتله مدمجة ينبغي التعامل معها بحذر شديد لأن خيوطها المتداخلة تفلت من قارئها إن لم يكن واعياً لما يقرأ, ومستحضراً ذهنه لفهم ما وعي من الرواية؛ فالأم متداخلة في جسم الرواية بكامله وكأنها المهاد الأول للقضية النسوية باعتبارها الجذر, ولا ينبغي مجاوزة الجذر إلى الساق والفروع دون تسلسل  مدروس, ثم تأتي سازان التي دخلت أجواء الرواية وبقيت منتشرة فيها حتى الأخير, وأما سندي فقد كانت حماله للصراع  الحضاري من خلال حراك المرأة، وقد ولد دورها في القسم الثاني من الرواية( كتاب الرحال) .

     لزليخا  دلالات كثيرة في اسمها ودورها في الأسرة والمعاناة التي عصفت بالشعب الفلسطيني جراء الاحتلال والجور الإنساني, إنها رمز للتضحية والعذاب والحياة في آن واحد.. زليخا هي طرف فاعل في ثنائية الرجل والمرأة, ويبدأ السؤال المشروع بينها وبين زوجها حول جنس المولود الذي يريدانه( بنتاً كان أو ولداً), وهنا تقفز من مستكن العادات( البنت إن بكت تشتي الدنيا, والولد إن ضحك تشمس الدنيا), ويولد السؤال: لماذا ربط البكاء بالبنت؟ ألأن الضحك لا يليق بها وفق ما ورثنا من أمثال شعبية؟( البنت لَنْ بان سنها إلحقها ولا تستحي منها).. الدموع للبنت لأن الدموع( حزن وظلم وقهر وهضم حقوق ), والبنت هي كل ذلك في شرقنا, والضحك يليق بالظالم الافتراضي وهو الرجل.

      تحتضن الرواية كل أيقونات العقل الإنساني المرتبط بالأم بدءاً فهي مع ابنها  الذي تختلف اتجاهاته عن اتجاهات والده, هي تستقوي بابنها على جبروت الوالد, وتستعين على ذلك بكل ما تعرفه من أساطير ومعارف تقليدية, طاسة الرعبة والاستعانة بالعذراء وفاطمة بنت النبي, وحين تتوجه الأم بخطابها الباكي لأم المحبة نجدها تفرغ كل ضعفها في هذا الخطاب.

      الأم الشرقية في الرواية وإن وُصفت بأنها شريكة الرجل في المسرات والملمات لكنها في السلوك العام هي تابع له, ولا ينبغي أن تتعداه وتتجاوزه؛ فالشراكة في حدها الحقيقي تكون قائمة ما رغب الرجل بامرأته إلى الفراش, هنا لا تكون شريكة وحسب وإنما هي كائن تجر الرجل وراءها كيفما تريد كما فعلت زليخا بزوجها( أبو عبد) حين قسا على ابنه إلى حد الإهانة, وبعد أن أنهى الرجل( رغبته) عاد إلى جبروته وعادت المسكينة إلى حدها الأدبي الذي لا يتجاوز قيمة المتاع الزهيد.. أما المرأة الغربية كما رأينا في نموذج أم سندي فهي منفلتة تماماً من كل القيود وان لم تكن حرة على الوجه الذي نفهم فيه مفهوم الحرية, هي مقيدة بعادات وتقاليد جديدة أفرزتها مؤسسة( الانفلات) التي تجاوزت قواعد( الحلال والحرام), لذلك نرى الأديبة دودين تلمح إلى حنين خفي لأجواء المحافظة عند أم سندي, إلى تلك السنين التي كانت المرأة فيها غير المرأة الآن.

                                           *******

المرأة الضرورة “الأم “ ( 2)

     في لحظات الحزن الشديد تكون الأم اقرب مخلوقات الله إلى الرجل كما حدث مع عبد حين توفيت أمه قبل عودته من أمريكا بشهور, في مثل هذه اللحظات يكون الرجل أكثر قرباً إلى قلبه, فلا يقول إلاّ كما قال عبد:( لماذا رحلت يا أمي قبل عودتي بشهور, موت الأمهات بهي, الأمهات مؤرخات من طراز رفيع, يؤرخن لقادم الأيام, الأمهات يجلسن الصغار ويمتطين جنح الخرافات والتخيل, كانت أمي تريد مني أن أكون متنبهاً, نبيهاً, متفائلاً.

    هي تريد ابنها لنفسها لتحتمي خلفه من الجو الاجتماعي الذي يمثله زوجها, لذلك تتعلق روحها مع ابنها كما حصل مع أم عبد حين ماتت وطال احتضارها, فعزَتِ العارفات ذلك إلى أن روحها معلقة بابنها الغائب في أمريكا, وحتى ترتاح الأم وتخرج روحها أحضروا سبع حصوات من الأرض المحيطة بالمستشفى وغسلوهن ونقطوا في حلق الأم إلى أن تقطعت حبال روحها المتعلقة مع ابنها في أمريكا.

    هنا يربط” عبد” بين سندي وأمه بقوله:( لما ماتت أمي وطقّت روحي لم يخرجني من أزمتي إلاّ سندي, بعد أمي أحسست كم أنا بحاجة إلى امرأة، إلى أن حضرت ذات يوم وهي تنتظر مني لمسة ما, كلمة ما, قائلة: يبدو أنك تريدني مكان أمك, أنت تريد أماً يا عزيزي وأنا لا استطيع أن أكونها).

   الرجل متورط في حياته بين امرأتين هما أمه وزوجته , وكل واحدة منهما لا يمكن أن تكون إلا في حدّها الذي خلقت له؛ أمه “زليخا ” ماتت وهو حزين عليها, وسندي صرّحت بأنها لن تكون بديلاً لها, فينقل حزنه إلى غضب خفي يخلق هذا الاستقواء من الرجل وترسّخت أركانه مع مرور الدهور.

*******

المرأة المعشوقة(3)

      أما المرأة الثانية في المثلث النسوي الذي رسمته الأديبة دودين فهي سازان, واللافت هنا – في الرواية- حسن الاختيار لجغرافية الأحداث, فلسطين والعراق وأمريكا, وهذه المناطق تشكل بيئة خصبة لإنبات شخصيات ذات أثر.. من هنا جرى ترسيخ دورة المرأة العراقية في مسار أحداث الرواية.. سازان فتاة كردية ولج عالمها من خلال الدراسة في الجامعة، وكان مستعداً لهذا الولوج بحثاً عن حب مفقود وهرباً من قمع الوالد وبعيداً عن واقع متردٍ لا يعترف بالعواطف.. سازان مثقلة بواقعها أيضاً؛ عدوان على بلدها, حصار على حريتها يمتد إلى خمسة آلاف من الأغلال والقيود..

     سازان هي المعشوقة الجامحة التي لا تتوانى من ارتكاب أجمل الحماقات لأجل عبد وكانت تقول له:( المرأة نخلة لا بد وأن يظل جذعها في طمي النهر, في سبخات الماء كي تكون يدها طلقة، كي تصير يدها طلقة, تعطي الرطب الجنيا, النخلة لا تنتخل في ارض يابسة، النخلة وجذعها مغمور في الطمي, المجبول, المعجون بحب ورغبات وشهوات كالحناء العطن الرائحة).

     لكن الحلف الثلاثيني يفرق بين الاثنين( عبد وسازان) كما فرق الاحتلال الإسرائيلي بينه وبين أهله..

     عبد مسكون بالإرث الذكوري الصارم, وليس بوسعه التنازل عن جبروت هذا الإرث, وينبغي أن يظل هو الرجل وهي الأنثى, لكنه يتمنى لو يقبّل يدها ويخرج من قمقم هذا الإرث, وتشعره سازان بثورتها على القبضة الذكورية حين تقول بصراحة:( لن أدعك تلمسني إن بقيت على هلعك هذا, إن بقيت تعاملني بهذه الطريقة الدونية, هل تتصور أنني استلم منك أجراً مثلاً ؟ حتى تعتبرني بهذه الدونية وبهذا التهميش, عليك أن تتحضر يا عبد, كما إنني لا أستطيع أن أبقى صامتة ساكتة كما ترغ, أنا إنسانة من لحم ودم لا يمكنني أن أتوهج صامته كالحجر).

    هذا بيان صارخ من سازان ويقبل به عبد, لا بل يوافق ما سعت إليه دودين لتصل إلى غايتها بضرورة إنصاف المرأة, ووقوفها على حقها الكامل, ولا يتحصّل لها ذلك إلاّ من قوة تلتمسها في نفسها, وتنتزع هذا الحق انتزاعاً.

    وما بين وعي” عبد” وحق المرأة في أن تكون إنساناً كاملاً واضطرابه في جعل هذا الوعي حقيقة لا تدحض, وبين إندفاعة سازان وشجاعتها لانتزاع حقها من السيادة الذكورية ممثلة ب” عبد” وإحجامها عن ذلك بسبب جدران الواقع التي تصفعها, نرى الروائية دودين تحيك خيوطها على نول تحرير المرأة من خرائط الخوف والقهر بحنكة بالغة.

   سازان هي صورة مثلى للخروج من الدائرة الضيقة للوطن وفقاً لرؤية دودين التي تهمها المرأة عموماً وتنهم لها أينما كانت؛ فالقضية أبعد من حيز جغرافي محدود وحضارة فرعية لا تمتد أذرعها أبعد من هذا الحيز.. هي صورة المرأة، إذاً، التي تمثل قراءة واعية لأثنية القضية وعالميتها على جسر لا يعترف باللغة والعرق والمفاهيم التي تُفصّل بحجم الحضارات المحدودة.. هو جسر الحب.. وكان عبد الذي يحمل على كاهله ميراث قهر ثقيل وأعباء قضية شائكة بحاجة لمثل هذا الجسر ليعبر بعيداً عن خوفه وسقوف مفاهيمه ومسلماته الضيقة، فوجد في سازان العتبة الأولى التي حملته بعيداً وهيأته لأبعد من ذلك.

*******

المرأة الحاجة

      عرف “عبد ” المرأة في صورة الأم، وفي صورة المعشوقة، لكن دائرة  حاجته للمرأة لا تكتمل بدون ” المرأة الحاجة “، وفي أمريكا أدرك ذلك وهو الرجل المتدين والذي كان يُظهر تدينه دون خجل، فهو بحاجة لامرأة مختلفة.. امرأة فيها خصائص الأم وهياكل المعشوقة، وهذا أمر طبيعي في حياة البشر، إذ لا تستقيم حياتهم  من دون تعالق المثلث النسوي على هيئة تحقق الاستقامة المرجوة..

    سندي الأمريكية، لا يمكن أن تكون البديل الصادق عن الأم، وهي ليست بجمال سازان الكردية، هي المرأة التي تلبي الحاجة في بلد بعيد كأمريكا.. امرأة ” متروكة ” من أبوين متفارقين ويلتصق بها ابنٌ ساقته نزوة عابرة إلى هذه الدنيا.. وأمام هذه التضاريس سيرسم عبد خارطته في أمريكا بأبعاد اجتماعية ووزن وجداني وقيم جديدة ذات دلالات سيحملها معه إلى الوطن.

    سندي فتاة أمريكية ليست ذات جمال جاذب.. فيها صورة أمريكا من الداخل بجموحها وأصباغها، وباتت داخل معادلة عبد “الفلسطيني العربي الشرقي ” طرفاً مهما في هذا التجاور الحضاري، و”عبد” الطرف الآخر الذي لم يأتِ أمريكا منتقماً، أو ثائرا كما فعل مصطفى سعيد في “موسم الهجرة إلى الشمال ” للطيب صالح؛ فغاية عبد الإنسانية واضحة ولا تحتاج إلى برهان وهي تمثل هدف المناضلين الذين يسعون لإحقاق الحق وقهر الظلم والانتصار للحرية.. من هنا اتجهت رؤية الأديبة دودين إلى حديقة الحياة لتجديد ربيعها في حين اتجهت رؤية الطيب صالح إلى الاقتصاص من الغرب وتصفية حساباته الشرقية معه.

    صورة سندي تتوافق تماماً مع بابها ” كتاب الترحال” ، وهذه الصورة في ظاهرها كما وصفها عبد: سندي قبيحة وأخذها هدية من صديقه نجاتي وهي ليست طالبة، إذاً، ففي اسم سندي دلالات السند والإسناد والمساندة وهي جميعها يحتاجها عبد، والذي أرسلها هو نجاتي وفي هذا الاسم كل محمولات النجاة لعبد، وهي بكل الأحوال الوجه المعبّر للحضارة الغربية, وكان من شان هذه المخلوقة الضائعة أن تسهل دخول حياة عبد لحياة أخرى وأن يكون عبد لها سفينة نجاة على شواطئ حياة أمريكا الطاحنة.. امرأة عادية الجمال وربما لا تملأ العين عند النظرة الأولى؛ لأن مقاييس الجمال في أمريكا هي( جمال العقل والروح والجينوم).

     في كتاب الترحال مقابلة واسعة ما بين وجه الحضارة الغربية والشرقية, وفي هذه المقابلة يقارن عبد بين المرأة الشرقية التي لا تبوح بحبها ورغباتها كالرجل, ويا ويلها  إذا باحت.. ميراث خمسة آلاف سنة من الأغلال تلاحقها, أما سندي التي عرفها وهو في حالة نفسية مضطربة فإنها تسرد وضعها الأسري على النحو التالي: والدها منفصل عن أمها, زوجها( زكري) طلقها وعاد إلى حارة الزنوج, أخوها في الثلاثين من عمره غير محمود السيرة( هامل) , وابنها الصغير( جون) ثمرة علاقة سريعة, يلازمها ولا يمكن أن تفارقه.. بعد هذا السرد من سندي يقدم عبد نفسه بخطاب ذكوري عالي المستوى ويقوم على بوابة الفجوة الكبيرة بين حضارتين.

     بعد حديثه عن نفسه يحس عبد أن سندي جميلة وتجمع بين محاسن المرأة العذراء وعقل المرأة المجربة, ويبدو أن مقاييس الجمال عند عبد تحددت من خلال علاقته مع سندي وهي:  تكون فخمة من بعيد مليحة من قريب, وقد استقر في يقينه هذا الوعي إلى حد صار يقول عنده إذا ما أراد وصف سندي( هي مشروع امرأة مثيرة).

    إن ما يمكن ملاحظته في علاقة عبد بسندي هو الشرخ الحضاري في بنية هذه العلاقة(اللغة, الدين, مؤسسة الحلال والحرام, الحرية, الإجهاض, ختان البنات.. وأمور كثيرة ).

    خلاصة الأمر

       عرف عبد منذ فتح عينيه على الحياة نساء كثيرات؛ أولاهن أمه وجدّته وبنات الحارة والمخيم, وكان بحكم الغريزة يبحث عن( أنثاه) وهي المرأة التي يجد فيها ألوان الحب الحقيقية, وكانت تربيته الصارمة وتدينه الذي ظل ملازماً له يمنعانه من إقامة علاقات مشبوهة غير متزنة أو غير منسجمة مع ميراثه الاجتماعي الصارم, أما حين رحل إلى العراق بقصد الدراسة فإنه تخفف إلى حد كبير من أعباء هذا الميراث، فبحث عن( أنثاه), فارتبط بعلاقة حب مع سازان, وعلى الرغم من هذا الانفلات فإن المسافة بين( الرجل والمرأة) عنده ظلت تلاحقه ولم يلبث أن فارق سازان بسبب الحرب على العراق, ويذهب إلى أقصى الغرب ويقترن بسندي التي وجدها كتاباً مفتوحاً يقرأ من خلاله كل ما يريد عن الحضارة الغربية.

    هذه الرواية خطاب أدبي عالي القيمة بلغته وصوره وفنيته المتقنة ومضمونه الحضاري والسياسي والنضالي, أرادت به الأديبة رفقه دودين أن تعلن رؤيتها الفكرية من خلال لغة أدبية رفيعة حول القضية الفلسطينية وقضيه المرأة في آن واحد.

 

*من كتابي( صورة المرأة في السرد النسوي الأردني)

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *