* ممدوح فرّاج النابي
لاقت المرأة من المعاناة والتهميش ما يفوق الوصف، سواء على مستوى التاريخ الذي جار عليها رغم ما قدمته من أدوار على المستوى الاجتماعي أو السياسي، وكذلك على مستوى الأدب الرسمي وأيضا الأدب الشفاهي الذي وصلنا، فجميع الحكايات تغضّ الطرف عن الدور الإيجابي الذي لعبته المرأة على مدار تاريخها، مكتفية بتسليط الضوء على الصّورة السّلبية، والتقليل من مكانتها.
خطر صورة المرأة في الأدب العربي اليوم، يحذّر منه الباحث محمد سيد عبدالتواب، في كتابه الصادر حديثا بعنوان “صورة المرأة من منظور كتابة الطفل” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو في الأصل أطروحة الدكتوراه التي ناقشها في كلية الآداب، تحت إشراف الأستاذ الدكتور سيد البحراوي.
الكتاب جاء في مقدمة وتمهيد وخمسة فصول علاوة على ببليوغرافيا بأهم الكتابات في مجال الأطفال منذ مرحلة النشأة حتى النضج، سعى من خلالها الباحث إلى أن يكشف النقاب عن تلك الصورة التي رسمت للمرأة على مستوى كتابات الأطفال، مرتكزا على مادة قصصية من أدب الأطفال يصل عددها إلى أكثر من 200 أثر كتبت للأطفال، وبعضها كتبها الأطفال أنفسهم، مرتحلا في الزمن الذي يمتد عنده إلى التراث الفرعوني حيث كشف أن المصريين (الفراعنة) أوّل من اهتموا بهذا النوع من الكتابة، حتى ولو لم تكن بهذه الصورة المتداولة الآن، إلا أنهم حرصوا على تسجيله في برديات أو منقوشا على جدران المعابد والمقابر، وهو واضح فيما كتبه جيمس بيكي الذي ترجمه نجيب محفوظ (كقصة الفلاح الفصيح، وقصة الغريق في الجزيرة وسنوحي).
ينتهي الكاتب بعد رصده لمراحل تطوّر أدب الطفل في أوروبا إلى أن القرن العشرين يمثّل العصر الذهبي لأدب الأطفال حيث انطلق انطلاقة واسعة في جميع أنحاء العالم كما تنوعت أشكال التعبير ووسائله من كتب ومجلات وصحف وأقلام، وهو ما يُعزى إلى التقنيات الحديثة التي دخلت وبقوة في صناعة الكتب والنشر فضلا عن انتشار المكتبات العامة ومكتبات الأطفال. أما في مصر فقد مرّت الكتابة للأطفال بأربع مراحل، هي: جيل الكتابة الشعرية والقصصية التي يمثّلها أمير الشعراء أحمد شوقي ومحمد عثمان جلال، حيث القصص على لسان الحيوان والطير، أما الجيل الثاني فهو جيل الكتابة النثرية، ويعود به البعض إلى رفاعة الطهطاوي وخاصة كتابه «المرشد الأمين في تربية البنات والبنين» 1875، أما الكتابة الفعلية فتعود إلى علي فكري وكتابه «مسامرات البنات»، وغلب على هذه المرحلة الاقتباس وتبسيط الكتب، أما الجيل الثالث والذي أطلق عليه جيل الإبداع واستمرار المسيرة، فهو الجيل الذي استوعب ما بدأه الرواد، وتجاوزوه وأهمهم عبدالتواب يوسف ويعقوب الشاروني، أما الجيل الأخير فهو ينتمي إلى جيل ما بعد الحداثة ويحدد زمنيا بنهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة، ومن أشهر ممثليه أسماء علام وفاطمة المعدول، وقد تنوّعت اتجاهات هذا الجيل إلى القصص العلمية، وإن غابت موضوعات كانت رائجة عند الأجيال السابقة مثل القصص الدينية، وقصص الخرافة أيضا.
اختزال المرأة على هيئة سلعة ونمط استهلاكي
يقف الباحث كثيرا عند مفهوم الجنوسة والجندر، في محاولة لتعقب تاريخ التهميش الذي حاق بالمرأة، وهو يرى أنه ميراث موغل في القدم، فالخطاب المنتج حول المرأة في مجمله خطاب طائفي، حيث يضعها دائما في مقارنة مع الرجل/ الذكر في مقابل وضعية المرأة/ الأنثى، ويحدّد معالم الاضطهاد الذي تعرّضت له المرأة في ثلاثة أشكال لاضطهاد نوعي، وهو ما يعني تفوق الرجل وسيادته عليها، واضطهاد أبوي/ ذكوري، حيث سيطرة الرجل على الأنثى في العائلة والمجتمع والسلطة، والثالث اضطهاد قانوني، وهو منبثق عن الاضطهاد الأبوي وماثل في القوانين الوضعية، بل إن شعارات المساواة والمشاركة تأتي من قبل الرجل كإحساس بالتفوق، بل يذهب الباحث إلى تحليل كافة الأدبيات التي تناولت خطاب المرأة كالمعاجم وربط المرأة بالشيطان وأيضا وضعية المرأة في كتب التراث، وفي الأمثال التي اختزلت المرأة كقرينة للشيطان، وأيضا صورتها في الفن التشكيلي التي اختزلت في الجسد، وهو ما دفع بالمرأة إلى أن تستثمر هذا الجسد ثقافيا في الإثارة والإغواء، وفي العصر الحديث تم اختزال المرأة على هيئة سلعة ونمط استهلاكي وهو ما قزمها إلى حدّ بعيد.
وفي إطار مصطلح الجنسوية حيث توصيف النوع حسب صفات معينة، كانت وضعية المرأة تالية للرجل، فهو الذي يقوم بالأدوار المهمة، أما الأدوار الهامشية فيلصقها بها، وهو ما عبّرت عنه مع الأسف كتب الأطفال، فقد مالت إلى تعظيم دور الرجل بالادعاء أنه وحده قادر على الأعمال، ومنها أيضا تقليل أهمية المرأة داخل البيت أثناء وجوده، فأبسط صورة متعارف عليها رسمت للأطفال هي أن الولد يعمل ليكسب المال بغاية توفير نفقات العائلة، كما أن الفتيات والنساء في القصص غالبا ما يوصفن بالتبعية والسلبية أو الجلوس في البيت لتحضير دور المستقبل وهو ربة البيت، وفي العالم العربي كرّست المرأة لصورة واحدة هي العطف والحنو على أولادها، وأعمالها أيضا محدودة، فهي أسيرة الأعمال المنزلية والتقليدية.
يقتصر الفصل الأخير على التشكيلات الفنية لكتابات الأطفال، وهو ما يؤكّد على أن عناصر بناء قصص الأطفال لا تختلف فنيّا عن عناصر بنائها عند الكبار، فجاءت معظم القصص متمثّلة لهذه العناصر من عنوان وفكرة وحبكة وشخصيات وزمان ومكان، إلخ… إن هذا الكتاب وقف على ألغام في كتابات الطفل ودعا إلى تصحيح مسار الكتابة في هذا المجال.
__________
* العرب