المرأة العربية في الغرب


*إيزابيللا كاميرا

عندما يقترب يوم 8 مارس/آذار من كلّ عام، حيث الاحتفال بيوم المرأة، تصلني طلبات كثيرة من كثير من الروابط والمؤسَّسات والمدارس التي تدعوني للحديث عن المرأة العربية. وأنا- في العادة- أقبل بكلّ سرور، لأنني مقتنعة أنه من الأفضل أيضاً نشر المعارف التي اكتسبتُها طيلة عمري خارج الأوساط الأكاديمية أيضاً. 

وهكذا تلقَّيت هذا العام دعوة للحديث يوم 8 مارس/آذار في رابطة نسائية اشتهرت بالالتزام بالقضايا الاجتماعية. ولكن ما إن اقترحتُ أن يكون موضوع الندوة عن الحركة النسائية في العالم العربي حتى تلقَّيتُ السؤال الأثير: «ولكن هل توجد في العالم العربي حركة نسائية؟». وكالعادة أيضاً رحتُ أشرح لمحدثتي أن من الخطأ الظنّ بأن الحركة النسائية حكرٌ على العالم الغربي، وأنه، وخاصة في مصر، ومنذ القرن التاسع عشر، كانت هناك نساء مثل زينب فواز، ورجال مثل قاسم أمين، كَرَّسوا حياتهم كلّها لتحريرالمرأة العربية والمسلمة. ولكي أدلِّل على وجودها رحتُ أحكي لمحدِّثتي عن نساء مثل باحثة البادية، وهدى شعراوي، وتلك الأخيرة وصل بها الأمر إلى أنها زارت روما عام 1923، وشاركت في حملة داخل المؤتمر الدولي للحركة الدولية لحقّ الاقتراع، وكانت تحارب حتّى تحصل المرأة في جميع أنحاء العالم على حقّ التصويت، وهكذا عقدتُ ما يشبه الندوة مع محدِّثتي قبل أن تبدأ الندوة الحقيقية في يوم 8 مارس الشهير. 
ولكن في هذا العام حدث لي شيء مختلف أودّ أن أحكي عنه. لأنني عندما رأيتُ للمرة المئة علامات الدهشة والعجب من جانب المستمعات، فكّرتُ أن هناك شيئاً لا يسير على ما يرام في التواصل بيني وبينهم، وبين جميع من يدرسون العالم العربي والإسلامي و«بينهم»، فالغربيون يتجاهلون دائماً، بل يجهلون، كل ما يمتّ بِصِلة إلى العالم العربي. وهم يظهرون دائماً الدهشة (أو السذاجة) وهم يستمعون إلى أشياء عن عالم «بعيد وغريب»، وينسون أن العالم العربي ليس «بعيداً» في الواقع عن إيطاليا، وأنه يقع في النصف الجميل من البحر المتوسط، وأنه ليس «غرائبياً»، بل يكفي الذهاب إلى هناك ورؤيته من دون حاجب أو حجاب. ثم تحوّل الظنّ إلى تفكير أعمق. لماذا يستمرّون في الغرب في ترديد الآراء النمطية المضخّمة للفيلسوف الفرنسي أرنست رنان منذ القرن التاسع عشر؟، وتساءلت أيضاً عمّا إذا كان لا يزال من المفيد حقاً أن أضيِّع ساعتين من عمري لكي أحكي أموراً لمن لا يسمع، ولمن لن يتذكّر شيئاً لكي يتكرّر في العام التالي الشيء نفسه، وتتكرّر الأسئلة نفسها. 
إنني إذا ذكرتُ الكتب كلّها التي كتبناها وتلك التي ترجمناها، وكلّ تلك المؤتمرات التي عقدناها، والندوات التي أقمناها، في كلّ مكان، أنا ومَنْ هم مثلي، يبدو لي مشروعاً أن أتساءل عن ذلك العطب، وأين مكمن الخطأ من جانبنا، وأين مكمن الخطأ من جانب العرب عندما يستمرّون في إعطاء الانطباع بأنهم ما زالوا يعيشون في عالمٍ متخلِّف، بينما نعرف جيداً أن العالم العربي زاخر بطيفٍ كبير من الطبقات، وأن مجتمعه يتكوّن من عناصر كثيرة متباينة ومختلفة. 
وفجأة تذكّرت تجربة شاهدتها منذ وقت في التليفزيون: كانت هناك رقعة شطرنج وعليها القطع. ومن المعروف للجميع أن رقعة الشطرنج تتكوّن من مربعات بيضاء وأخرى سوداء أو داكنة. لكن اللوحة التي ظهرت على التليفزيون لم تكن في الواقع ملوّنة، بل رمادية متدرِّجة. ولكن جميع من التقى بهم التليفزيون رأوا بكلّ حسم ومن دون ظلّ من الشكّ أن الرقعة كانت ألوانها بيضاء وسوداء. أي أنهم كانوا يرون ما يريدون أن يروه، وما هم مقتنعون بأنه صحيح، ولذا فمهما كانت الألوان الأخرى للرقعة، فإنهم كانوا يواصلون رؤيتها بما كانت أذهانهم تتخيَّله، أو يعتقدون أنهم يرونه. تماماً كما يحدث في الغرب، عندما يأتي الحديث عن ذكر العالم العربي والمرأة العربية: إن الأشخاص يرون ما يوجد في رؤوسهم، وليس ما هو موجود أمام أعينهم. ولذا أتساءل مرة أخرى: «هل يصحّ أن أذهب للمرة المئة إلى هذه الندوة؟». ثم قلتُ لنفسي: إن الناس ليسوا سواسية، ومن بين العديد المصابين بعمى الألوان، سوف يكون هناك من يرى الألوان على حقيقتها.
______
*الدوحة

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *