المخيال لم يعد كافيا لكتابة الرواية وعلى الكاتب ان يلجأ لجمع المعلومات والاستعانة بتجارب الآخرين

(ثقافات)

حوار (استذكاري) مع الروائي جمال ناجي*

المخيال لم يعد كافيا لكتابة الرواية وعلى الكاتب ان يلجأ لجمع المعلومات والاستعانة بتجارب الآخرين

حاوره: يحيى القيسي

   بعد عام من التفرغ الإبداعي الذي تشرف عليه وزارة الثقافة أنجز الروائي الأردني جمال ناجي روايته الجديدة “عندما تشيخ الذئاب” وهو من الروائيين البارزين محليّاً وعربياً إذ اصدر من قبل خمس روايات هي” : الطريق الى بلحارث” 1982 ، “وقت”  1984، “مخلفات الزوابع الأخيرة” 1988، “الحياة على ذمّة الموت” 1993، “ليلة الريش” 2004 و ثلاث مجموعات قصصية هي : “رجل خالي الذهن” 1989، “رجل بلا تفاصيل” 1994، “ما جرى يوم الخميس 2006″، كما أنّه نشط في مجال العمل النقابي الثقافي إذ ترأس الهيئة الإدارية للرابطة أكثر من مرّة، وشارك في العديد من المهرجانات الثقافية والملتقيات والندوات، كما تناولت العديد من الكتب النقدية والدراسات تجربته الإبداعية، ويمكن لقارىء أعماله أن يجد فيها شخصيات خصبة من واقع الحياة، وتتحرك بتوهج ضمن منظومة جريئة من التمرد، ولغة رشيقة وشائقة.

حول روايته الجديدة وانشغالاته الأخرى كان هذا الحوار:

  • حدثنا عن روايتك الجديدة (عندما تشيخ الذئاب) من ناحية مضامينها الغنية وجرأة الطرح فيها؟

 تتكون الرواية من خمسين فصلاً قصيراً تسرد خلالها كلّ شخصية حكايتها بلغتها الخاصة، وتكشف الجوانب التحتية لمجتمع المدينة الذي يتستّر على كثير من التجاوزات والممارسات السياسيّة والدينيّة والجنسيّة والاجتماعيّة الخاطئة، فيما يحرص على المبالغة في إبراز الجوانب المشرقة له، بهدف إخفاء ما هو مسكوت عنه في منظومة القيم التي تنهار تباعاً بحكم الإحباطات والتحولات وما يكتنفها من مفارقات وأسرار تقف وراء الكثير من الإختلالات التي تطال عمق الحياة في المدينة.

يشكّل أحد الأحياء الفقيرة في عمّان منطلقاً لشخصيات الرواية إلى عالم المنافع والنفوذ، بعد أن يشهد الكثير من الأحداث الطاردة التي تضطر الشخوص إلى البحث عن بدائل تؤدّي إلى تغيير مسارات حياتها وسواها ضمن حزمة من القيم المتهتّكة القائمة على استثمار الدين لغايات شخصية، كذلك فعل الجسد مُمثّلاً في شخصية إمرأة شهوانية تتحول إلى عاشقة لإبن زوجها، فيما يسطع نجم شخصية أخرى وترتقي لتتبوأ منصباً سياديّاً مُهمّاً في الدولة، بمساعدة زوجته والشيخ الباطني الذي تئن أعماقه تحت وطأة الرغبة في تحقيق مزيد من النفوذ السياسي والاجتماعي.

غالبية شخصيات الرواية انتقلت من هوامش المجتمع إلى مراكزه بوسائل ملتوية وغريبة، لكنها وجدت نفسها مندفعة نحو صراعات فيما بينها، وهي الصراعات التي فرضت نفسها بحكم تباين المصالح ودعاوى احتكار الحقيقة .

ففي حين ترى إحدى الشخصيات اليسارية أنّ كلّ ما يحتاجه المرء كي يصبح رجل دين هو: لحية طويلة لغايات تحديد الهوية العقائدية، مسواك، سبحة طويلة، عمامة قد لا تكون لازمة، دشداشة أو عباءة تتلملم الهيبة في ثنياتها، مواعظ يحفظها الطلبة عادة، ونوع من الطّيب الذي يُسبب الصداع، فإنّ رجل الدين يرى أن لا شيء يلزم المرء كي يكون يسارياً الا التمسّك بالانتهازية، وشرب المنكر .

في تقديري أنّ هذه الرواية تجاوزت مثلث التابوات التقليدية، السياسة والدين والجنس، بسبب من بنيتها وطبيعة أحداثها وشخوصها التي لا يمكن التعبير عنها بلغة خجولة أو متحفظة.

  • روايتيك ( الطريق إلى بلحارث ) و (وقت) استخدمت ضمير المتكلم بما يمكن أن يوصف بالأوتوفكشن، وفي روايات (الحياة على ذمة الموت، مخلفات الزوابع، ليلة الريش) مزجت بين التقنيات الوصفية وبين تقنية التداعي و( الفلاش باك )،  ما هي التقنيات الفنية التي استخدمتها في كتابة روايتك الجديدة ؟

 التقنية التي استخدمتها هي تعدّد الأصوات، بحيث تتحدّث كلُّ شخصية عن نفسها وعن سواها لتجد بأنّها موجودة في مرايا الشخصيات الأخرى، ومتمركزة أيضاً في مرآة الشخصية الغامضة الرئيسة التي حملت اسم عزمي الوجيه.

لقد وجدت في تقنية تعدّد الأصوات وسيلةً مُثلى للتعبير عن الأحداث والشخوص في هذه الرواية على وجه التحديد، لذا فقد تمَّ تبادل الأدوار بين الشخصيات على مدى فصول الرواية، وقد لاحظت أنَّ الشخصيات كانت تتنازع على احتلال أكبر مساحة ممكنة من الصفحات كي تعبّر عن نفسها، وكنت أرقب هذه النزاعات، وأحياناً أضطر إلى انتهار بعض الذئاب التي تحاول الإستيلاء على حصص غيرها، لكن الشخصيات تمردت واختطّت طريقها بمنأى عن هندساتي وخططي ونواياي، وأنا سعيد بذلك.

  • في هذا الاتجاه هل تعتقد أنّ على الروائي أن يشتغل في الجانب البحثي أيضاً، لا أن يعتمد فقط على خبراته الحياتية المحدودة وخياله؟

 كتبتُ ذات مرة عن انتهاء صلاحية الخيال واعتبرت بأنّ الواقع الحالي أكثر غرابة من الخيال، وأنَّ المخيال الإنساني بحاجة إلى ما يمكننا تسميته ب إعادة التأهيل كي يتمكن من الحفاظ على مواقعه التي دكَّها الواقع. لننظر إلى ما حدث في أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر، كان خارقاً للخيال من حيث الفعل والفاعل والنتائج، كذلك الإنهيارات الإقتصادية الحالية، وترحيب الشعوب بمحتليها، كلُّ هذا لم يكن مُدرجاً على قائمة المخيال الإنساني. ما أقصده هنا أنّ هذا المخيال لم يعد كافياً لكتابة الرواية، وهو ما ينطبق أيضاً على خبرات الكاتب التي يُعتد بها، لكنها ليست كافية أيضاً، ولا بدَّ من الإستعانة بعناصر أخرى تُسهم في تغذية المخيال وتخصيبه وتعميق التجربة، كجمع المعلومات، والإستعانة بتجارب الآخرين، والمعاينة المكانية، والمُعايشة، وغير ذلك من العناصر التي تتضافر كي تنتج الرواية. هنا لا بدَّ من الإشارة إلى أن توظيف هذه المعلومات لا يتم بطريقة استعراضية أو مباشرة في الرواية، إنّما بذكاء وقدرة على المزج الفني بين الحدث والشخصية والمعلومة، وهذا ليس جديداً بالمناسبة، فـ (الجريمة والعقاب) لم تكن مجرد سرحات وظف ديستويفسكي فيها مخياله وتجاربه، إنّما هي أيضاً، نتاج دراسة معمقة لطبيعة النفس البشرية، كما أنّ تولستوي إحتاج إلى عشر سنوات من البحث كي يكتب روايته (الحرب والسلام ). المخيال ضروري للرواية، لكن الإعتماد عليه بشكل أساسي قد يكون نافعاً للشعر أكثر من الرواية.

  • هل تعتقد أن روايتك الجديدة تجاوزت رواياتك السابقة من ناحية التقنيات السرديّة واللغة والأسلوب…. وأيَّة خصوصية تمت في هذا الاتجاه؟

 لكلّ رواية خصوصيتها ومنزلتها، لكنّني أشعر بأنَّ  رواية (عندما تشيخ الذئاب) مختلفة ومتقدّمة عما كتبت، وتتضمَّن تقنيات وعناصر جديدة لم يسبق أن استخدمتها في أعمالي السابقة، وبالطبع فإنَّ ما دعاني إلى توظيف هذه التقنيات هو طبيعة الموضوع الذي تتناوله الرواية، والزمن النفسي والتاريخي والروائي لشخوصها، فهي تتحدّث عن الحياة بعد انهيار المعسكر الإشتراكي، وتنامي نفوذ التيارات الدينية وانحسار اليسار وتقلّص هوامش الحريات الإجتماعية في الوطن العربي، كما تحاور الجِنس باعتباره واحداً من المُثيرات النفسيّة عدا الجسديّة، وهذا ما أدى إلى التعمّق في هذا الجانب، كما أنّ غالبية الأحداث تتم في الألفية الجديدة التي تمثل ذروة التغير والمغايرة عما سبقها من العقود أو العصور، إضافة إلى أنّ شروط الكتابة في السبعينات أو الثمانينات مختلفة عن شروط الكتابة في الزمن الجديد .

  • بالمناسبة كيف حدث أن أجبرت نفسك على انتاج رواية في خلال عام من التفرّغ  وهل يمكن للروائي أن يكتب عملا تحت وطأة من ينتظره؟

 كانت فترة التفرّغ الإبداعي التي كتبت الرواية خلالها، تجربة جديدة علي، إذ لم يسبق لي أن وافقت على محاصرة نفسي بسلاسل الوقت أو الزمن، لكنّني – أثناء فترة التفرغ – قمت بالإحتيال على مزاجي وطباعي، ووضعت لنفسي برنامجاً للكتابة، كي أتمكن من إتمام الرواية خلال عام واحدٍ حسب مقتضيات نظام التفرغ الإبداعي.

قبل هذه التجربة كنت أقول وأصرّح، بأنّ الروائي لا يستطيع القبول بحصار الوقت أثناء الكتابة، لكن تبيّن لي، أن الإنسان يمتلك قدرات عجيبة على التكيّف الذهني والنفسي والأدائي إذا هو أراد، كما تذكرت بأنّ ديستويفسكي كان يُبرم عقوده لكتابة بعض رواياته خلال فترة زمنية محددة كلما نفدت النقود من جيبه، وكان يلتزم بها، كتاب آخرون، منهم همنجواي وريمارك وغوركي وألبرتومورافيا، وقّعوا عقوداً مع الصُحف لكتابة ونشر روايات مُسلسلة خلال فترات زمنية محددة، وأنجزوا بهذه الطريقة أهم أعمالهم.

كيف أرغمت نفسي على إتمام الرواية خلال عام واحد ؟ حقا لا أدري ، لكن هذا ما حدث.

  • ماذا عن الرواية التي سبقتها أقصد (ليلة الريش) فمن الواضح أنّها لم تلق الكثير من الاهتمام النقدي فهل يرجع السبب لمستواها الفني أو لظلم النّقاد وقلة القرآء؟

 أكاد أقول بأنّ رواية ليلة الريش قد ظُلمت أكثر مما ينبغي، وثمة أسباب لذلك، فهي تتحدث عن عالم المال والإقتصاد الذي لم تتناوله الرواية العربية إلا فيما ندر، وهو عالم مختلف عن ذاك المتداول في الروايات التي تتخذ من الريف أو الصحارى أو مجتمعات الحواري والمدن أماكن لأحداثها، بمعنى أنّ ذائقة القارىء العربي لم تعتد بعد، التعامل مع النصوص الروائية ذات المحتوى الجديد الذي لا يرتكز إلى الغنائية أو العواطف والحب والحرب بقدر ما يحاور المستجدات والمتغيرات  التي يعيشها عالمنا .

مشكلة (ليلة الريش) أنها تحتاج إلى قارىء من نوعٍ خاصّ في الوقت الحاضر على الأقل ، وإلى ناقد قادر على استيعاب معادلات ولغة الإقتصاد والمال التي تمّ اقتيادها بصعوبة إلى ساحة الأدب، وحسب اطلاعي فإنّ غالبية النقاد العرب يؤثرون الخوض في قضايا اللغة وتقنيات السرد والمضامين المعتادة، ويبتعدون عن كل ما يتطلب انشغالاً أو اشتغالاً معرفيّاً يؤهلهم للخوض في المضامين الجديدة كالإقتصاد والمال والتكنولوجيا وغير ذلك مما يحتاج إلى ثقافة جديدة مضافة .

ما أريد الوصول إليه هو أنّ سؤالك يُعري الكثير من المفاهيم والممارسات النقدية ، بمعنى آخر، لا بدّ لنا من أن ننقد النقد مع الإعتذار لتودروف، فأنا لا أتوقع الآن من ناقد لا يعرف غير اللغة ونظريات النقد أن يستوعب المدلولات العميقة لحركة الأسهم مثلا، أو للإنهيارات المالية، أو لبزنس التكنولوجيا، إذا لم يمتلك ثقافة ومعرفة تؤهله لإدراك الأوزان القارّة لمثل هذه القضايا، وللخوض في أبعادها وتحليل نتائجها الفردية والجمعية، باختصار، لم يعد إتقان اللغة وفهم النظريات الأدبية كافياً لإطلاق صفة (ناقد) على من يكتب النقد، فثمة متطلبات وشروط أخرى لا بد من تحققها في الناقد الذي يريد أن يكون معاصرا، من هنا أستطيع أن أفهم لماذا لم تجد رواية تتحرك شخصياتها وتتنفس في الأوساط الاقتصادية والمالية ما يكفي من الإهتمام النقدي، هذه هي مشكلة رواية (ليلة الريش) مع النقاد.

  • يمكن في هذا السياق المرور على تجربتك القصصيّة فثمّة من يرى بأن القصة القصيرة تراجعت أو تكاد تندثر لصالح الرواية فهل أنت مع هذا الطرح؟

 التأمل والإجتهاد لا يكفيان لإصدار حكم باندثار نوع أدبي لم يستكمل شوطه بعد ، كما أنّ نتائج التأمّل وقراءة المستقبل لا تعني أنّ ما يتم التوصل اليه هو الحقيقة القادمة التي لا فكاك منها، فكثيراً ما قرىء المستقبل بطرق مغلوطة، وكثيرا ما تم استخلاص نتائج تنافت مع ما أفرزته الوقائع لاحقا.

لقد ذهب بعض النقاد إلى ما هو أبعد مما سبق، فقد اقترحوا حلاً استباقيا لمشكلة زوال القصة القصيرة عن طريق إلحاقها بالرواية ضمن صيغ لغوية حدثية، على اعتبار أنّ هذا هو أكثر ما يمكن تقديمه لإنقاذ القصة القصيرة من مأزقها الراهن!! وكأنّ هذه القصّة تستغيث وتستنجد بالباحثين والنقاد كي يُسعفوها بعد أن وصلت إلى طريق مسدود ! أو كأنما هي وكتابها وقراؤها سيرتضون مثل هذا الحل لمشكلة غير قائمة في واقع الأمر.

هذا ليس تقليلاً من شأن وجهات النظر التي توقع أصحابها نهاية مأساوية للقصة القصيرة، إنّما هو اختلاف كبير معهم حول قضية لا يجوز تمريرها من دون مناقشة ، فنحن نتحدث عن نوع  فني  شاب وواعد، لا عن نوع أدركته الكهولة أو أصابته آفة قاتلة أو خرف مبكر، أما أن نعمل على تأبين القصة القصيرة واعتبارها (زهرة تذبل) بعد أن أصبحت جاهزة للعطاء، فهذا يُعدُّ اعتسافاً للأحكام وتسرعاً في إطلاقها.

لقد ذكر بعض النقاد الذين أحترمهم أنّ القصة استنفدت أغراضها، لكن أحداً لم يقل لنا كيف حدث هذا الإستنفاد؟ ولماذا؟ كما لم نسمع أو نقرأ ما يعاضد هذا الرأي بشكل عملي اوعلمي.

لا أتهم النقاد الذين تبنوا وجهة النظر هذه بالتآمر على القصة القصيرة أو استهدافها ، ولا أقلل من جهودهم التي بذلوها قبل أن يتوصلوا إلى هذه النتيجة، لكنني أجد في ما توصلوا إليه نوعاً من التطرف الذي يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر ومزيد من التروي .

  • أخيرا ماذا عن تجربتك في العمل النقابي الثقافي رئيساً لرابطة الكتاب الأردنيينوفي هيئتها الإدارية..كيف وجدت الكُتّاب وما هي آفاتهم وكيف يمكن انجاز عمل ثقافي نقابي نظيف لصالح الإبداع والمبدعين لا الادعاء والمدعين؟

 التعميم قد يكون متعسفا، فثمة كُتاب لا يستطيع المرء إلا احترامهم هم وتجاربهم الإبداعية، وربما كانوا هم المبرر الوحيد الذي يدعو الكاتب إلى خوض غمار تجربة من نوع رئاسة رابطة الكتاب الأردنيين، فالعمل الثقافي والنقابي يحتاج وقتا وتفرغاً، وهذا ما أدّى إلى تأخر صدور روايتي (ليلة الريش) التي كان يفترض أن تنجز في العام 2001 ، لكنّني لست نادماً على شيء، وأعتقد بأنّني وفريق الهيئة الادارية قدمنا ما في وسعنا، وحققنا الكثير من المطالب النقابية للأعضاء، وقمنا بتحديث وسائل تقديم الثقافة .

لست هنا بصدد تعداد ما قمنا به في تلك الفترة ، لكنّني أشدد على ضرورة الإهتمام بالجوانب النقابية للكتاب، فالروابط والإتحادات لا تصنع كُتّاباً ومبدعين، إنّما هي تقوم على خدمتهم وتمثيلهم وحمايتهم هم ونتاجاتهم الإبداعية والفكرية .

لكن هذه نصف الحقيقة، النصف الآخر يكمن في مُركّب الكتاب وتكوينهم، فلكلّ عالمه المختلف عن الآخر، ولكلّ مزاجه ومتطلباته، وبطبيعة الحال فإنّ آفة الإختيال موجودة عند من لا يتقنون فنون الكتابة، أولئك الذين يريدون كلّ شيء من دون أن يقدموا شيئاً، حتى على مستوى تحسين أدائهم الثقافي أو الإبداعي. لم أجد أيّ مشكلة مع الكتاب الحقيقيين خلال فترة رئاستي للرابطة، المشكلة كانت مع من يريدون احتلال مقاعد المبدعين من دون أن يكونوا قادرين على ملئها ! وقد لاحظت، خلال مشاركاتي في المؤتمرات والندوات واللقاءات التي عقدتها اتحادات الكتاب العرب، انّ هذه المشكلة قائمة أيضاً في غالبية هذه الاتحادات، وربّما يعود سببها إلى النظم الداخلية للاتحادات والروابط التي تسمح بالقبول السهل للأعضاء، في إطار شروط بسيطة تسمح أيضا بتحشيد الأعضاء الجدد لغايات انتخابية أو شخصية بحتة .

هنالك كتاب شباب يستحقون العضوية بجدارة، ولكن هنالك من لا يجوز اعتبارهم كتابا ومع ذلك يصبحون أعضاء ويزاحمون أهم كتاب الرابطة ولا يقيمون وزناً لتجارب الاخرين وابداعاتهم، وبطبيعة الحال فقد لعب السياسيون لعبتهم على مدار عقود، وتمكنوا من إدخال عدد كبير من أعضاء أحزابهم ومناصريهم إلى الرابطة على مدى أربعة وثلاثين عاما. حدث هذا ولكنه لا يقلل من أهمية الرابطة التي تضم – برغم ما تقدم – أهم الكتاب الأردنيين، وتمثل الجسم الثقافي الأكبر الذي يمثل أولئك الكتاب .

 * نشر في القدس العربي – لندن 2008

( جمال ناجي: روائي أردني من أصل فلسطيني 1954 – 2018)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *