(ثقافات)
إعادة تموضع” قصة طويلة
نزار حسين راشد
الطقس صيفي واللعب ممتع تحت أشجار النخيل المنتظمة في باحة القصر كصفوف الجنود،يلتمسان ملاذاً بعيداً عن الأعين،إذا حدث وأطل أحد ما من أحد الشرفات المطلة على الحديقة،،كبرا على مهل،وتفتحت عيونهما على العالم وتعاهدا على حُب كبير ،هند وسيف،ولكن وبرحيل آخر صيف نضجا تحت حرارته،دبّت الخلافات بين طرفي العائلة،وأذكت أوارها المكائد والدسائس و تعكّر الود ونشبت الخلافات وفشا الحقد في القلوب وبدأت النكايات والمكائد والدسائس،كما يحدث بين أجنحة العائلات ،حين تندلع الخصومة،
تحولت حياتهما إلى جحيم وحين جأرت هند بالشكوى لم يصغ أحد إلى شكواها،وأعاروها أذناً صمّاء،لا بل إن والدها قال لها بصراحة:
– عيشي حياتك،مالك وماله،انسيه.
الأمر الذي صدمها أشد الصدمة!
– وماذا عن حياتي يا أبي؟
– ما بها حياتك؟ الحياة مفتوحة أمامك ،والمال تحت تصرفك، سافري حيث شئت، سيحي في كل مدن أوروبا أو أمريكا،وشاهدي العالم.
وفي ظل الحدود الصارمة والقيود الحديدية،لم يكن ممكناً أن تلتقي بسيف حتى خارج الوطن وإبان رحلاتها السياحية،فهي دائماً محروسة بالرفقة والعين التي لا تغمض مسلطة عليها دائماً.
أصيبت بالاكتئاب وتفاقمت حالتها وآل بها الأمر،إلى إدمان الحبوب والمهدئات،وفي النهاية شعرت في داخلها بفراغ كبير،وفي يوم خريفي وهي تطل من شرفة جناحها على ملعب صباها هي وسيف،ألحت عليها الفكرة،لم تبد لها فكرة سيئة، بل مغامرة ربما ستنقلها إلى عالم أفضل وهكذا استأذنت والدها وهي تتظاهر بالمرح بأن تذهب في رحلة سياحية إلى تركيا،ورحب والدها بالفكرة طبعاً فرحاً بهذا التغير الطاريء على مزاج ابنته التي أذبلتها الوحدة والعزلة حتى غدت كورقة خريف صفراء مرتجفة ومهددة بالسقوط،ولكنها كانت عاقدة النية على أمرٍ مختلف تماماً،وما إن وصلت إلى استانبول حتى تعرفت إلى أحد اللاجئين السوريين،أغرته بالمال،السلاح الوحيد المتبقي في يدها،وطلبت إليه أن يأخذها إلى أحد مهربي اللاجئين،وأخفت أوراقها الثبوتية،وكانت الفكرة أن لا تتبع العائلة خط سيرها،لو سافرت بأوراقها النظامية،وفي أحد الصباحات الرائقة انتهزت استغراقهم جميعاً في النوم مطمئنين تماماً إلى التغير الإيجابي الذي طرأ على تصرفاتها وسلوكها وبأنها لن تقدم على عملٍ طائش بهذا المزاج الحسن،تلك الرفقة المتيقظة مفتوحة العيون دائماً الذين يرسلهم أبوها بصحبتها، غفلت عيونها اخيراً مهدية إياها فرصتها الذهبية،وهكذا انسلت بخفة إلى المرفأ.
كان جميع من في المركب صامتين واجمين،متحسبين من المصير الذي سيلاقيهم،باستثنائها هي التي تنفست هواء الحرية لأول مرة بعد الحجر عليها،فظلت تبتسم طوال الرحلة متغافلة عن الخطر المحدق، وتداعب الأطفال وتمازحهم أمام دهشة واستغراب الجميع،وحين حط المركب بأمان بجميع من فيه، على شواطيء اليونان ولسبب غامض اعتقد الجميع أن بركة هذه الضيفة الغريبة الأطوار حلت عليهم وأن روحها المتفائلة المرحة تسربت إلى البحر والقارب وأوصلتهم إلى بر الأمان.
وحتى رحلة العبور الشاقة عبر الغابات البولونية واختراق السياج مرّا بدورهما بأمان ودون أن يعترضهم البوليس البولندي،مما رسخ الإعتقاد لدى جمهور المهاجرين أنها إنسانة مبروكة،وحين حطوا في ألمانيا لبوا طلبها الصغير مرحبين أن يعرفوا على شخصها لدى البوليس الألماني بصفتها ابنة أحد العائلات المهاجرة وسجلت باسم جديد وبطاقة جديدة،وحين صرفت لها الحكومة الألمانية أوراقها الجديدة،بعدعدة أشهر،اشترت هاتفاً جديداً بدل هاتفها القديم الذي تركته في غرفة الفندق،و بدأت بضرب أرقام تلفون سيف الذي حفرته في ذاكرتها منذ خريف الفراق،والذي كانت تعرف أنه احتفظ به على أمل ان تكلمه يوماً.
حين احتوتهما الغرفة الدافئة،المدفّأة بالمشعات الحرارية التي منحتها لها الحكومة الألمانية في أعماق ريفها البارد،في ذلك الشتاء،كان أول ما نطق به سيف:
– يا مجنونة! هل جئت بالفعل على متن قارب للاجئين.
استغرقت هند في الضحك بشكل هستيري،لتتوقف فجأة وتلقي بنفسها بأحضانه وتلتصق به بكل ما أوتيت من قوة،وحين استردت تماسكها،نزعت نفسها من أحضانه،نأت قليلاً وهتفت نافثة أنفاس قلقها المزمن،ليهبط على صدرها شعورٌ بالارتياح، وتهتف أخيراً :
-وهكذا وصلنا إلى النهاية يا عزيزي،هذا هو فصل الختام،النهاية السعيدة!
ويراوح سيف رأسه معترضا،وملامحه تنطق بالمحبة والعطف على هذه المخلوقة التي غامرت بحياتها لأجله:
– إنها البداية يا حبيبتي،هذا أول سطر في الملحمة.
وترد مؤكدة بحدة على ما قصدته:
– المهم أن نبقى معاً يا عزيزي،هذا هو المهم!
– غداً،لا بل غداً صباحاً سنذهب إلى الكنيسة لنوثق أولى الخطوات،سنعقد قراننا إذا لم يكن لديك مانع!
وتجأر في وجهه بنبرة استنكار مطعّم بالدهشة
– ولماذا الكنيسة؟سنذهب إلى أقرب بلدة حيث يوجد مسجد،أو إلى دار البلدية.
ويردّ ببرود مصطنع:
– أليس اسمك الجديد كاثي؟!تحايلت على المفوضية والحكومة،أكملي مسرحيتك إذن!
وتهش براحة يدها طاردة فكرته، لتلهج بنبرة مسترخية،أرعبتني يا حبيبي،إنها طريقتك دائماً كأنك تستمتع بإرعابي،هل تذكر حين كنت تمسك بي من الخلف وتتظاهر أنك تريد إلقائي من الشرفة،وأتشبث أنا بالأرض،وألقي بنفسي على أرض الشرفة،ولكني كنت أحس بقوة قبضتيك الممسكتان بخلفيةفستاني،وأقول في نفسي،هذا الولد لن يفلتني أبدا،إنه يحبني حباً شديدا!وأنا أحس بذلك بكل كياني إحساساً لا يمكن أن يخطيء،فحرارة راحتيك تسري في كل جسدي، وعلى أية حال فلم يكن تحايلاً كما تتهمني،أردت ان أشعر بالأمان فقط،ومزيداً من الأمان بقدر ما أستطيع!
ثم تستدرك على عجل وتتوقف لتعدّ كلماتها على مهل،كلمة كلمة،وكأنها تريد أن ترسّخها في ذهنه جيّداً:
لأجلك لا مانع لدي أن أتحايل على العالم!
على طاولة الغداء الصغيرة دار حديث الذكريات متراوحاً بين الأسى والشجن والعتاب،و تلقي هند إليه بحبل الكلام برنة عتاب تتخلل صوتها:
– لم تحاول أمي أن تقف إلى جانبي،ولم تعترض على قرارات والدي،سلمته راية القيادة وانتحت جانباً،لم تواسني حتى بكلمة.
ويرد سيف بهدوء المسلم بالواقع:
-هذا هو وضع النساء في بيئتنا يا عزيزتي،وحتى الحب ليس له تلك القداسة،يعدونه طيش شباب ومرحلة سيتم تجاوزها. إننا نعيش خارج الزمن يا حبيبتي في قلعة التقاليد التي تقبع بين جدرانها النساء،بينما يمارس الرجال نزواتهم خارج أسوارها كما يحلو لهم،ثم يعودون راضين مشبعين إلى هذا العش الآمن!
وتهز هند راسها مؤمّنة على ما يقول:
– نعم! هذا هو الواقع يا عزيزي!
ويستأنف سيف حديثه:
– هناك حكايات كثيرة مطوية بين جدران القصور،أو مدفونة تحت بلاطه،نحن لسنا أول المتمردين أو الخارجين على القانون،ولكن كل يفعل ذلك على طريقته!
تحتضن يده بيدها عبر الطاولة الصغيرة وتربت عليها باليد الأخرى وتتعانق عيونهما بوله لانهائي!
كاتب العدل في البلدية الذي سيعقد قرانهما كان ودياً جداً ولم يكُفّ عن الابتسام،خلافاً للفكرة السائدة عن الألمان،ورطن شيئاً بالألمانية ترجمه المترجم: جميل هذا الزواج العابر للأديان،نظرا في عيون بعضهما وابتسما.
ذرعا سوق البلدة جيئة وذهاباً وهند تتسوق أغراض
الإحتفال،حيث قررت أن يقيما احتفالهما في المنزل ذي الحجرة الواحدة الأمر الذي أضحك سيف وعلّق :هل تسمين هذه الحجرة الصغيرة منزلاً؟
توقفت فجأة، كأنما تدوس بخطواتها على المكابح، شدّت يده، ورفعت إليه عينين موبختين:
– عشّ الحب بسعة العالم،أليس أوسع من سجن القصور التي عشنا فيها؟
– لا تظلمي القصر! لقد ولد حٌبُّنا هناك في رحابه وبين جدرانه،وبسق كالشجر بين أشجار حديقته،هل نسيت كم مرحنا ورتعنا وتسابقنا في أحضانه،أنت بالذات كنت تعشقين التمرّغ على العشب،وتتدحرجين على ذلك المرج الاصطناعي الذي ينحدر كَتلّةٍ صغيرة.
وتندّ عنها آهة:
– كل تلك التفاصيل تحفظها في ذاكرتك!
-لأنكِ بطلتها!
عندما نحب البطلة نحب الفيلم!
– هل سبق أن وقعتَ في حُب بطلة فيلم؟
-نعم! مارلين مونرو!
تلقي بالشوكة والسكين من يديها في نزق،وتنظر إليه بعينين متوعدتين!
يستمهلها وهو يضم أطراف أصابعه على شكل كوز:
– إسمعي بقية الحكاية! ليس مارلين مونرو الممثلة!
– والله! مارلين مونرو مين؟ جارتنا؟
ندت عنه ضحكة:
– مارلين مونرو الحقيقية! حياتها كانت مأساة حقيقية! ولم يفهمها أحد! لم يروها إلا من الخارج،عشقوا جمالها فقط! وهي استسلمت للدور،واندمجت في عالم الأضواء والمال والشهرة،كل ذلك لتنفق على علاج أمها المريضة!
وبنبرة ساخرة ترشقه بالسؤال:
– وأنت الحنون الذي فهمتها!
ويجيبها بوقار:
– لا ليس أنا! صحفي حاذق كانت تبوح له بمواجعها! أحبها حباً حقيقياً ولكنها لم تستطع أن تبادله الحب! عطفت عليه فقط ! وكشفت له سريرتها.هذه القصة لها أبعاد تنبّه إليها منتج الفلم عنها.ولكنه خصص لها مساحة صغيرة فقط لأن منتجي الأفلام هم صيادو مال،والفلم الغنائي المرح يجذب الجماهير أكثر بكثير من الفلم المأساوي! هل شاهدت فلم ابي فوق الشجرة؟مأساة الأب والابن كان لها حجم صغير! والباقي أغاني وقبلات هي التي جذبت الجمهور والعوائد طبعاً.
إنه شباك التذاكر ما يهمهم في النهاية وهذا هو شعار المنتجين!
سهمت هند قليلاً وأومات نحوه بابتسامة إعجاب،وما تبع بعد ذلك كان لقاء حميمياً جداً.
يتلقاها الجميع هنا بابتسامة فهي كاثي التي تنفق بسخاء فرصيدها الذي أودعه والدها في حسابها كرشوة لا يزال تحت تصرفها ولأنه باسمها هي شخصياً فلا يستطيع أحد أن يقترب منه،إضافة لبعض الكلمات الالمانية التي التقطتها من مربية ألمانية قديمة.
تحاول تذكير سيف:
– هل تتذكر تلك المربية الألمانية القديمة،كانت مصرة على تعليمي أسماء الأشياء بالألمانية وأن أنطقها بشكل صحيح،من كان يصدق أني سأحتاج إليها في يوم من الأيام،هل تصدق؟ اللغة هي سر التواصل لا بل سحر التواصل،ما إن أنطق اسم شيء بالألمانية حتى يهش لي الجميع ويبشون،لا بل تتهلل وجوههم كأني قدمت لهم هدية ثمينة.
اتفقا على أن يبقى سيف معها حتى تحصل على الإقامة الدائمة وعندها يمكنها أن تتجول معه في دول الشنغن،ومن ناحيته فجواز سفره البريطاني يؤهله للتجول والإقامة في الشنغن كما يشاء.
وحيث أنه لم يأت البوليس ليطرق بابها ولم تظهر صورها في أي من الصحف أو وسائل التواصل،أدركت أن أهلها يحرصون على تجنب الفضيحة وربما جنّدوا وسائلهم للبحث عنها دون ضجة وبسرية تامة،ولكنها لم تكن لتكترث،فمن يخطر له أن يبحث عن كاثي،وطبعاً سيحاولون تتبع سيف،وسيطمئنون تماماً،حين يعلمون أنه تزوّج بلاجئة سورية مسيحية اسمها كاثي.
وما سيساهم في تضليلهم أكثر أنها تسحب النقود باسمها الأصلي حيث لاتزال الوثائق بحوزتها.وحتى لو انتبه البوليس لذلك فحجتها جاهزة أنها خائفة على حياتها من أهلها الذين لا حل عندهم إلا القتل وإلا فما الذي يضطرها للمغامرة بحياتها على متن قارب للاجئين! وبرافو هند وبرافو كاثي
قُرع جرس الباب، وتساءل سيف:- من يمكن أن يأتي لزيارتك على غير موعد.
وأجابت هند بتشكك:
لعله أحد من الجيران!
هُرع سيف لفتح الباب،ليفاجأ بقامة والدها الضخمة تملأ فراغ الباب،وكأنه لوحة جامدة داخل الإطار الخشبي بملامحه الصارمة ورأسه االكبيرة وصدره العريض،لم يتمالك سيف نفسه من الضحك على مفارقات الموقف التي أحدثها هذا الظهور المفاجيء، واقتحامه لعشهما الذي ظنّا أنه أصبح آمناً كل الأمان،بمنأى عن أي ريحٍ تعصف به،وبعد برهة صمت لا يدري كم طالت دعاه إلى الدخول متصنعاً طقوس احترام لفّقها كيفما اتفق:
– تفضل يا عمي.
وهبّت هند من مقعدها وتعثرت وهي تسارع لتلقي نفسها في حضن والدها،الذي تلقفها برفق وربت على كتفها وقال أخيراً بنبرة متلطفة: هل يمكن ان أجلس.
ضحك الإثنان وتبادلا النظرات وهما يشيران له نحو المقعد الكبير،وعلّق بنبرة ساخرة:
– صدر البيت! كأننا في بلدنا! المظاهر لا تتغير! أما الضمائر فشيء آخر.
فطنت هند إلى تلميحه وتلجلجت وهي تجيب بصيغ تبريرية،إلا انه هدّأها بإشارة من يده على عجل،وتهدّج صوته وهو يشرح لهما ما يدور بخلده وما آلت إليه الأمور بعد اختفاء هند،واستهلّ حديثه بالقول، ربما ليشيع جواً من الثقة،ويفصح عن حسن نيته تجاههما:
– الكل تنافَخَ شرفاً ولكتي تصدّيت لهم على الفور:
– وفّروا بطولاتكم! إنها ابنتي وحدي! وأنا وحدي من سيتولى أمرها.
كادت عينا سيف تقفزان من محجريهما دهشة،أنّى لرجل من هذه الطبقة أن يستشهد بشعر لمظفر النواب،ولكن يبدو أنه هناك دائماً وجه آخر،وأن الحياة مجرّد أدوار نلعبها وتمثيليات نمثلها لا أكثر والكل يحاول فقط أن يتقن دوره،مظاهر ولا شيء أكثر،ولكنه كظم أفكاره وأصاخ بانتباه إلى بقية حديث الرجل العجوز والذي لم يكف عن إدهاشه،استطرد العجوز ليقول:- تظنون أن الغرب منحكما الحرية التي صادرناها نحن المتخلفون،والحقيقة أن الغرب لم يمنحكم شيئاً،إنه فقط لا يكترث لما تفعلانه بحياتكما،بعكسنا نحن الذين نبقيكم تحت نظراتنا الراعية من باب الحرص والمحبة أيضاً ولكن للتقاليد وجهها الآخر الغاشم أيضاً،فحياة الفرد مرهونة برضا العائلة كلها وفي هذا شيء من التغول! التغول! يفكر سيف من أين ياتي عمي بهذه الألفاظ،يبدو أن في قاموسه مصطلحات كثيرة لا نعرف بوجودها!
واندفعت هند مقاطعة بنزق:
– ولكن كيف عرفتم مكاننا يا أبي؟
– لم يعد في العالم مخابيء سرية يا حبيبتي تحت ذبذبات التكنولوجيا الكاشفة! أليس كذلك يا كاثي!
ينطلق الجمبع مقهقهين بنَفَس واحد،ويسود صمت متوجس:
– واصلا حياتكما كما هي،فالوقت مبكر للعودة إلى وسط العائلة،لا تدري كيف يفكرون،وربما تأخذ أحدهم الحمية ويقدم على عمل أهوج! انا سأطمئنهم أنكم بخير وأنكما عقدتم قرانكما على سنة الله ورسوله!
ينهض متهيأً للمغادرة:
– إذا احتجتم إلى أي شيء،اتصلوا على هذا الرقم،يمد يده بورقة مطوية تتلقفها هند من يده،ويشير لهما أن لا يقولا شيئاً ولا ينهضا من مكانيهما لتوديعه، يتجه نحو الباب بخطى رصينة كأنه يعُدّها عدّاً.
يتبادل سيف وهند نظرات ناطقة بالدهشة ويلقيا نفسيهما في أحضان بعضهما دون أن ينبسا بكلمة واحدة.
غادر سيف إلى لندن لمتابعة أعماله وتركها وحيدة تصارع شوقاً عارماً لتنضمّ إليه.
وأخيراً جاء البوليس ليطرق بابها،وكأنه وإياها على موعد مؤجل،وكّلت محامياً،والحجة هي هي جاهزة،الخشية على حياتها،وهي الحجة الرائجة المقبولة والمرحب بها في الدوائر الغربية،القانونية والإعلامية،فهي السلاح الذي يشهرونه والسيف المسلط على رقاب الديكتاتوريات السياسية في الدول العربية لابتزازها،وهي أيضا كنز دعائي يستثمرونه لتجميل صورتهم وفي النهاية كل شيء بزنس من وجهة نظر الإعلام الذي يبحث عن الإثارة والجمهور في ظل المنافسة الحامية والسباق المحموم.
كان لا بد أن تبلغ سيف بتطور الأمور، والذي احتج بشدة على فكرة ظهورها في الإعلام،وتشويه صورة العائلة وسمعتها.
وفكرت من جانبها: سيف وذكوريته التي لا يستطيع الإنفكاك منها،وسمعة العائلة وكل تلك المحددات المستحوذة على الذهنية الذكورية في مجتمعنا ! إنه مرض لا ينجو منه إلا من رحم ربي من القِلّة المختارة!
في البداية حاولت أن تشرح له:
– الأمر لا يتعلق بنا وحدنا ياحبيبي،ولكنه قضية مجتمع برمته،وحتى نبرأ من أمراضنا،لا بد أن ننشرها تحت الشمس،حتى يجف عفنها وتتبخر رطوبتها المدفونة تحت غطاء ثقيل.
ولكن ذلك لم يكن كافياً لإقناع سيف وقال لها بالإنجليزية أنك ستضعين في يد العائلة سيفاً لبحتزوا به رقبتك،وتحشرين والدك في زاوية ضيقة وتضطرينه لرفع الحماية عنك ،وسيقف عاجزاً عن التبرير في وجه العائلة التي ستعتبر عملك تشهيراً وتعرية مقصودة،وربما يقدمون على خطفك وإعادتك إلى الحظيرة،هذا إذا لم تحدثهم أنفسهم بالإقدام على قتلك،لماذا تُعرضين نفسك لكل هذا الخطر،وتضعين نفسك بلا داعٍ في عين العاصفة؟وهناك مخارج كثيرة بإمكاننا أن نلجأ إليها والخيارات مفتوحة في الغرب دائماً! أرجوك ! راجعي نفسك،من أجلي أنا على الأقل،من أجل حبنا!
كان في لهجته نوع من الإستعطاف والتنازل عن بعض كبريائه المتعاظمة في العادة،ولكن ذلك لم يكن كافياً ليثنيَ عزمها،وردّت عليه بإجابة قاطعة:
– إنها معركتي وسأخوصها حتى النهاية،وبالمناسبة ليست معركتي لوحدي،إنها معركة النساء في بلدنا جميعاً،وهي فرصة لن أضيعها أياً يكن الأمر ولا بأي ثمن ومهما كانت التضحية!
حولها المدعي العام إلى المحكمة بتهمة انتحال شخصية،،وحين جاء موعد الجلسة وكما توقعت هند ،عدد قليل من الحضور الفضوليين،وعدد كبير من الإعلاميين ومحطات التلفزة وعلى رأسهم DW بالطبع،
وبعد التداول الذي بدا كمشهد تمثيلي حكم القاضي بمنحها الإقامة الدائمة ووضعها تحت الحماية،بالنظر للعنف الذي يمكن أن تتعرض له بسبب القيم الإجتماعية السائدة التي تمبز ضد المرأة،وفي سرها حمدت هند الله أنه لم يذكر القيم الدينية.
وما إن خطت خارج باب اامحكمة حتى أمطرها الإعلاميون بالأسئلة وهل اسمها كاثي،وما هو اسمها الحقيقي،ولماذا اختارت اسم كاثي،وعلى هذا السؤال بالذات أجابت بأنه أول ما خطر على بالها،الأمر الذي أثار عاصفة من الضحك،محطة DW
بالذات عرضت استضافتها في برنامج حواري،ورغم أنها خمنت أن المقابلة مع دي دبليو ستكون بمثابة المشي في حقل ألغام وأنه ستنصب لها الفخاخ قبلت التحدي،فأكثر ما يفتح شهبتها هو التحدي،هذه طبيعة شخصيتها ،وهكذا بدأت مشوارها،بالتحدي،تحدت العائلة والمجتمع وستكمل مشوارها بتحدي هذا المجتمع الذي يتاجر في كل شيء ويحوله إلى سيرك و تظاهرة إعلامية.
تصببت عرقاً تحت حرارة الأضواء حتى خشيت أن يسيح المكياج الذي غطّسوا وجهها به،ولولا جودة الصناعة الألمانية،لحدث ذلك بالفعلُ!
قادها المذيع بسلاسة عبر عدد من الأسئلة العادية،عن طفولتها وعن العائلة وعلاقتها بوالدها ووالدتها،والظروف ااتي دفعتها للهرب،ليوصلها في النهاية إلى السؤال الفخ الذي ربما سينسف كل التعاطف معها:
– هل أنت ضد المثليين جنسياً؟
وترد هند بحذق بالجواب الذي أعدته في ذهنها مسبقاً:
– منذ أن أصبحت كاثي قلت في نفسي،لماذا لا ألعب الدور كاملاً،فشرعت في قراءة الكتاب المقدس ووجدت أنه يحرم المثلية الجنسية وقلت في نفسي عليك أن تلتزمي بالتعاليم يا كاثي،احتراماً للإسم الذي تحملينه خاصة وأنك تعيشين بين أناس متدينين في عالمك الجديد وترينهم بأم عينيك يهرعون إلى الكنيسة كل أحد” استخدمت هند عبارة Rush to the church بالإنجليزية وليسgo-، وأدرك المذيع أنها تملصت من الشرك الذي نصبه لها،ومع ذلك واصل محاولاته للإيقاع بها:
– هل يعني ذلك أنك غيرت دينك إلى المسيحية يا سيدتي؟
– لم يكن هناك داعٍ ،فهناك قواسم مشتركة كثيرة،ولماذا أغير ما دمنا متفقين حول المسائل الأساسية تمام الإتفاق!
– أية مسائل تقصدين با سيدتي!
– المسائل التي تتفضل بطرحها كالمثلية الجتسية التي يبدو أنها تشكل هاجساً بالنسبة لك.
– هل يعني ذلك أنك تدينينها يا سيدتي؟
– أنا مع مع الرب تماماً فيما يقره وما ينكره.
بدا المذيع محبطاً تماماً وقد أدرك أن مهمته فشلت وأن السحر انقلب على الساحر،وجيّر البرنامج كله لصالح هذه الضيفة الداهية؟
فاختار أن ينهي البرنامج بشكل مقتضب بعد أن أدرك انه لا جدوى من المواصلة،فقد فاتته الفرصة في إحراز النصر على هذه المرأة المحنكة كما خطط !
وبينه وبين تفسه تساءل فيما إذا كانت قد قرأت الكتاب المقدس حقاً!
نقلتها ابشرطة إلى مسكن جديد،واعطوها رقم هاتف خلص بخيث لا يستطيع المتلقي إعادة الإتصال ولا معرفة الشخص المتصل ولا المكان الذي صدرت منه المكالمة،وطلبوا منها ان تستخدم وسائل النقل العامة،الحافلات وقطارات الاتفاق وان لا تستخدم التاكسي أبداً إلا في الحالات الاضطرارية مثل ان تشكّ ان احداً يطاردها وفي هذه الحالة عليها ان تتجه إلى أقرب مركز أمني،كما طلبوا إليها ان تنزلىبعيدا عن البيت بمسافة آمنة،وان تتأكد ان لا أحد يتبعها.
أول مكالمة لها كانت مع سيف الذي تهلل وكاد يطير من الفرح كما وشت نبرة صوته ادوتلذي لم يمهلها لتقول أي شيء بل بادرها بالقول بشيء من الدعابة:
– فضحتينا وفضحت العائلة وأنا تلقيت الضربات والطعنات بالنيابة عنك،مزقوا ثيابي علي!
وقاطعته لتسأل:
– وأنت ما هو موقفك.
– اسمعي! الطريقة التي أفحمت بها هذا المذيع الخبيث،جعلتني أغفر لك ما تقدّم وما تأخر،وفي الحب كما تعلمين كل ذنب مغفور،إلا ذنب واحد كما تعلمين أيضاً: الخيانة!
– وأنت لا تظن أنني خائنة أليس كذلك؟!
– حاشاك ولاشاك وأعاذنا الله وإياك من كل خيانة وغدر!
– إسمعني سيف! أنا الآن موضوعة تحت الحماية! إنهم يأخذون هذه الأمور هنا بمنتهى الجدية! سأرتب أمر مجيئك،وسأعلمك بذلك،والآن سينتهي الوقت المخصص لهذه المكالمة فمع السلامة وفي حفظ الله.وانغلق الخط تلقائياً!
الشرطة سألتها سؤالاً ظل يئز في ذهنها،سألوها فيما إذا كانت تخشى على حياتها من شخص محدد بالذات أكثر من غيره من أفراد العائلة.ولا تدري لماذا تبَادَر إلى ذهنها ابن عمها طارق الذي طالما ضبطته وهو يحدّق فيهما هي وسيف بعينين جائعتين وهما منهمكان في اللعب،في ذلك الزمن،لم تكن لتكترث لتفسير معنى هذا التحديق،وربما فسّرته على أنه فضول أطفال،رغم أنه لم يحاول أبداً أن يقتحم عالمهما، أو يقاطع لعبهما او ينغّص عليهما،ظل فقط يراقب بلا ملل، ولا ينصرف إلا بعد إن ينهيا لعبهما وينصرفا،الآن فقط وقد كشف عن بصيرتها في ضوء الأحداث أدركت تماماً أنها كانت تأكل قلبه الغيرة،خاصة وأن سيف أخبرها كان أكثر المحرضين بعد هروبها واختفائها،ربما كان هذا شيئاً طبيعياً وربما كان سوء الظن فقط هو الذي يدفعها للتفكير على هذا النحو،ومع ذلك ومن باب الحرص شرحت كل شيء للشرطة،وعندما سألها الشرطي كيف يمكن أن تصف شخصيته،أجابت بأنهم كانوا يطلقون عليه الطفل الصامت،وعلّق الشرطي بأن شخصاً كهذا هو أخطر أنواع الأشخاص خاصة إذا تعلّق عاطفياً بشخص ما،لأنه يبني قراراته على مدى طويل وبطول التأمل لأنه يشتق لذة من ذلك،لا بل ويتفنن في ممارسة أشكال انتقاماته الخيالية،ويطلق العنان لفانتازيته ويستمتع بعالمه الخاص الذي تكونين أنت بطلته !
حديث الشرطي المسهب أيقظ هواجسها ولكنها نسيت الأمر بعد حين،وانصرفت إلى مشاغلها الخاصة.
غاضت موجة الهوس الإعلامي،ولم يعد أحد يدعوها لمقابلة أو يوجه لها أسئلة،وانشغلت بترتيبات اللقاء مع سيف،التي استغرقت كل وقتها،كان عليها ان تتقدم بطلب للشرطة،ثم يحددون لها موعدا ومكاناً تبلغه بهما،ويذهب البوليس لآحضاره من هناك وهو معصوب العينين ويضعونه على باب شقتها،ونفس الإجراء حين المغادرة،كان هذا أمراً مرهقاً وحيث أنه لم يكن لهما حرية التجول وانحصر الأمر في لقاءات داخل الشقة فقط،وبالطبع لم تكن لتفصح له عن مكان وجودهما التزاماً بتعليمات الشرطة،أتعبهما الأمر كثيراً لدرجة انها فكّرت ان تتقدّم بطلب رسمي لرفع الحماية عنها،وعلى مسؤوليتها الخاصة،ولكنها أرجأت الموضوع قليلاً لترى كيف تسير الأحداث!.
أدرك سيف بحدسه ان هند أصبحت كفرس السباق،وستمضي إلى نهاية الشوط،أيّاً كان الثمن،لقد فجّرت البيئة الجديدة نوازعها المكبوتة،وأطلقت العنان لهذه المُهرة الجامحة التي كانت نائمة في داخلها،وحتى هو لن يستطيع أن يوقفها،ولا حتى باسم الحُب،لقد رُفع الغطاء عن فوهة البركان الثائر،وسيظل يزمجر ويفيض بما في جوفه حتى يستنفذ كل طاقته،فليس أمامه خيار والحالة هذه إلا أن يسير بمحاذاتها ليحميها حتى من نفسها حتى لو اضطر لشدّ لجامها أو القسوة عليها قليلاً،ببساطة لأن فكرة التخلي غير مطروحة،فما يربطه بها أكبر من أن يفصم.
لقد أثارت فضول الجميع،الإعلاميين ومنتجي الافلام وباعة السوق والناس العاديبن،وببساطة أصبحت نجمة.
البلاد والعائلة أصبحت نائية جدّاً ولم يعد يعنيها ما يحدث هناك،رغم ان الأخبار تتوارد،والخلافات على أشدّها بين أجنحة العائلة، وهناك سخط واستياء عام،وربما تكون الأمور على شفا تغيير كبير،آخر نزواتها أنها قبلت دوراً في فلم جديد أنتجه واحد من مناصري الحركة النسائية الفيمينيست ويتعرض لقضايا التحرش،وحين جادلها سيف أجابت بلا مواربة: أليس ذلك واقعاً،إقرأ ما تكتبه بنات بلدنا اللاتي خرجن جديداً إلى سوق العمل عما يفعله معهن المدراء،وحتى السواقون،ماذا سيفعل الرجال بغرائزهم المكبوتة وقد أواهم فضاء وأحد صغير مع نساء كانوا ممنوعين دهوراً من رؤية وجوههن،سأقول لك: أنا اقترحت على المخرج تعديل السيناريو ليكون أكثر ملامسة لقضايانا نحن أكثر من قضايا المجتمع الأوروبي.
عرض الفلم في أوديتريوم أحد الجامعات على جمهور مُنتَقى من الإعلاميين والنقاد والأكاديمين،أما المشهد الذي شدّ الأنظار فكان مشهد مدير عربي بثوب وكوفية،يحاول التقرب من سكرتيرته بحذر شديد وكثيرٍ من المقدمات،ويتحين الفرص لملامسة يدها وهو يناولها الأوراق أو يتناول منها شيئا حتى تجرّأ و تلقّف يدها ذات مرّة،فتركت له يدها فتهلل ظانّاً أنّها استسلمت له،فتسرّع في عرضه،ووعدها بالإغداق والذهب والماس،ولكنها خيّبت ظنّه وهي تواجهه بصراحة جارحة موجهة إليه سؤالاً مباشراً وهي تنظر في عينيه،عاصفةً بكل ما هيّأه له خياله:
– ما الذي تريده مني بالضبط،أن أفعل معك الحرام،أنت أبو السبحة والخمس فروض التي تهرع لتأديتها آمّاً المصلين؟!
أم تريدني زوجة ثانية أو ملك يمين؟
تضرّج وجه الرجل واسودّ واحمر،وانسحب متعثّراً متلجلجاً دون أن ينبس بكلمة،وتقوقع في كرسيه حتى بدا صغيراً جدّاً،وضجّت القاعة بالتصفيق.
وفي نهاية العرض ألقى السيناريست كلمة أوضح فيها للجمهور:
– ما شاهدتموه هو ما يجري في بيئة عربية،ربما تختلف المعطيات شكلاً ولكنّ القضية واحدة،ففي كلتا الحالتين المرأة هي الضحيّة ،وهذا هو القاسم المشترك الأعظم.
وصفّق الجمهور مرّة أخرى،وأردف من ثمّ مشيراً بيده إلى هند أن تتقدم وتعتلي المتصة إلى جانبه ثم أشار إلبها قائلاً:
– هذه هي الأميرة البطلة التي كشفت لنا ما يجري ووضعته تحت الضوء، فحيوها؟! وشرع بالتصفيق وضجّ الجمهور بالتصفيق مرّة أخرى!
المسافة بينه وبين هند تتسع،فهي مشغولة في برلين،وعندما تعود وتجده منتظراً في الشقة الصغيرة الجديد ة،لا يجدان حتى ما يقولانه،يطيل جولاته في البلدة الصغيرة الجديدة التي نقلوها إليها والتي لا تختلف عن البلدة القديمة كثيراً،حتى تعرّف إلى كل معالمها لدرجة أنه أصبح وجهاً مألوفاً،ومع ذلك أصبح يطيل إقامته،وكما وعد لم يكن ليتركها وحيدة،حتى نهاية الشوط الذي لا يدري إلى متى سيطول!
ظل سيف مسكوناً بالهواجس،ولا يدري كيف ستكون نهاية الشوط،أو إلى أين سينتهي،ولكن هند لم تتركه على هذه الحال طويلاً،وعلى حين غفلة منه قرّرت أن تتوقف عن كل نشاطاتها العامة وتعيش حياتها الشخصية،قدمت التماساً لرفع الحماية عنها،سرعان ما وافقت عليه السلطات،التي ربما وجدت أن إجراءات الحماية طالت أكثر من اللازم،وأنه لم يعد لها مبرر كما شرحت لهم هندخاصة بعد القبض على طارق،وأن العائلة لن تجرؤ على تكرار المحاولة.
تركت كل شيء وراءها وانضمت إلى سيف في لندن،وفي أول لقاء لهما أعلنت في تنهبدة ارتياح:
– الآن يمكننا أن نعيش حياتنا،حقيقة لا مجازة،أليس كذلك يا حبيبي؟
يبتسم سيف مؤمناً على كلامها،ولكن دون أن يقول شيئاً،و ويمضي بهما تيار الحياة سلساً عذباً لا يقاطعه شيء،إلى أن بدأت الغيوم تتجمع في سماء الوطن وصارت تتناهى إليهم الأخبار عبر وسائل الإعلام: تململات شعبية وصلت إلى حد التجمعات والتظاهر والإضرابات،وانقسامات وخلافات في أوساط العائلة،كانت الأمور مقلقة جدّاً وتتفاقم بوتيرة سريعة،ومن خلال المعارف والأصدقاء تأكدوا أن الخطر حقيقي،وان هناك تغيراً كبيراً ربما أصبح على الأبواب.
وفي ظل تلك الأوضاع السائدة،وجدت هند نفسها على حين غرة في قلب المشهد،وكما روت لسيف فيما بعد،استدعتها وزارة الخارجية البريطانية،ورتبوا لها لقاء مع السفير الأمريكي،والذي طلب إليها مباشرة أن تتصل بالعائلة وأن تنصحهم بأن يرتبوا أمور مغادرة الوطن قبل أن يصل الحريق إلى قصر الرئاسة وتمسك النار بثيابهم.
تلقت هند ذلك بدهشة كبيرة واحتجت معللة:
– لماذا أنا،أنا خروف العائلة الأسود،لماذا لا تبلغونهم أنتم بأنفسكم مباشرة أو عبر القنوات الديبلوماسية،فأنتم موضع ثقتهم المطلقة في كل الاحوال.
ويفسر لها السفير بما وسعه من هدوء وفي نبرة مؤكدة توحي بالإقناع:
– لقد اتخذت الامور بيننا وبينهم منحىً جديداً وفقدت الثقة،هناك من نمى إليهم أننا وراء كل ذلك،والدلبل أننا منحنا اللجوء لكثير من رموز المعارضة،وما استشفيته أنهم يريدون المقاومة حتى النهاية،ولكن ما لا تنقله لك القنوات الإعلامية،أن هناك اعتقالات وإعدامات طالت كثيراً من المواقع العالية،واتهامات بالخيانة،وهذا يعني أن الأمور في غاية السوء!
صمت السفير تاركاً لها فرصة استيعاب الموضوع،قبل أن يعقب:
– بإمكانك أن تتعاوني أنت وزوجك،وفي كل الأحوال فالتحذير القادم من فرد من العائلة أجدر بالثقة حتى في ظل الخلافات والتي تبقى عائلية في كل الأحوال.
ولم تتمالك هند من إبدا شكوكها في الصورة التي رسمها للأمور فلهجت متسائلة:
– ولكن أنتم اين موقعكم من ذلك كله،لا أصدّق أنكم تكتفون بموضع المراقب.
ويجيب السفير بحزم:
– لا عليك نحن سنتدخل في الوقت المناسب، التوقيت هو ضمان النجاح في احوالٍ كهذه،ولأكون أكثر وضوحاً،فلن نترك الأمور تفلت من أيدينا لانتقل إلى أيدي اليا يين او المتطرفين،نريد حكماً مستنيراً ويمتلك حسّاً للعدالة في ذلك البلد،وهو الأمر الذي افتقد طويلاً هناك،حتى ان الرأي العام يحملنا مسؤولية السكوت على ما يسميه نهج الطغبان.
يصمت قليلاً ليستأنف:
– وما دام وصل حديثنا إلى هذا الحد،ربما صار من الجدير ان أصارحك بشيء:
– إذا صدقت هواجسنا وتم الإطاحة بالحكم نريدك انت وزوجك ان تكونا جزءاً من المرحلة القادمة،،انتم ضمانة لنا،عستم بيننا،وتتفهمون مجتمعنا،حتى وإن اختلفتم معنا تعرفون كيف تختلفون،ولهذا نطلب إليك تقديم السبت المبكر لتلاقي الأحد المتقدم،هل نحن متفاهمون يا صاحبة السعادة؟ّ
تهز هند رأسها بالإيجاب وتعلق:
– يبدو أننا كذلك ويبدو أنه لا بُدّ مما ليس منه بُدّ،وما دام القدر قد دفعنا مسبقاً في ذلك الإتجاه!
أحياناً يتخذ التاريخ شكل الفانتازيا،وكأنك عابر في حلم وأنت تتابع الأحداث او تشارك فيها،بحيث يفقد الزمن معنته،وكانك تنتظر الآتي،ولكنك لا تدرك كم انتظرت،وكم سييتغرق الحدث الذي تنتظر وقوعه ليحدث فعلاً،!
اختارت هند أن ترسل تحذيراتها عبر الرسائل النصية،بدءاً بوالدها،ثم إلى جميع أفراد العائلة” نحن نتابع ما يجري على أرض الوطن،وعندنا هنا حديث يدور عن مؤامرة لتغيير الحكم،وأن خيوطها قد نسجت وتنفيذها أصبح وشيكاً،ونصحونا ان نحذركم أن حياتكم في خطر،وأنه من الأفضل أن تعجلوا بالمغادرة حفاظاً على حياتكم،ليي لدينا تفاصيل ولكن يبدو أنهم صادقون وأن الخطر حقيقي”.
أول القادمين كانا والديها والءي حرص أن يؤكد لها أنه لم يأت هارباً ولا لاجئاً وإنما ليستوضح منها عن التفاصيل التي ربما لا تستطيع الإفثاح عنها عبر الرسائل ووساىل الاتصال.
توسع النقاش وحمي وصرّحت هند بلا تردد انها لا تصدق أنه لا يحس بما يجري فقط لأن وسائل إعلامهم تتجاهله،وتطمئنهم أن كل شيء بخير، والدها اقر أخيرا أن هناك احتجاجات وربما تكون الأمور على سطح صفيح ساخن،وهذا لا يعني انه كلما قعقع أحد بالشنان ان نسلّم أو نهرب ونقول له ببساطة: تفضل تعال اجلس مكاننا.
وردت هند بلا مجاملة:
– إنه ليس احد ما يا أبي،إنه الشعب! وأضافت بحدّة: إنها سياسة الاستئثار والاستهتار،شعب جائع وطبقة حاكمة مترفة هم وحاشيتهم.
وحاول العجوز أن يعقلن الأمور:
– لننتظر ونر كيف تتطور الأمور ولكننا لم نصل إلى اللحظة الحرجة بعد!
وترد هند بحسم:
– يا والدي ابق هنا ولو لفترة على الأقل،وفي مثل خءه الظروف لا جدوى من البطولة! انا اعرف أنك تريد أن تكون إلى جانب إخوانك،ولكني افضل ألا تغامر مهما أنحوا عليك باللوم أو اتهموك بالجبن والتخلي!
اكتسى وجهه بالحيرة وغرق في الصمت ولم يقل شيئاً!
أسابيع مرّت ووالداها صامت ويتجنب خوض النقاش معه،وكأنه ينتظر أن يتقشّع الغمام الذي يكتنف الأحداث ،وتجلي الأمور عن شيء ما،ولا ريب انه كان يعاني أقسى هواجسه ولا يتتمل خيراً،فهو يعرف جيداً ما معنى ان تتدخل السفارات و تقيّم الشؤون الداخلية لا بل تستدعي ابنته وتطلب منها تحذيره!
في آخر نقاش لها معه،قبل أن يدخل في رحلة الصوم عن الكلام،آلمته كثيراً وخاصة حين استشهدن ببيت لابن زريق البغدادي:
اعطيت ملكاً فلم تحسن وسياسته
وكُل من لا يسوسُ ااملك يُخلعه
واتهمتهم بالتبلُّد وعدم الحساسية تجاه قضايا الناس ومسائل عيشهم،النتيجة الطبيعية لإدمان الترف وقرينه الطغيان،حتى صرتم تنظرون إلى الناس كأقنان وتعيشون بمعايير القرون الوسطى وعصر الأقنان،وغاب عنكم تماماً كما غاب عن تقديرات نبلاء أوروبا،أن الأقنان يمكن أن يثوروا على أوضاعهم البائسة،لا بل إن الثورة هي الثمرة الطببعية للبؤس والحرمان والتجاهل.
كلمة واحدة علّق بها والدها على حديثها:
– هل أصبحتِ ماركسية يا هند هل كفرت؟
ولم توفر عند حق الرد وإجابت:
– أنتم تظنون أن الدين رخصة لاضطهاد الآخرين،وحق إلهي يخولكم فعل ما تشتهون حتى لو اجحفتم وظلمتم بصفتكم ولاة الأمور،وكل اعتراض أو مساءلة هو كفر وصاحبه كافر برغم من أن عمر سألوه عن قميصه من أين أتى به لابل توعدوه بتقوبم اعوجاجه بسيوفهم فحمد الله ان جعل في الأمّة من يقوّم اعوجاج عمر بسيفه،وهي الحكاية التي يتجاهلها وعاظكم وشيوخكم،ولا يحدثون لها ذكرا،ببساطة لأنها لائحة اتهام وإدانة،وختمت بالقول : لا تتوقع أن هذا الجندي الجائع الذي تستعبدونه باللقمة سيدافع عنكم بحياته!
لم تلبث الأمور طويلاً وتوجهت وحدة من الجيش إلى القصور الرئاسية وأخرى إلى محطة التلفزيون،واستسلمت الحامية بلا مقاومة،وتم ترحيل العائلة دون ان يتعرض لها بالثوار بأذى،بناء على توجيهات السفارة الأمريكية،وأجاءتهم الثورة إلى القصور التي كانوا يقضون فيها الإجازات والعطل والتي ستصبح مقر إقامتهم الدائمة.
سارت الأمور بوتيرةٍ سريعة،وكان لا بد من حملها للبلاد على عجل، وذلك حتى لا تقع السلطة في أيدي العسكر،ولذا فقد اتخذنا الترتيبات اللازمة لتكوني رئيسةللوزراء بصلاحية رئيس جمهورية وكونك انثى ستلقين قبولاً دولياً فالغرب يتطلع إلى وجود امرأة على راس السلطة في بلادكم، هذا ما أوضحه السفير الأمريكي،وهكذا قاموا بالترتيبات اللازمة وحُملت على متن طائرة عسكرية،كان الجو غريباً، عليها،الكل حتى المضيفة بالزي العسكري برتب لا تفهمها كثيراً ولا تميز بينها،والكل يبذل جهده لإرضائها،ولا يتوانى عن طاعتها،وتحويل كل مت تنطق به إلى أمرٍ مطاع.
وعلى بوابة المطار فوجئت بتظاهرة نسائية يهتفن بحياتها،وتقدم رجل بملابس مدنية يبدو انه معروف لدى الطاقم،حتى سمحوا له بالاقتراب،ليتبين أنه سيكون مرافقها ومستشارها في قادم الأيام وعبر المرحلة الإنتقالية كما أبلغها،وتطوع ليوضح لها أنهم وسعوا مساحة الحرية ليُشعروا الناس بان الأوضاع تغيرت للأفضل،وليشعروا باذّة الحرية كتمهيدٍ للديمقراطية الموعودة،وأنهم لم يقوموا بتنظيم التظاهرة،بل فقط أبلغوا بعض التنظيمات النسائية بالخبر وموعد الحضور.
ضحكت هند حين نقلوها للقصر الذي علشت فيه ولغبت في رحابه كمقرّ للحكومة وإدارة الدولة،ويبدو أنهم فعلوا ذلك عن سابق قصد وترصّد.
من المفارقة أن يتم تبادل الادوار فتذهب عائلتها للمنفى ويعود الطائر المهاجر إلى عشه الأليف.
الشارع في هرج ومرج،وهند تخرج على شاشة التلفزيون لتلقي خاطبات تعد فيها الشعب بحياة افضل في ظل الجمهوية الجديدة كما تسميها، والسفير الامريكي قال اتركوا العنان مرخياً ضعوا الشعب المكبوت ينفس عن نفسه،ولكن هذا الكلام لم يكن ليداعب عواطف هند،وحسب البروتوكول المابع استدعته إلى مقر الرئاسة عن ط يق وزارة الخارجية وعبرت له عما يدور بخلدها:
– الهتافات لا تشبع احداً وحتى يستقر الحكم ااجديد،علينا ان نحسن الاوضاع المعيشية للناس،وحتى نفعل ذلك لا بد من زيادة الموارد،وحزمتي تجد نفسها مضطرة لتعديل الاتفاقيات الاقتصادية معكم،وإعاان ذلك للشعب،لنكسب تعاطفه اولاً ونحسن ظروفه ثانياً فماذا تقول سعادتكم.
استمع السفير بانتباه وكانه يحصي كل كلمة تقولها،وافاد بإجابته بعيداً عن القيود الرسمية كما قالُ:
– ما تتقاضاه حكومتكم بموجب الاتفاقيات منصف وكاف،ولكن سامحيني يا سيدتي عائلتكم الموقرة كانت تحوله لحسابات شخصية،فإذا تكرمتم بتغيير النهج،فلن تحتاجوا لتعديل الاتفاقيات أبداً.
ولم يكن ذلك كافباً لإسكات هند كان لا بد أن تكون هي الطرف الغالب فب النهاية،فانبرت للد عليه بكل وقار:
– لنتكلم سياسة هنا،تعديل الاتفاقيات ولو بهامش قليل سيجعل لحومتنا شعبية كبيرة،ألا تريدون ذلك،إءن فلتقدموا بعض الثمن.
يرفع السفير حاجبيه دهشة من جراة هذه المراة التي عينوها هم عملياً،ولم يمض عليها في الحكم إلا أيام.،ومع ذلك يكافؤها بابتسامة إعجاب،ليعلن برصانة واحترام:
– ما دمت مصرة يا سيدي ففي هذه الحالة سأرفع مطلبك لحكومتي،يحييها بابتسامة أخيرة: والآن اسمحي لي يا سيدتي بالانصراف.
بدأت تصلها تحذيرات من والدها عبر رقم خاص حددوه لها: الغائلة تحملك المسؤولية،كوني على حذر،لا تأكلي أي شيء من تحت يد الخدم الذين تركوهم وراءهم،لا تدرين من بقي على ولاءه منهم،إنهم يعتقدون انك رتبت كل شيء من الألف إلى الياء،وانك وراء الإطاحة بهم،وهم يسثنوني من الإجتماعات التي يعقدونها!
في الحقيقة فقد كان أمن السفارة أفطن مما يظنه والدها فقد استبدلوا طاقمي الخدمة والحراسة بشكل كامل،وطهروا كل جهاز المخابرات من العناصر المشكوك في ولائها او حتى تكيفها مع العهد الجديد، واستبدلوا كبار الضباط،ويبدو أن بعض من أبقوا عليهم، قد حظي بثقتهم المسبقة،وربما كان يعمل طيلة الوقت بالتنسيق معهم.
بدأت التغييرات السياسية بوتيرة محمومة،وكانت هند واضحة أشد الوضوح فيما يتعلق بالدين،من حيث كونه مصدراً رئيساً للتشريع ،وأنه يجب تضمين ذلك في نص الدستور وأن دين الدولة الإسلام،وأنها لا تريد لغطاً إعلامياً أو قانونياً حول حقوق المثليين وحرية المرأة،وان كل شيء سيمر من خلال البرلمان الذي سينتخب في حينه،والذي سيتضمن كوتا نسائية،وأضافت ضاحكة: المرأة عندنا لا تنتخب المرأة،فثقتها علية في رجلها،ولذا أشك أن تصل أي امرأة لمقاعد البرلمان بالانتهاب الحر ظون كوتا،وأردفت: نحن بلد محافظ وسنرفع الغطاء بالتجريد عن بعض المحرمات غير المنطقية والمبالغ فيها ولكننا ابداً لن نترك الحبل على الغارب،وارجو ان تتفهموا ذلك!
ويهز السفير رأسه موافقاً: نحن نتفهم ذلك بلا أدنى شك يا سيدتي! وختمت هند بالقول: لا فائدة من إلقاء الأحجار في المياه الراكدة،فذلك لن يخلق سوى الدوامات.
اختار سيف أن لا يرافقها في أنشطتها السياسية،ولا حتى في ظهورها في المناسبات العامة أو اثناء إلقائها ااخطابات،حتى لا يتصيد احد من الحاقدين في الماء العكر،او يدعي أن العائلة عادت إلى الحكم من وراء الكواليس،واقتصر حضوره على المناسبات الاجتماعية الضيقة.
كانت قلوبهم تغلي حقداً ومناخرهم تزفر غيظاً على هذه المخلوقة التي تآمرت عليهم وأطاحت بسلطانهم وشرّدتهم في الأرض،بعد أن كانوا في قرار مكين وحصن حصين،كانت هذه هي القناعة الراسخة لديهم،حتى أنّ أحدهم غلّق: يا ليتنا زوجناها وخلصنا منها ولم نتعنت،تركنا خلافاتنا السخيفة هي التي تسوقنا،ثم يستدركون: من كان يظن أن هذه الفتاة الصغيرة قادرة على اجتراح كل هذه البوائق،و أن حقدها سيطاول قمم الجبال ويحاذي نقمة الجمال،لمجرد أنها حرمت من الزواج ممن تحب،وقد صدق من قال أن المراة تحب بجنون وتكره بجنون أكبر.
وحيث أنهم بحكم طرائق تفكيرهم والشعور بالكبرياء والتعالي المستحكم في نفوسهم وطرائق سلوكهم،قد فشلوا في التكيف مع المجتمع الجديد أو أن يحظوا بقبوله،وإقامة منظومة علاقات معه، فقد ظلوا مرتهنين لفكرة العودة،التي ظلت تداعب خيالاتهم وتمنيهم الاماني.
لقد حاولوا إحياء صلاتهم القديمة،ولكن الكل تخلى عنهم فلا أحد يريد تقديم الخدمات لعائلة مخلوعة،والمغامرة بمسيرته المهنية،فهم عاجزون الآن عن توفير الغطاء له من ناحية،فضلاً عن ذلك من يريد أن يضع نفسه في مواجهة السي اي ايه والاف بي أي،والدولة الأمريكية ذاتها!
وبحكم عقليتهم الثأرية الراسخة،لم يطيقوا التخلي عن فكرة الإنتقام،والثأر من هذه المرأة التي عصفت بملكهم وألقت مصائرهم في مهب الرياح ،ولكن حتى أولئك الذين كانوا ينفذون لهم المهام القذرة اختفوا فجأةً من تحت أعينهم وغابوا عن المشهد، من غير أن يتركوا أي أثر.
ولكن قلبوبهم التي تقطرسواداً حالت بينهم وبين التخلي عن الفكرة،وصاروا يفتشون في الدفاتر القديمة ليحيوا صلاتٍ ماتت ونسيها الدهر ولم تعد تخطر على بال احد.
هليّل هو أحد هؤلاء الناس الذي كانت تطاله عطاياهم ومكرماتهم،وهو قبلي بسيط يريد أن يرد الجميل ما وسعه!
– حتى لو وصل الأمر إلى القتل! قتل امرأة! واحدة من أفراد العائلة نفسها التي يدين لها بالفضل؟
يحتج أحدهم بحدّة!
ويردف:
– ماذا عن ابيها يا جماعة وهو ابن عمّنا و قد أصابه أيضاً ما أصابنا؟ لا تدعوا حُمّى الثار تعميكم،وماذا عن سيف أليس ابننا! وما زاد في تثبيطهم أن الاخبار تناهت أن هند حامل بابن سيف! أليس ابننا؟ لهج واحدٌ من بينهم!
هل نقتل ابننا في أحشائها
ألغوا الفكرة من أساسها وفكّروا بشيء آخر،فكروا في جعلهم يفشلون ويترحّم الناس على أيامنا.
هكذا كانت تدور الأحاديث في صفوف العائلة دون أن تفضي في النهاية إلى شيء