(ثقافات)
الدَّائرةُ البُـــــونِيَّــة
أو
فُسيْفسائيَّةُ المــــاء
أفراح الجبالي
ــــــــــــــــــ
¤
(مِنَ الماءِ بالماء)
ابن خلدون {1}
¤
عندما وَقَع الزِلْزالُ
كانت الفُسيْفسائيَّةُ مُعنَّبةً
السُّكْرُ البلَّوريُّ
قرْنُ التَّيْسِ
والحَدَقةُ
في قاعَة أُخرى.
أنتَ، كنتَ في العيْنِ
تَشْرَبُ
و تَؤُوبُ فوْقَ راحةِ يَدي :
لِساني
يَشْطُف المَطرَ… الألْواحَ… ربما النَّافورةَ…
غرْباً، لا شمَالَ يكْفِينا
¤
السهْمُ ،الذي دَخَل قلْبي،
الدائريَّةَ التي لا يقطُنُها أحَد، الأسْقُف… مُقشَّرةً… تُطلّ
على حُزْنها
وتقْطعُ الحِبالَ :
أنْطونيُوسْ
القوْسُ، (هذا…)، سُلالةٌ في حقْل الشِّتاء
وأنا أحبُّ ما يَلْمسُه حبِيبي الآن،
في مُسْتقبَل جدِّه البعيد… حِين كانَت أمِّي رُقْعةَ جِلْد
وكان بيْتُها الكلامُ
والطفْلُ شجرةَ كُروم… والمُخَلَّل
العِجْلُ الواقِفُ
في قبْوِ المَخْزَن…
تَرجْرُجُ الصُّورةِ في أقْراصِ الصَّخْر
***
تَدْخُلُ فُسَيْفُسائِيّـةَ الماء
عارِفًا أنّ الدَّائرةَ حلْقَتي.
(حبيبي!)
تَدْخُلُ فُسَيْفُسائِيّـةَ الماء
عارِفًا أنّ الدَّائرةَ حلْقَتي…
أنّ الشُّعاعَ عُرْفٌ {2} لنَهْرها. الحجَرُ الجِيريُّ والبيْتُ
صُوفٌ يتعرَّشُ في ساقكَ،
تَمْشِيـه
صيْفًا
¤
قلْبي، القافِزُ البَريُّ!
¤
(مَنْ اقْتلعَ قلْبي ؟)
***
تَرْفِسُ الفسيفُسائِيَّةُ نفْسَها
كالبئْر
اليوْمَ تدخُلُ راحتَها في الرِّحْلةِ
أَقلعُ الأشجارَ
أقْتربُ مِن بَذْرتي
كنتُ، أسْفلَ السَّفينةِ مُجفَّفةً، أُرَبِّي التَّذكُّرَ
¤
الجِسْرُ المائِيُّ صَدَفة
عُصارتُها
الزيْتُونُ…
مَرّة
بعْد
مرّة
تَتلاشى
الموْجةُ
وأقبِّلُكَ داخل الهَضْبة
¤
-مَنْ أَخَذ مَشهدَ يَديْكَ ؟
***
هناكَ، في بَصَماتِ الماء،
بُقْعةِ المَدِّ ،أوْ ربما جَسدِ الرُّطوبَه،
حيثُ يَرْحلُ الجميعُ عن البحْر
مرَّتيْن شتاء
أو، الشتاءُ يولّي مُدْبِرا،إلى السَّاحِلِ،
أتلَفّتُ،
تَنْزِلُ الشّمس
تَفْتَح أبوابَ المَوْج
تجْري مع الأسماك وقدْ جفَّفَها نِسيانُها
الشَّمسُ، تنزلُ، آخذةً معها
البَشَر المُجفَّف
في شاشةٍ طويلة.
¤
هناك، في بَصَمات الماء
حيثُ العالَمُ مازالَ يَطْفو ، منْذ زمنٍ بعيد…
تاركًا أسماكَهُ تتسابَق.. مُشْتعِلة… في قلْبِ الأرْض…
يُولّي مُدْبرًا…
في اتِّجاه سَاحلِهِ…
ناسيًا حائطَه البُنِّيّ
بحْرَ الشَّمال… الطَّمْيَ الأحمَرَ الطريّ… يُنقِّطُ…
كشمْعةٍ
…
أتلَفّتُ…
ثمّة صباحٌ يَنْضُج
حيثُ الأخْتُ تخَّلتْ عن اسمِها…
البَحْرُ
بَيْتُ الشَّمْع
***
على طُرُقات الرُّومانِ : إسْبان و عَرَب… وها أنتِ… عبْرَ البَياضِ خُزامَى…
وها أنتِ نهْرٌ يَنْزلِق مرَّتيْن
مثْل دمِ الجَزْرِ الطّويل…
لماذا تعودُ المَدينَةُ إليَّ ؟
لمْ أنْزِلْ.
تَنزِلُ الشّمس
تَقْطعُ صفْحةَ المِيناءِ البُونِيِّ {3}… مَمدودةً… بيَّضُوا آخِر النَّهار
***
قِطعُ سُكَّرٍ
هُنا !
أَ بيْتي، أمْ الأشْرِعةُ هذه ؟!
وأنظُرُ جنوبًا…
في السَّاحلِ أكثَرُ مِن الأرْضِ…
النَّوارس القدِيمَةُ ليْسَتْ بُقْعةً برُونْزيّة: هذا أنتَ أنَا
***
أنا أُوقِعُ هذه القصِيدةَ على الفُسْتانِ الرُّخاميِّ
فقط، القمْحُ في أيادِيهم…
ودِمائي
مُملَّحةً…
الأحْواضُ امْتِصاصُ الأرْضِ بالقُبَل البيْضاء
الأبْيضُ هذا اسْتثناءُ البَعيد………
يتمطَّى زَيْتيُّ السَّماءِ غرْبًا
***
كُلَّ مرَّةٍ أسْتيْقِظُ .
داخل الفَم الحُلْميِّ
فيكِ الحشائِشُ تدْخُل صَدَفتَها… حيْثُ أعْمِدةٌ …خاتَمُها
المَنْفوضُ…
ينْبُتُ
حيْثُ أعْمِدةٌ : خاتَمُها الحُبّ
أوَّلُ الهواءِ… و تِيجانُكِ مُنْزلِقة
بلا توقُّف
¤
(كُلَّ مرَّةٍ تَسْتيْقِظُ)
¤
هاربةً بعيدا عنْ فِكْرة فُلْكها القديم
وجُذُوري تسْتَنْبتُ
تحْتي
وعِناقُنا طيَرانُكَ :
الأعْمِدةُ ارْتِفاعٌ في أرْوِقَةِ هَواء الأسْئلة
دَورانُها شرايِيني… مَنْ عَلَّقَ كلَّ هذا اللَّوْلَب ؟!
في بُؤبؤ العيْن………
***
ثمَّةَ وَمْضةُ شمْسٍ
***
وَرَقةٌ تَهبُّ فوْقَ غُبار النُّجوم
***
اللَّيْلُ يَرْتَقي الحِجارةَ …..يَفُضُّ رَحِمًا
سُخامِيَّ المِجْذاف
مُلْتويَ
الحَمإِ ،أزْرقَ البطْلينُوس {4} ، في
هَيْئةِ
نفْسِها
الأُفقُ جِلْدٌ ، حيّ حيّ
حيّ حيّ
حيّ حيّ
تَدوَّرْ
***
نحْنُ
نَبْتَكِر السُّفُنَ -ظِلالَ الشُّموع- ، مُقدِّماتِها،
المناقِيرَ ……..
لكُلّ الأسْماك الطِّيـنِيَّـةِ ،المُمْكن
أنْ
تَشْرَب
وُرودَهُن {5}
الجِداريَّةَ
للمرَّةِ الأخيرة .
ـــــــــــــــــــ
أفراح الجبالي -تونس-
***
تنويـه:
{1} ابن خلدون (“الماضي أشبَهُ بالآتي مِن الماءِ بالماء.” صفحة 22 المقدّمة طبعة دار الفكر 1998)
{2} نباتُ العُرْف نبات حوْلي، من أزهاره الحمراء والبرتقاليّة والصفراء والأرجوانيّة، في نورات سنبلية مكتظة قطيفية أو ريشية أو مروحية، منها ما يشبه شكل اللّهب
{3} الميناء القرطاجيّ،الأول في تاريخ سواحل البحر المتوسط وافريقيا . يقع في قلب المدينة التي تضم المدرج الروماني
يأخذ الميناء شكلا دائريا حيث تحيط المياه بجزيرة صغيرة، وتتصل مياهه بالبحر المتوسط .وبحسب الرسم التقريبيّ للمدينة في متحف قرطاج، كان المرفأ والجزيرة محفوفين بأرصفة كبرى على طولها مخابئ معدة لقبول السفن ومحاطين بسورين مرتفعين
{4} البَطْلِينوس حيوان لافقاري ينتمي إلى الرخويات. يثبت البطلينوس نفسه بقوة على أسطح الصخور بالقرب من المسطحات المائية مثل البحار بواسطة قدمه وشفاطته القويتين، وفي بعض الأحيان لا يتحرك من مكانه، كما أنه يترك أثراً مخاطياً ورائه عند الحركة والبحث عن الغذاء ليستدل بذلك على موقعه السابق.
وجد أن أسنان البطلينوس أو السمك الصدفي تحتوي على أقوى مادة ذات نسيج طبيعي، متفوقاً بذلك على حرير العنكبوت
{5} زهير بن ابي سلمى في المعلّقة (فَلَمَّا وَرَدْنَ الماءَ زُرْقاً جِمامُه وضَعْنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّم)
مرتبط