لَيلى البلَد بمقبَرة الشَريفيّة

(ثقافات)

 

لَيلى البلَد بمقبَرة الشَريفيّة

-إلى العزيزةلَيلى الزيتوني في ذكراهاالسابعة

  • علي الحمروني

 

لَيلى الفَقيده،لَيلى القَصيدة التي إنفرَطت باكرا. يا أنتِ القَريبَه..أنا بمارثَ مَهما صاحَبتُ وَحيد، ولَا جَديدَ هُنا كَما قَبل قَرْنٍ لَا جَديدْ. العائلاتُ هُنا تُحدّدُ التّاريخَ، لُغة التَخاطُب والحُدودْ؟؟

العائلاتُ تَنصُّ: مَنْ مِن الشُرَفاءِ، وَمِنَ العَبيدِ؟! وتَهبُ صُكوك سُلطة المال وتَقضي بتَشريدِ الذي لَا تُريدْ. العائلاتُ هُنا رَجَمَتْ وتَرْجُمُ كُلّ حَبيبٍ مُختَلِف، وكُلّ لَونٍ مُختَلِف، وكُلّ إشْعاعٍ جَديدْ. وَأَيّ مُختَلِف هُنا كَما كُنتِ يا لَيلى، وإنْ حَمَلَ اللّقَبْ، غَريبٌ في غَريبٍ في غَريبْ،؟! أَفهَمُ الآنَ لِما يَتَوزّعونَ دُشُرا دُشُرْ، وَقُرى قُرى، ومُستَوطَناتٍ مُغلَقَه؟! تُرى هيَ إسرائيل فينا ونَحنُ لَا نَدري!! وأكثَر مِن جِدارٍ عازِلٍ هُنا يَفصِل القَريبَ عَن القَريبِ؟! مَرّت حُروب مِنْ هُنا،مِن الخَطّ فَاتَت وإنتَهتْ. وحَربُ التَمايُز والإحتَقار والدَمّ الأزرَق ماتزال تَمخُرُ في القُلوب. فَكَيفَ سَتُبنى دَولة من هاهُنا، وكَيفَ تَتّضِح الدُروب؟! والإرتِياب والتَكَتّم والإنفِراد هُنا.. قِيَم أَعلَى أَقْوى مِنَ الوَطَن الكَبيرِ وأَرْفَع مِنَ اللِوَاءْ؟!أقَضَى آلاف الشّهَداء هَدرا وَلَم تُوَحِدْ بَين إبْن الجَبَل وإبن السَّهْل، بَينَ زَيتُوني وأَشْهَب، بَينَ إبن البَحرِ وإبن الحَضَرْ…حَتّى الدِماءْ؟! الآنَ أَفهَمُ سِرّ خَوفِ الأولِياء في العُيون، هُم رجال عِندَ الشَدائِد والوَغى. لَكِن أنْهكَتهُم شَتَتَتهُم هذي التُرَهاتْ. ورَأيتُ شاعرا مِنا مِن نَفس جَدّ يَحذَرُني لأننا لَا نَحملُ ذَات السِماتْ!! والشِّعرُ أَدري لُغة الإنسانِ وَعُلُو في الصِفاتْ. إذا لَم يَرفَعنا الحُلم إلى السّماء يا إبنَ أمّي الأَرْض، فَكيفَ سَنَنجو مِن السُقوط، وَكَيلِ البَعض إلى البَعض كُلّ صُنوف الطَعَناتْ؟! آه يا لَيلى التي تَنامُ هُنا بالشريفيّة ولَا تَنام… الآنَ أفهمُ أحِسُّ قَولَتك “خَرَجتُ كَي لَا أَعودْ، إنّهُم مَوتى هُنا يَتَناسَلونْ.” وعِشتِ صَنَعتِ لَكِ أَكثَر مِنْ حَياةٍِ وحَياةْ حَلُمتِ، سافَرتِ، كَتَبتِ، رَقَصت رَقصَة الخنَجر،جَنّحت وتَرَكت أكثَر من أَثَر، وأنَرْت الطُرُقاتْ. ولَم تَعودي إلَا مُكرَهَه عندما داهَمَك الداء اللّعين. عُدْت رفاة. قَبر قرب مَقام زوجة الجَد بلا قباب فَقبابك كانَت يا لَيلى التي أنارَت قَبل أن تَذوي الكَلمَات. والكَلمات لا تَموت. باقيَه ما سارَ دَهر، باقيَه تَتَحدى قَلعَة الجَهل التي سَكَها هاهنا وخَلفَها بعض الباكَوَات. أَفهم الآنَ لما العَصر هنا غَير العَصر، وإن تَنَقَلَ البَدو في السيارات الفارهَة وسَكنوا الفيلَات ذات التَصاميم المستَوردَه. هم لَم يَخرجوا رغم المَظاهر من كهوف أواسط قرون الظَلام، ولَم يَصحوا بَعد من دَهر السبات. أَفهم الآن لما تَهرب الأنوار من ذي المَقبره، لتَعيش مغامَرَة الحَياة. ويعييني لما لا تَبقى هنا إلا الحجارَه ويَفر بعيدا المهندسون. الحجارة الصماء لا تَبني حَضاره، والعقول نازحَه او مَحجورَة خَلف ستارَه. والسُلَط للتافهين. آه يا ليلى التي كانَت شَرارَه في صَقيع مارِثي. ليسَ سَهلا أن يَصمُد جسَد وَحيد، عندَما تَكون البلادُ كُلّ البلاد حتّى أبناء الأُمّ عَيْ. لِهذا ربّما نَتَهاوى كَمَدا أو نَتَوزّع على القارات ونُبدِع، ونَحن هُنا لَاشيءَ في عُرفِ العائِلاتْ؟! أرقبُ الآنَ مَوت بلادي في شَجَن، أرقبُ هذي المِحَن التي تَنفُخ في الفَضاء الأوبِئَه وتَسنُّ ما تَسِنّ.وأكادُ…لكنّني مُوقِن أن رُبما تَعود إلى هذا الرًّبعِ،الحَشْرِ، المَقبَرةِ،التّيه… الرُّوح. لَو عادَت إلى الرجال هُنا الجَسارَة ليزرَعوا واحَة وسَط الفَلَاةْ. ويَعودوا عائلة واحدَة صلبَ الوَطن بلا تَخاريفَ مُميتَه، يَحموا الأَعراضَ كَما كَانوا قديما بعلوم وسلاح وجُنود تَعزفُ لَحنَ الحياة.ويُغَنوا للمليحَه المُؤنِسَه،تونس يا ذات الوجوه المُغريَه. مُوقن أنّ الحبّ قَد يَعود ليُداوي هَذه الأَنفس الجَريحَه ويفكّ عنها آثار القيود.

*علي الحمروني(الخال) -مارث5جوان 2022

*الشريفيّة:هي إحدى زوجات الولي الصالح سيدي يحيى بن علي الحمروني قدس الله سره،ولها مرقد وزاوية بمكان يدعى الشريفية وبه مقبرة تسمى بها. وهي إبنة عائلة شريفة من المطوية.

May be an image of outdoors

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *