رسائل سيمون دو بوفوار/ نيلسون ألغرين

  (ثقافات)                                        

       رسائل سيمون دو بوفوار/ نيلسون ألغرين

       

      ترجمة : سعيد بوخليط

     الخميس  12 يونيو1947

حبيبي،

لقد وصلتني رسالتكَ،فاتنة بألوان حمراء، زرقاء، بيضاء،على طراز العلم الفرنسي، رسالة طويلة وظريفة، أبهجتني كثيرا :بوسعي قراءتها أربع أو خمس مرات،دون أن تنتهي تماما غواية الوقوف على جوانب آخرى من مضمونها.أنتَ رائع حقا.

لم تمر ليلة الحفلة حسب الأجواء المطلوبة،فقط تسليتُ لأن كل شيء يسليني دائما.كان القبو على مايرام، رحبا تكتنفه ظلمة يضم حانة جميلة،المقاطع الموسيقية جيدة،إلى جانب وفرة مشروبات جين، الويسكي، الكونياك،أما الضيوف فقد اختيروا بعناية.

رغم كل ذلك،انتهى الحفل إلى الإخفاق،حتما نتيجة إفراطهم في الشرب،دون إدراكهم لمعنى ذلك.

بدوري،حدث معي نفس الأمر،لكني بقيت متماسكة،بينما نام الجميع في غضون ساعتين،ثم شرعوا يبكون وخاصة يتقيئون في كل الزوايا.ساعدتهم على التقيؤ،ووزعت عليهم مناديل،فقد انشغلت كليا بالوضع،لذلك كابدت طامة كبرى.

منذ البداية،انهار موسيقيون من شدة الثمالة،هكذا توقفت  أنغام القيثارة، والبيانو، وكذا الترومبيت.ظل عشرة من بينهم تقريبا سالمين،فاستمرت الأمسية غاية الخامسة صباحا،وكنتُ وحدي فقط متوقِّدة جدا ضمن المجموع.عندما دقت حدود الساعة الخامسة،كم بَدَا ممتعا الخروج والتنزه إبان فجر باريس المذهل. !

فيما بعد،حينما التقيتُ ثانية ضيوفي،أقروا لي استمتاعهم بأجواء الأمسية،بما فيهم النائمين،البكَّائين والمتقيئين.إذن،رغم جلّ ماحدث،لم يكن إخفاقا.

نسيت حقيبتي داخل القبو،لذلك توجهتُ صبيحة اليوم التالي إلى إدارة الفندق قصد إخبارهم والاستفسار عن مصيرها.فعلا،استعدتُها من المديرة التي بادرت إلى سؤالي وأنا أتسلم حقيبتي :

-“ألم تصادفوا عَيْنا هناك؟”.

يا للهول !قفزتُ من الفزع.

-”لا لم أعثر عليها”.

ثم أضافت :”لقد أخبرني أحد الشباب،بأنه نسي عينه في الخمارة بمحاذاة مزهرية ورود،ولم نجدها هناك.عين زجاجية،انتزعها إبان الأمسية كي يظهرها إلى صديق،لكنه نسيها !”.

لم أسمع سابقا كلاما أكثر فظاعة،مما أشعرني باهتزاز للعالم خلال ثانية.

أسعدتني رسالتكَ وقد تضمنت أخبارا عن الشقراء المزيفة(1)،وكذا القطة الكبيرة للآنسة ج.أيضا،سعيدة لكوني علمت انكبابكَ على كتابة فصول روايتكَ.حاولْ أن تنجز الأفضل.لست متيقنة من استحساني للعناوين التي تقترحها(2)،عموما العنوان الثاني أفضل،وإن نزع قليلا نحو عوالم فرديناند سيلين. نعم . ربما، فكرتَ مستقبلا في عنوان آخر مقنع أكثر.

بما أنكَ تهتم بالوجودية،أودّ إحاطتك علما بأن ألبير كامو،مؤلف رواية الغريب، أصدر منذ فترة عملا مهما عنوانه الطاعون، تطرق محتواه إلى موضوع احتلال الألمان لباريس من خلال حديثة عن تاريخ الطاعون في وهران.

 يصف كامو الوباء الفظيع،عزلة المدينة التي انهارت بسببه،وراء أبواب مغلقة خوفا من العدوى،الخوف؛الشجاعة.يحاول بين طيات مختلف ذلك،تأمل دلالة الوجود البشري، وكذا مبررات استساغته.لا أتفق مع جل تصوراته،لكنه يوظف فرنسية جميلة، وبعض مقاطع كتابته تهزّ المشاعر وتخاطب الفؤاد.

أشعر بالخيلاء : تلقيتُ رسائل من أمريكا لتهنئتي بخصوص مضمون المقالة التي اطلعتَ على مضمونها في مجلة” Sunday Supplement ”،مقالة سبق”لصاحب الحسِّ الدَّرَكي”(3)أن احتقرها بدناءة شديدة.أشعر بالزهو،لأنه بحسب المشرفين على المنبر فقد استوعبتُ شيئا من أمريكا.

هل تعلم،بأني قررتُ حتما العودة إلى أمريكا خلال السنة المقبلة والبقاء هناك لمدة طويلة،ومتيقنة في إمكانية العثور على وسيلة قصد تحقيق الهدف. بالمطلق،سأفعل.فلن يمد لكَ يد العون سواء الرب أو الجياد(4)،إن عارضتكَ الظروف بخصوص إمكانية قدومكَ إلى فرنسا.

حين تواجدي في أمريكا،سيكون أمامنا حيز زماني واسع.قد نشتري سيارة،ثم نتخلص منها بإعادة بيعها.أيضا،يحتمل أن نجوب أطراف البلد بالطائرة والحافلة،ثم نمكث لفترة في مدينة نيو أورلينز،أشعر كليا بالإثارة لمجرد استحضار جل تلك الأمور،أعشق تماما خوض غمار سفر حقيقي صحبتكَ.سنتسلى،إذا أمكنكَ ثانية الاستمتاع بكل التفاصيل،وفق ذات التجربة التي عشناها معا في نيويورك. أنت ظريف،وسنتقاسم معا ساعات من الضحك،مما يشكل معطى رائعا. فالعشق والضحك،أفضل رفقة خلال السفر.

بينما حاليا والزمن يصادف مساء سبت،فسأعود إلى البادية، يتهاطل المطر مصحوبا بريح كبيرة. أحب هذا الجو.

مارأيكَ في مستوى لغتي الانجليزية؟ضعيف للغاية،أليس كذلك؟وطريقة كتابتي،هل تعجبكَ؟

حسنا،أحبكَ،جملة بوسعكَ حتما أن تقرأها.

أقبِّلكَ حبيبي، كثيرا، طويلا، وبشغف.

*هوامش :

   (1)صديقة أليغرين،عاهرة، مدمنة على المخدرات، ومتزوجة بلص .

(2)  التمس أليغرين رأي بوفوار بخصوص عنوانين محتملين لروايته.

(3) واحد ضمن زمرة الصداقات الغريبة التي نسجها أليغرين.

(4)أدمن اليغرين لعبة الرهان على سباق الخيول وكذا لعبة البوكر.

*المصدر : رسائل سيمون دو بوفوار، غاليمار،1997 .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *