الفن يحرس الحياة: التشكيل والاستدامة
* حورية الظل
تتمثل استدامة الفن التشكيلي في استدامة مقاومة الفنانين بواسطة فنهم لكل ما يضر بالبيئة، لأن ما يتمتع به فن البيئة هو تلك القدرة التي تلهمنا من أجل تغيير وعينا الاجتماعي وتقويم سلوكياتنا، كما يحثنا على إحداث تغيير حقيقي في محيطنا لتعزيز الاستدامة البيئية التي تتلخص في تكريس ما يحافظ على الكوكب، والوعي بخطورة ما يهدده، وبالنتيجة ما يهددنا أيضا، وما كوفيد – 19 إلا نموذج على ذلك، ويمكن اعتباره تحذيرا للبشر ليغيروا سلوكهم تجاه بيئتهم، لأن الفيروسات تنشط وتتكاثر وتتنقل مع التلوث البيئي، ويرى اللغوي والفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي أن “الدرس الأول الذي يمكن تعلمه من كوفيد – 19 هو أننا نواجه إخفاقًا هائلاً، وإذا لم نتعلم الدرس من هذا الوباء، ففي المرة القادمة إن حدث شيء مشابه، فسيكون الأمر أسوأ بكثير”. ومن هنا فإن الفنانين التشكيليين يقومون بدورهم من خلال أعمالهم الفنية لنشر الوعي بضرورة نهج أسلوب حياة أكثر استدامة، فنجدهم “من خلال قوة خيالهم وأدواتهم ، يلفتون الانتباه إلى الواقع الذي لا يمكن إنكار الضرر البيئي الحاصل به، مع تأكيدهم على الحاجة إلى أسلوب حياة مستدام، فيركز بعضهم على إعادة النظر في وسيطهم الفني فيتبنّون وسائط أكثر استدامة، مثل الفن سريع الزوال وفن الأرض والفن المعاد تدويره أيضًا”.
للفن البيئي تاريخ طويل، لكن مع المخاطر المناخية المتزايدة ازداد اهتمام الفنانين بالموضوع في محاولة منهم لنشر الوعي بضرورة الحفاظ على الكوكب وإيجاد الحلول للمشاكل التي تهدده، ولتحقيق ذلك تبنوا وسائل جديدة ومغايرة وقادرة على التعبير عن ذلك، حيث لم يعد الفنان يكتفي بالتعبير عما هو جمالي محض، وإنما أصبح يُخضع عمله لرؤيته الخاصة التي تمكنه من لاحدودية التعبير وخصوبته، وهو أمر يمكّن المتلقي من التفاعل مع هذه الأعمال والتأثر بالرسائل المحملة بها.
البـدايـات
إن الطبيعة من أهم مصادر الإلهام لدى الفنانين، لذلك حضرت في لوحات الفنانين الكلاسيكيين والرومانسيين والانطباعيين الذين عُرفوا بخروجهم للرسم في الهواء الطلق بدل القيام بذلك في الأستوديوهات المغلقة، وبدأت بوادر استدامة الفن مع الدادائية والتكعيبية، فبابلو بيكاسو مثلا استعمل في بعض أعماله الجرائد القديمة والخشب، كما أنجز لوحة «الحلم» بالزيت على قطعة كرتون ومنحوتته «رأس الثور» استخدم لإنجازها مقودا وكرسي دراجة، وهاتان المدرستين تأثر بهما فن البوب والذي من أبرز فنانيه أندي وارهول، ومن أوجه ذلك التأثر أخذه عنهما تقنية الكولاج والتركيب والتجميع وهي تقنية لخصها أولينير بقوله “يمكنك أن ترسم بأي مادة تعجبك، بالأنابيب والطوابع البريدية والبطاقات أو أوراق اللعب.. وقطع القماش والجرائد”، وبالإضافة إلى ذلك اعتمد فنانو البوب التنصل من العرض في الأماكن التقليدية المغلقة كالمتاحف والمعارض واستبدلوها بأماكن مفتوحة في الطبيعة كالحدائق، فخرجوا بالأعمال الفنية من صالات العرض ومكّنوا الجمهور الواسع من رؤية هذه الأعمال والتواصل مع الفنانين، ومن الفنانين التشكيليين العرب الذين سلكوا نفس النهج، فريد بلكاهية، حيث نظم سنة 1969 بالتعاون مع فنانين آخرين معرضا بساحة “جامع الفنا” بمراكش في الهواء الطلق، وهو بعنوان “المعرض الواضح”، وهذه كلها أمور تعد إرهاصات أولى لفن البيئة.
لكن انتباه الفنانين إلى الضرر الذي لحق بالبيئة وتبنيهم للفن المستدام بدأ بدايته الحقيقية مع فناني البيئة حيث “عمل الفنانون في هذا المجال في الغالب تحت راية جماعة “فناني البيئة”… وتجدر الإشارة إلى أن أعمال هؤلاء الفنانين “كانت في الغالب ذات طابع مفاهيمي، وأكبر حجمًا.. وفن الأرض على سبيل المثال، كان جزءًا مهمًا من هذه الحركة”.
كيف يساهم التشكيل في استدامة الكوكب؟
إن الحوار العام حول استدامة الكوكب، يجعل الفنان التشكيلي داخل التجربة، حيث تُعدّ جهوده وإنجازاته الفنية تعزيزا لهذا الحوار، وتتمثل هذه الإنجازات في تنفيذه لتصاميم وأعمال فنية تخدم البيئة، ومن خلالها يجنح الفنان للغة فنية تؤسس لطرح الأفكار والتساؤلات والتطلع لإيجاد الحلول للمعضلات البيئية المهددة للكوكب، فينتج الفنان من خلال أعماله الفنية خطابا بصريا لا يخضع للحكم الجمالي للمتلقي، وإنما للدلالات المتعددة التي يحبل بها، كما هو الأمر في الفن المفاهيمي بصفة عامة وفن البيئة بصفة خاصة، إنه فن يقوم على الفكرة التي يخضع لها الشكل، فهي التي توجه الفنان لبناء عمله الفني وإنتاجه، وحسب الباحث المغربي فريد الزاهي “فإن الفكر الثاوي في العمل الفني وأصالته الإبداعية هو ما يمنح للعمل قيمته الفنية والجمالية”، كما أن الفنان يستفز المتلقي من خلال الزج به في عمله الضاج بالأسئلة، ليحثه على البحث في الجوانب الفكرية للعمل الفني فيصبح شريكا فيه، فينجرُّ بدوره إلى مشاركة الفنان أسئلته الحارقة، ومحاولة إيجاد إجابات شافية عن الواقع الذي أصبح التلوث من معضلاته كتمهيد للانتقال إلى المرحلة الموالية وهي المشاركة في التغيير لتحقيق استدامة الكوكب، والسبيل السالك إلى ذلك يتمثل في تغيير هذا المتلقي لسلوكه، وقد أكد ذلك الفيلسوف الفرنسي السويسري المتخصص في القضايا البيئية دومينيك بورغ بقوله “عندما نكون أمام ظاهرة من مستوى مختلف، وأمام خسائر من مستوى مختلف، تنهار كل تدابيرنا المعتمدة على التقنيات، حيث الحلول تصبح جزئية، فتصبح الطريقة الوحيدة للمواجهة هي العودة وإلى السلوكيات لذلك لن يتم تقليل التلوث على المستوى العالمي بالتقنيات، بل بالسلوكيات، هذا هو الدرس المستفاد”.
ونظرا إلى ضيق المجال سنتطرق لنوعين من الفنون التي تهتم بالبيئة، وهما فن إعادة تدوير النفايات وفن الأرض الذي يستفيد مباشرة من الطبيعة.
إعادة تدوير النفايات
وإعادة التدوير في الفن أو استعمال النفايات كمادة أولية لإنجاز الأعمال الفنية، ليست وليدة الوقت الراهن الذي أصبحت فيه النفايات تشكل همّا يثقل كاهل كل الأطراف، وإنما شكل فن التدوير في فترات محددة عند بعض المدارس الفنية ثورة على السائد وأيضا نوعا من تبني بعض الفنانين لفكرة مفادها أن الأشياء التافهة والمهملة يمكن تحويلها إلى عمل فني له قيمته الجمالية، وأول الفنانين الذين قاموا بإعادة التدوير مارسيل دوشان وتمثل ذلك في قيامه بإنجاز عمل فني سنة 2013 وهو عبارة عن تركيب عجلة دراجة على كرسي خشبي، وقد اعتمد أشياء «لا جميلة ولا قبيحة» بحسب قوله، أي أشياء مجردة من كل قيمة لإنجاز عمله الفني، فكان رائدا في اعتماد فن إعادة التدوير، وهو بذلك يكون قد أكد على إمكانية جعل الفن ينتمي لليومي والعادي، فكان عمله استباقيا، وقد خرق من خلاله المتعارف عليه بطريقة مستفزة للذائقة البصرية وقتها، لكنه بالمقابل، حسب الناقد فاروق يوسف “استطاع أن يكون له أكبر الأثر في صياغة فن المستقبل”.
وتدوير النفايات وتحويلها إلى أعمال فنية ظهر أيضا بعد الحرب العالمية الثانية التي خلفت مدنا مكدسة بكتل من النفايات الحربية، فلجأ الكثير من الفنانين إلى إعادة تدوير الأسلحة الحربية المعطلة التي خلفها الجنود، وتحويلها إلى تحف فنية سعوا من خلالها إلى إعادة بعض الجمالية المفقودة إلى المدن التي شوهتها الحروب.
أما الفنانون المعاصرون فقد اعتمدوا فن إعادة التدوير كنوع من الإسهام في الحفاظ على استدامة الكوكب والإسهام في نشر الوعي للحفاظ عليه بطرق جمالية، حيث يقوم الفنان بتحويل النفايات إلى قطع فنية لها قيمة جمالية ترقى بالذائقة البصرية للمتلقي، وفي نفس الوقت تساهم في تخفيف العبء عن البيئة المثقلة بالنفايات، ويؤكد ذلك الفنان والنحات السوري سليمان أحمد فيرى بأن “الهدف من الفن البيئي هو الإقناع بأن كل شيء يرمى من الممكن أن يشكل عملا فنيا إذا أعيد تدويره بشكل فني”.
وأيضا يعدُّ اهتمام الفنان بإعادة التدوير تأكيدا على وعيه بقدرة الفن على الإسهام في التغيير، ويؤكد ذلك الفنان التشكيلي السوري باسم الساير بقوله “بتخفيض كمية النفايات التي ننتجها، نصل إلى عالم أكثر إشراقة وبهجة، ولا يوفر لنا ذلك إلا الفن”. (الساير يعيد تدوير النفايات.. الفنّ خلاص البيئة، شاكر نوري، العربي الجديد، يوليو 2014).
وبذلك يساهم الفنان التشكيلي الذي يعي المخاطر التي تهدد الكوكب والبشر، بأعماله الفنية في تحقيق الاستدامة من خلال تدوير النفايات وتحويلها إلى قطع فنية وتحميلها بمفاهيم جمالية تخدم الفن والبيئة، فتصبح هذه الأعمال الفنية تحديا للممارسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية العالمية الضارة بالبيئة,
والأعمال الفنية الناتجة عن التدوير لها مقتنون يشجعون هذا النوع من الفن لإيمانهم بأهميته وبإسهامه في استدامة الكوكب وأيضا بجماليته، حيث “ترى مديرة ستانس غاليري في بروسيلز ببلجيكا ماريون دونيه أن الأعمال الفنية القائمة على إعادة التدوير تعتمد على إيمان المقتنين بمفهوم الاستدامة وأهميته للمجتمع، كما تعتمد على ذائقتهم في جمع الأعمال الفنية المعاصرة لما تقدمه من إضافة جمالية تمنحها للمكان من خلال طبيعة المواد المستعملة ودلالاتها المعنوية والمادية”. (سلمى العالم، مبدعون: توظيف الاستدامة في الفن يمنح البيئة جمالاً خاصاً، صحيفة الرؤية، 16 يونيو، 2021).
فن الأرض
فن الأرض هو فن بيئي، وهو أحد اتجاهات الفن المفاهيمي، ومن خلاله يقوم الفنان بتحدي المعارض المغلقة، حيث يتم إنتاج العمل الفني مباشرة في البيئة الطبيعية، والمادة الأساسية لهذا النوع من الفن هو الطبيعة، فيقترب بذلك الفن من أسلوب الحياة والبيئة الطبيعية نفسها، حيث يتم صنع الأعمال الفنية من عناصر الطبيعة، كالصخور والتراب والرمل، ومن هذه الأعمال “حقول البرق” للفنان والتر دي ماريا، ويتمثل هذا العمل في تركيب دائم مكون من 400 عمود فولاذي تتوزع على مسافة ميل واحد، وتوجد في سهل صحراوي في كويمادو بنيو مكسيكو، وأيضا مزج ألان سونفست الطبيعة والثقافة في عمله الفني، حيث أعاد الطبيعة التاريخية والفن المستدام إلى مدينة نيويورك، من خلال زرعه لغابة حضرية في قلب مدينة نيويورك، وهناك عمل آخر ينتمي لفن الأرض لروبرت سميثسون ، وهو عبارة عن ممشى حلزوني الشكل يتألف من 1500 قدم تم بناؤه باستخدام 5000 طن من الصخور البازلتية ويعد القطعة الأشهر في الأعمال المحسوبة على فن الأرض، ويوجد في البحيرة المالحة الكبرى في شمال ولاية يوتا بالولايات المتحدة الأميركية.
وما تمكن ملاحظته، أن الأعمال الفنية المنتمية لفن الأرض تسمح للإنسان بالاتصال بالبيئة وتذكّره بجمال الطبيعة وبضرورة الحفاظ عليها.
التقنيات الرقمية
لجأ الكثير من الفنانين التشكيليين إلى التقنيات الرقمية لإنجاز أعمالهم الفنية من أجل الإسهام في استدامة الكوكب، وسبب قيامهم بذلك حسب الفنان التشكيلي الأميركي باتريك جيليسبي أن “الحياة المعاصرة تسير باتجاه أكثر تعقيداً، وأصبحت في حاجة إلى أدوات تعبيرية جديدة”.
وأشهر هؤلاء الفنانين، ناتالي جيريمينكو وجيمي شولت وبروك سينجر، وتمكن هؤلاء الفنانون “من إنشاء مشاريع فنية مستدامة تطور ما يسمى أحيانًا ‘علم المواطن’، وتنبني هذه المشاريع على تحويل الأجهزة المحمولة من أدوات اتصال بسيطة إلى أدوات قياس متصلة بالشبكات المتنقلة، تراقب العوامل البيئية مثل جودة الهواء أو التلوث، وهذه المشاريع قامت بدمج ما هو رقمي وتقني بما هو بيئي من خلال إنشاء ومشاركة وإعادة دمج التقنيات الجديدة والمتطورة، من أجل التمكين من زيادة الوعي بالاستدامة وأيضا تمكين المواطنين من المساهمة في صنع القرار بشأن بيئتهم”.
وتؤكد ناتالي جيريميجنكو الفنانة والعالمة الأسترالية من خلال أعمالها الفنية، على ضرورة استثمار التكنولوجيا في الفن لخلق نظام بيئي صحي بطريقة جماعية من خلال اغتنام الفرصة الحقيقية التي تقدمها التقنيات الجديدة، للبدء في التعامل مع التحديات البيئية المهمة، وكنموذج على هذا النوع من الأعمال الفنية التي تعتمد التكنولوجيا، عمل ناتالي جيريميجنكو الفني حول صحة الأسماك، ويتلخص هذا العمل في تركيب عوامات تطفو فوق الماء في نهر ديروينت، وترتفع متراً واحداً إلى الأعلى، وتغوص متراً آخر تحت الماء، وعندما تمر سمكة أسفل العوامة، ينير ضوء في الأعلى، فيتحول إلى اللون الأحمر كإعلان عن ندرة الأكسجين المذاب في الماء. أما وفرة الأكسجين فيدل عليها تحول الضوء إلى اللون الأخضر والأزرق، وتمكن هذه التقنية من خلق مهرجان من الألوان على سطح النهر في الليل، كما يستطيع الجمهور أيضاً الاطلاع على جودة المياه من عدمها من خلال تمثيل مرئي. وترى جيريميجنكو أن “هذا المشروع يجعل ما هو غير مرئي؛ أي الأكسجين المذاب في الماء، أحد أهم العوامل في صحة النظام البيئي”.
وبالإضافة إلى ذلك فإن المعارض الفنية الحقيقية أيضا تساهم في زيادة التلوث، لأنها تتطلب تنقل الأشخاص والتغليف والشحن، لكن مع جائحة كورونا استبدلت هذه المعارض بمعارض افتراضية، وبذلك يكون سوق الفن قد غيّر القائمون عليه طريقة إدارتهم لأعمالهم، فساهموا في تقليل التلوث، كما اكتشف أصحاب دور العرض، في العالم الافتراضي طريقا سالكا لتوسيع قاعدة جمهورهم وإشراك مجموعة متزايدة من جامعي الأعمال الفنية المحتملين الأصغر سنا، فتحولت العديد من المعارض إلى منصات افتراضية وأصبح سوق الفن يخصص المزيد من الموارد لمواقع البيع عبر الإنترنت، وهذا التوجه نحو ما هو افتراضي يعد أكثر استدامة لأنه يحفظ البيئة ويلائم توجهات سوق الفن ويخفف من الإكراهات التي نتجت عن كوفيد – 19.
الفن التشكيلي المستدام
من مظاهر الاستدامة في الفن، قيام عدد متزايد من الفنانين التشكيليين بمبادرات لها تأثير إيجابي على الكوكب، من خلال تجنب المواد الشائعة في التشكيل باعتبارها مواد ملوثة للبيئة واستبدالها بمواد بديلة تخدم البيئة “لأن إنشاء فن مستدام يدعو إلى ضرورة الانتباه إلى المواد المستخدمة، فالألوان الصديقة للبيئة، على سبيل المثال، اكتسبت مكانة بارزة في الآونة الأخيرة كخيار قابل للتطبيق، وهي مصنوعة من مكونات غير سامة، كما أنها غير ملوثة وليس لها تأثير سلبي على البيئة، خاصة عند التخلص منها. ويعد استخدام الألوان الطبيعية، المصنوعة من أصباغ مشتقة من النباتات خيار سليم من قبل الفنانين”.
وسنمثل على ذلك بفنان تشكيلي مغربي وهو الراحل فريد بلكاهية الذي استخدم في أعماله الفنية التي أنجزها على حوامل من الجلد والخشب، ملوّنات ذات أصل طبيعي، كالحناء والزعفران وقشر الرمان والصمغ، فيغدو بذلك الجِلد مثلا عند بلكاهية حسب الباحث المغربي فريد الزاهي “بشرة العالم والأصباغ تلاوينها الطبيعية التي بها تبدو تضاريسها وجغرافيتها المقدّسة”. (فريد الزاهي، بلكاهية… الفنان الذي يسبر أسرار الوجود، العربي الجديد، 3 نونبر 2014).
تضافر الجهود من أجل مستقبل مستدام
من أجل استدامة الكوكب لا بد من تضافر الجهود لتحقيق ذلك، خاصة وأن الاستهلاك المفرط هو ما أدى إلى استنزاف الطبيعة، لذلك فإن الفن يوجه رسائل إلى الساسة أيضا من أجل اتخاذ قرارات تخدم الكوكب، فيتجاوز بذلك ما هو جمالي إلى المطالب السياسية، لأن بعض القرارات السياسية تؤدي إلى تدهور الطبيعة، كما أن القرارات السياسية أيضا تملك صلاحيات تقليص استنزاف الكوكب، ومن هنا يمكن اعتبار فن البيئة نوعا من النضال من أجل تحقيق التوازن البيئي والحفاظ على الكوكب، لذلك نجد الفنانين يرون بأن أعمالهم الفنية غير كافية لتوصيل رسائلهم إلى المتلقي ولإحداث التأثير المطلوب، يلجؤون إلى عقد المؤتمرات والندوات مع الشركاء كالعلماء والفلاسفة، وكمثال على ذلك، انعقاد ندوة دولية حول الاستدامة والفن المعاصر في جامعة أوروبا الوسطى ، في بودابست (المجر) في مارس 2006 وقد اجتمع في هذه الندوة الفنانون المعاصرون والفلاسفة والعلماء المتخصصون في العلوم البيئية، وفي مارس – أبريل في عام 2007، انعقدت ندوة حول الفن والبيئة في جامعة لوبانا في لونيبورغ كما ركزت شبكة أبحاث الفنون التابعة لرابطة علم الاجتماع الأوروبية على “الفنون والاستدامة” من خلال مؤتمرها الذي تعقده مرة كل سنتين، ومثل هذه اللقاءات الدولية تؤدي إلى تطور النقاش حول علاقة الفن المعاصر بمفاهيم الاستدامة، عبر العالم، كما تنبه لفداحة المخاطر التي تتهدد البيئة ولضرورة اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية تحقق استدامة الكوكب.
ومن هنا يتأكد بأن الفنان يسعى من خلال أعماله ومشاريعه الفنية إلى خدمة البيئة بهدف إحداث تغييرات تصحح علاقة الإنسان بالطبيعة وتشكل تفاعلا يحدث فرقا لصالح البيئة التي أضحت متضررة، وهذا يؤدي إلى تحسين صحة الإنسان والبيئة وإلى مستقبل مستدام.
-
كاتبة من المغرب
-
عن مجلة الجديد