خاص- ثقافات
*عبد اللطيف رعري
ابْتِلاءٌ
مِنْ نُفُوسِنَا…
وَلاَ شَيءَ مِنَ السَّماءِ ….
تعَبٌ يلِيهِ تعبٌ…
حَرِيقٌ أنْجَبَ الحرِيقَ…
حَريقٌ يَأكُلُ الطَّريقَ …
وغَرِيقٌ يُعانِقُ غَرِيقْ…
وَلاَ شَيءَ مِنَ السَّماءِ
هَاتُونِي ذِرَاعَ اللهِ الخَلِيقِ …
هاتُونِي مَفاتِحَ الكَونِ العَرِيقِ…
هَاتُونِي حِصَّتِي مِن نُورِ الأنبْياءِ السَّمِيقِ …
وَلاَ شَيءَ مِنَ السَّماءِ …
هَاتُونِي دُمُوعِي وَصَفاءَ البرِيقِ …
هاتُونِي مِن خُلدِ الدَّهْرِ ذُرَّةَ دَقِيقٍ…
هَاتُونِي مِن نَفْحِ الجَلالَةِ بُزْغَةً لأسْتفِيقْ،
وَلاَ شَيءَ مِنَ السَّماءِ ….
هاتُونِي أسْمَاءَ الثَّورَةِ شَامِخَة ًأقَبِّلُهَا
وَالحَرْفُ البَّرَاقُ
هاتُونِي الاعْلاَمَ العَربِيةِ أتلَحَّفُهَا
لدِفْءٍ مُطَاقٍ…
هاتُونِي رَائِحَةَ الشَّهَداءِ أسْتَهْدِي بِهَا لِرُوحِ اللهِ….
فمَا ابْتلِائِي اليَومَ إلِّا مِنْ وَفَائِي
حَتَّى ألقَى اللهُ …
وَلاَ شَيءَ مِنَ السَّماءِ ….
فالابتِلاَءُ فِي نفْسِي وَلاَ شَيءَ مِنَ السَّماءِ
تعَبٌ يليه تعبٌ…
سَفرٌ فِي المُحَالِ يُنهِي احْتِمالَ المُمْكِنِ ….
سَاعَاتِي تُرَوضُهَا المَتَاهَة بِخَجلٍ
وَحَجَرُ الأسَاسِ تُبكِيهِ فُرشَةُ دُمُوعٍ حَارِقَة ٍ
لمَنْ صَدَاهُ يَقتَرِبُ مِنْ بَهْوِ الفَرَاغِ؟
يَزْرَعُ تُربتِي بِفَيضِ المَعَانِي
وَيَشُدُّ قَصَبِتِي بأزْرٍ لاَ ينْقَطِعُ
فَمَآلُ الجُرْحِ بَثْرٌ لِلألفَةِ
وَتلْكَ الأضْوَاءُ كَاذِبة …
وتِلكَ الانوَارُ صَادِمَة …
وهَذَا اللَّيْلُ أطْوَلَ مِنْ مَغَصِ الشُّكُوكِ
فإمَّا ثَوْرَةٌ رُؤُوسُهَا أبْرَارٌ
وإمَّا حُفْرَةٌ عُمقُهَا سَعِيرٌ للاشْرَارِ
لمَنْ غُناهُ يُعَمِّقُ أنِينَ الارْتحَالِ
منْ شِبرٍ يَمْشِيهِ حَافِياً
وَشِبْرٌ يَأوِيِه عَارِياً…
قِصَرُ القَامَةِ …
جَفْوةٌ لاَ وَسَامَة…
غِلظَةٌ وَشَرَاسَةٌ وَقتَامَةٌ …
بالأيْدِي خَصَاصَةٌ …
وَمَا تَخْطُوهُ نَمْلةٌ فِي اليوْم ِ
أخْطُوهُ نِصفَ العُمْرِ ..
أرْكُضُ لِجُنُونِي مَسَافَةَ غَمزَةٍ…
أرَاوِغُ خُيُوطَ الشَّمسِ …
لِتَنجُوا الأعْشَابُ مِنْ نَفثِ الطُّفُولةِ
أحْترِقُ….
بِذكرَياتِي …
بِآلامِي…
وَمَواجِعِي ….
فيَحْتَرقُ بهَائِي فِي كَفِي…
وَمَا فِي ظُنوُنِي انَّ الامْرَ ابتِلاءٌ
مِنْ نَفسِي فَأنَا لهَا الظّالِم ُ
ومِن السّماءِ فَلُزُومِي الثَّوبةُ وَبُكَاءٌ فِي كُلِ حِينٍ .
أمّا مِنكُم ايُّهَا القُسَاة ُ
يَا أهْلَ السَّحْلِ وَالقَتلِ
وَصُنعِ الرِّياءِ
يَا قُطاعَ الطُّرقِ ….
يَا مَنْ لَهُم فِي القَصْفِ شُؤُونٌ…
وفِي المَكْرِ فنُونٌ..
الحَارِقِي الأرْضَ وَالنَّسْلِ
والعَاقِّي الامَّةِ والاهْلِ
مَهْلاً فَالابْتلِاءُ قَادِمٌ
الابتِلاَءُ قَدَرٌ حَاسِمٌ
فأمْرُكُمْ شُورَى بَينَنا
حِينَ الاجَلُ المَحتُومُ
وشَطَارَتِي سَتُرينِي أيْنَ أصْطَادُ الكَلمَات …
أين أصْطَاد ُالأحْلاَم ..
أينَ أصْطادُ مقَامَاتِي بينَ الاشْرَارِ
واجْعلُهَا لقَصَائِدِي لبِنَاتٍ
وازُفُ فِيكُم رَغْبتِي لِلوَفَاة ِ
رَغْبتِي لا للْحَياة ِ
ولكُمْ فِي مَا تصْنَعُونَ بقَايَا وَفُتَاتٍ
فأهْلِي يَحْيونَ فِي كُل خَلقٍ عظيمٍ
وآثَارُ القُدْسِيةِ يُعفِيهم مِن المَوْتِ
الجِّبالُ تُعرِفُهم….
والأشْجارُ تُظلِّلهُم …
والبِحَارُ تُعِيدُهُم الى وَجْهِ اللهِ
وَلهْفتِي باقٍ دُخَانُها يرسُمُ المُنعرَجَات
مِن صَدْرِي
حتّى تَتنصّلُ سُيُوفِي مِن بُقعِ الدَّم
ومَا ترَاهُ العَينُ بِعنَايَةٍ مُسْتَهلَّ الرِّوايةِ
ومَا عَلَى ظَهْرِهِ تعْرُجُ أقْدامَنا غِوَايةٍ
وَمَا يَتسَامَى بنُفُورِنَا رَهْبةٌ ذاوِيةٌ
من السَّماءِ حتّى السَّماءِ
تَحْضُرُنا وَسْوسَةُ الرّحِيلِ علَى عَجَلٍ
تُمْطِرُنَا الدَّهشَةُ بِحُرقَةِ الغيَابِ
وَتَلتفُ حَوَالينَا الاجْرَام ُللصَّلاةِ
منْ علَى يَمينِهَا بِدَايَة الخَلقِ
ومَنْ علَى يَسَارهَا نِهَايةُ المُطلقِ
وَمَا فِي المَلكُوتِ نَزيهٌ غَيرَ الرَّب
أبتِلاَءٌ أنِّي أسْلَمْتُ نفْسِي لرَعْشَةٍ بَارِدةٍ؟
وتَرَكْتنُي للسَعاتٍ سَامَة
تَارَة أجَنُّ وَأغْلقُ بَوابةَ المَمْلكَة
وأسْقِطُ صَوامِعَ بيُوتَ اللهِ
وألقِي أغْرَاضِي فِي حُفرِ النَّارِ
وَأعْفِي الخَدمَ مِنْ ألوَانِ الحِرَاسَةِ
وآخِرُنَا قَبلَ إغْلاقِ الأبْوابِ
سَيُحْصِي ثِقابَ الأسْوار ِ
وَيَمسَحُ وَجْهَ العَاصِفَة عَنِ الصِّبيَةِ والأتْرَاب
لأُعِيدَ بنَاءَ المَسَارِحَ فِي سَحَابٍ يهْوَى الرَّحِيِلَ
وَتارَة ألعَقُ الهذَيانَ مِن حَضِيرَةِ الغِربَانِ
وأمَنِّي النفْسَ بالبُكاءِ فأغْضَبُ
الغضَبُ آفَتِي
الغَضَبُ حِيلتِي
الغَضَبُ شَهَادَةٌ علَى ابتِلائِي
حتَّى يَنجَلِي صُبحِي شُعْلَة تَعِدُ القَمَرَ بِالأبَد
وتغْوِي أعْدَاءَ الحُريةِ بِالزَّوال ِ
أبتِلاءٌ أنِّي كُلمّا صُحْتُ بقَوْلِ الحقِ
أفزَعُوا أمِّي مِنْ نَومِها..
أفاقُوا ضَجَرَ أبِي المِسْكِين….
فتّشُوا دفاتِرِي ..
قيَّدُوا يُمنَاي ليُسْرَاي
وأخْرَجُونِي فِي مَنامَتِي…
وخَدَشُوا وجْهِي بالصَّفعَاتِ
وأجْبَرُونِي علَى ظُلمَةِ الزّنزَانةِ
ولكُم انْ تَعُدُّوا عَنَاوينَ المُسَاومةِ …..
مُقَابلَ التّنازُلِ
ابتلاءٌ أن أجُوعَ وأشقَى…
ثُم أجُوع وأشْقَى…
بكُل الصِّفاتِ ….
أنْ احْيا وأفنَى …
ثًمَّ أحيا وأفنى…
بلا نِهايِات…….
ولا شيء َمن السَّماءِ
الابْتْلاءُ أقصَرُ الطُّرُقِ لِمَعْرِفَةِ الثَّورَةِ
فَلاَ تُبِيحُوا بِأحْلامِكُمْ للْحَائِطِ
وَالطَّعْنَةُ التِّي تُصيبُ فَرْدًا تُصِيبُ بَاقِي النَّاسِ
لَا تَفْشُوا السِّرَ لِلأدْرَاجِ الهَشَّةِ…
فَكَمِينٌ مِنْ وَحَلِ الجِبَالِ يُشَيِّدُهُ النَّملُ الأحمرُ ….
فَرُشُوهُ دَمًا….
وَضَعُوا أطْرَافَ أسْمَالِكُم فِي مَهَبِّ الرِّيحِ
وَسِيرُوا الهُوَيْنَةَ علَى نِصْفِ سَاقٍ
فَالنَّهْرُ تَغْتالُهُ الغِيرَةُ
حِينَ يَغْرَقُ طِينُ الرَّوَابِي فِي عَرَقِ وَرْدَةٍ
فَيُصَوِّبَ كَعَادَةِ الغُزَاةِ سَهْمًا
فِي صَدْرِ شَجَرَةٍ كَانَتْ تُظَلِلُهُ
فِي ثَغْرَةٍ تَفْصِلُ الشَّمْسَ عَنْ حَرِّهَا
كَانَتْ تَسْتَثْنِيهِ عَنْ غَمْضَةِ العَيْنِ
فِي فَوْهَةٍ مِنْهَا تُطِلُ نَسَمَاتُ الصَّبَاحِ
كَانَتْ فِي نَسْجِهَا لِفَجْرِ الثُّوَارِ تَعْلُوهُ بِالوِشَاحِ
أمِّنُوا حُلوُلَ الصَّبَاحِ….
وَتَرَاصُّوا فِي طَابُورِكُمْ للِصَّلاحِ….
فَالابْتِلاءُ ابْتِلاءٌ…..
وَلاَ شَيءَ فِي السَّمَاءِ غَيْرَ السَّمَاءْ
_________
*شاعر مغربي/منتبوليي- فرنسا