مقص البستاني

خاص- ثقافات

*تأليف : كيفن سبيد / ترجمة: د.محمد عبد الحليم غنيم

       رفعت قميص زوجتي ونظرت إلى بطنها . رأيته يتحرك هناك ، رأيت سلسلة ظهره من وراء جلدها ، قالت :

  – نحن فى حاجة إلى مقص الأعشاب  .

  • أكره مقصات الأعشاب .

  • أوه ؟ ارتقعتت الحشائش إلى فوق الركبة وامتلأت بالقمامة .

  • عشبنا هو الملجأ الوحيد للفرشات فى الشارع فإذا قطعنا الأعشاب ،أين ستذهب الفراشات ؟

  • ربما تطير إلى النهر وتعيش هناك حياة رائعة ، لكن من يهتم ؟

  • من يهتم ؟ من يهتم ؟ أى نوع من السلوك ذلك نحن ننقذ الأرواح هنا .. هذه الفراشات جزء من هذا العالم .

  • سوف نفقده هناك ، سوف يخوض فى الوحل وراء اللعبة ، ولن نراه مرة أخرى مطلقاً .

  • أوكيه ، حسناً ، سأقطع العشب ، ويمكن للفراشات أن تأكل خراء وتموت .

 ضحكت زوجتي وأسدلت القميص إلى أسفل على ابننا . كنا نجلس على درجات السلم أمام مدخل البيت الأمامى ، لقد اعتدنا أن نجلس هناك ونشرب البيرة ، لكننا توقفنا عن ذلك بعد أن حملت زوجتي . أفتقد هذا . أفتقد هذا بشدة . لماذا كنت أبدو مثل أحمق ومجنون ؟ لماذا كنت مثل المخبول ؟

 قالت :

–    هل تنوي أخيراً أن تذهب وتفتح حساباً بنكياً هذا الأسبوع ؟

   – وهل أنا الآن فى حاجة إلى مقص أعشاب و حساب بنكي ؟

   – لعلك أيضاً تفكر فى  شراء حذاء جديد .

نظرنا إلى حذائي القمئ الحزين. ثم لكي أجعلها تتخلص من مسألة عنادى قلت:

  • إذن ما شعورك وأنت ترين شخصاً أخر ينمو فى داخلك ؟

  • أوه ، عليك أن تعتاد على ذلك .

  • لا يمكنى أبداً أن أعتاد على شئ مثل ذلك .

  • لا ، أنت اشتنكيت من الغثيان … أنت تتشتكى من كل شىء

  • ليس هذا عدلاً . إنها الطبيعة . أنت فهمت خطأ تساؤلى عن السخط .أنا فقط أحب أن أخبرك عن الزقت الذى أحبطنى .

  • أنت تشتكى من كل شئ .

  • ربما فعلت ، من يعلم ؟

نخست ابنى وقلت :

  • أنت محظوظ أيها الوغد .

  • لا توقظه

  • كيف عرفت أنه نائم ؟

  • عندما يكون فى داخك شخص أخر ، تعرف إذا كان هذا الشخص نائماً أم صاحياً ، إنه مجرد شيء من تلك الأشياء .

  • هاه . لم أكن أعرف ذلك . لم أفكر حقيقة فى ذلك مطلقاً .

خرج الجار من منزله وبدأ يسقى شجرة الأرز الصغيرة والتى يحتفظ بها فى الفناء الأمامى لمنزله.

 قلت :

  • تلك الشجرة مثل ابنه .

  • يايسوع . اتلك هى فكرتك عن الأبوة ؟ يا إلهى ؟

  • ما الذى ينبغى أن أعرفه عن الأبوة ؟ وكيف يمكن أن أعرف ؟

  • هل تعيش فى هذا العالم ؟ هل لديك جهاز عمل من مقلة العين يتصل بالمخ داخل رأسك ؟

قلت :

  • أراهن أنه مستريح جداً فى داخل رحمك .

 تطلعت إلى ، فقلت :

  • نوع من المرجيحة الشبكية ، وددت لو مقايضة مكانه بدقات قلبى  .

قالت :

  • ذلك مقزز .

  • يرقد طوال النهار . فقط يرقد هناك . مستريحا .

  • يامسيح ، أشعر حقاً بالغثيان .

 قلت بعد لحظة من التفكير :

  • أعتدنا على أن نشرب البيرة .

  • ماذا ؟ اذهب إلى الحى وهات بيرة .

  • أنت فى الربع الثالث من الحمل .

  • نعم ، حسناً ، أستطيع أن أتعامل مع كوب من البيرة فوراً . هذه حارة ! لمن كانت فكرة بناء هذه المدينة هنا . لابد أن يكونوا قد بنوا هذا المكان فى وقت الشتاء .

    اعطتنى بعض النقود وقالت :

  • اذهب وانظر إلى فتاتك الصغيرة .

   مشيت وراء الجار . كان يمسك بالخرطوم فى يده ويحدق فى الماء الخارج منه كما لو كان لا يصدق ما يشاهده . كانت الحياة ساحرة جداً وغريبة . مدهشة ! كلنا سيموت ذات يوم ، لكن لا يهم.

     سرت فى طريقى ، كات الوحيد بلا طفل  فى حينا ، و ربما فى المدينة كلها ، الذى اعتاد  امشى على الرصيف كل يوم  . لذلك  كانت معروفا بسوء السمعة فى ذلك الأمر . عندما مشيت بجوار المنزل ، خرج الناس إلى نوافذهم يحدقون فى السيارة ، ولكن بغرابة أقل .

    كانت الفتاة التى تعمل فى متجر الحى فى السادسة عشرة من عمرها ، وجميلة بشكل غير طبيعى . اعترفت لزوجتي بأننى كنت على علاقة حب معها  . وأننى كنت انتظر حتى تكبر قليلاً ، وأقدم على خطوتى .

      وصمتنى زوجة بالأبلة القذر ، وأرسلتنى إلى متجر الحى لكى  أهين نفسى .كانت الفتاة هناك تقرأ الكتب المصورة وتتجول بملابسها وهى تشرب المياه المعبأة  .كوتنى بعينيها . لم أعرف أبداً ماذا أقول لها  كنت عاجزاً حيال عمرها وجمالها ، لكن أيضاً كانت زوجتي الحامل تنتظر البيرة على بعد خمسة عشر بيتاً على الطريق . لم يكن هناك وسيلة للتحدث مع مثل هذا الشخص عى أى نحو . لم أكن أعيش فى هذا العالم . حدقت مباشرة فى داخل رأس ولم تعطنى أى إشارة عما رأته هناك – ربما كنت أيضاً ميتا بالنسبة لها  ، لكنها قالت :

   –  ثلاثمئة وتسع وخمسون .

    أعطيتها النقود . وقلت :

     –  يداك جميلتان

    رفعت يديها إلى أعلى ونظرت إليهما ، ثم نظر كلانا إليها ، أعجبتانى ، وعشقتهما . لقد كان لديها  حقاً يدان جميلتان .مشيت إلى المنزل وأنا أحمل ست حزم تتدلى من ذراعى وبعض العملات المعدنية فى جيبى . شعرت وكأنى غوريلا متحضرة ، وكما لو كان البنطلون سيسقط فى أى لحظة وأنا أجر معلباتى فوق الرصيف

 كانت زوجتي ما تزال تجلس فى المدخل  بإبنها الذى ينمو داخل بطنها ، رأتنى قادماً ، فقالت :

   – هاى ، اسأل غريب الأطوار هناك إذا ما كان يمكن أن يعيرنا مقصه .

    كان الجار يشذب شجر الأرز فى شكل مخروطى ، شجرة وراء الأخرى ويلقى بما يقصه فى الشارع ،  قلت :

  – إذا ظننت أن هذا الكائن يمكن أن يسمح لى باستخدام مقصه ، فأنت إذن قد تنازلت عن ذكاءك .

  – اسأله  فحسب .

  – على أية حال أنت فى حاجة إلى منجل  للتخلص من كل ذلك . انظرى إلى ذلك . إنها أعشاب المطر الصغيرة . أنت فى حاجة إلى منشار صغير  زوج من المقصات الحديثة ذى الموتور .

 –  يمكن للمنجل أن يقوم بذلك ، لدينا واحد فى الجراج .

–  وماذا عن الفراشات ؟ إنها هنا من أجلنا ، إنها رائعة  .

  • لا تبتئس ، خلال شهر ستكون أباً لطفل صغير .

تناولت عليه بيرة وفتحتها ، فقلت  لها :

  • هل تعتقدين أنه سيسكر هناك ؟؟

  • النصف لى ، والنصف له .

شربت أربع  علب ، وشربت هى اثنيتن ، واحدة  لها والأخرى له .

    مرت السيارات فى الشارع ذهاباً وإياباً ، تصادم الصبيان بدرجاتهم ، وحلقت الطيور فوقنا . وعندما خلصت البيرة ذهبت إلى داخل الجراج وأخذت المنجل . قطعت الأعشاب وسحبتها بعيداً عن الممر، ثم تركتها فى كومة لعمال المدنية .

’’ النهاية ‘‘

كيفن سبيد  : كاتب قصة أمريكى ولد فى أوبورن، ولاية نيويورك، ينشر معظم قصصه فى المجلات الالكترونية والمطبوعة  ،يعيش في مدريد مع زوجته وابنه

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *