وقت للكتابة : من يعرف الشعر؟

*قاسم حداد 

١

أظل شبه متأكد بأنني أعرف الشعر، الى اللحظة التي يسألني أحدٌ عن ذلك، عندها أتيقن بأنني لا أكاد أعرف شيئا عن أي شيء.

فليس في الشعر ما يُعرف عنه، قبله. كما أنه ليس هناك قبل الشعر وبعده. المعرفة عموماً، والشعر على وجه التعيين، لا تُطال بمعزل عن التجربة. فأنت لكي تدرك الشعر وتعرفه، يتوجب عليك ان تكتبه. وأن تحسنَ كتابته خصوصاً. فهناك تكمن معرفة الشعر.

ولكي نقترب من الشعر أكثر، لابد من القول بأن الزعم بالشعر لا تصنعه. والصنيع الشعري شأنٌ يتخلَق بالعمل، والإخلاص فيه. لكأن الفعل في الشعر هو جوهر الشعر وتجليه.

لذلك كله سأظل على حافة اليقين بأن معرفتي بالشعر هي قصيدتي، المنجزة، وهي التي قيد الإنجاز، او هي الوشيكة.
لكن، من أين تأتي القصيدة، وكيف يتخلَق الشعر؟!

لا أعرف.
أعنى، لم أعرف شيئاً عن ذلك خارج الشعر والكتابة. وبما أن الكتابة هي ذريعة حياتي، فالشعر هو قنديل الظلام، في النهار والليل، لمواقع أقلامي خلال تخلَق الحروف والكلمات والكواكب.
فلا تسألنّٓ الجاهل بعلمه، ولا الغافل بيقظته، ولا المسافر بغربته. فما نحن إلا قرائن الأمل المفقود، لئلا أقول الأمل المغدور.

٢

ليس أن تعرفه، لكن أن تحسن الذهاب اليه.
التجربة تعلمك أن الخطأ قنديلٌ لا يخذل.٠
نُحصي الأخطاء كأنها جنة الكتابة. والشعر ينتظرك في المحطة التالية إن أنت احسنت الذهاب، واخترت الوقت والمحطة والوسيلة، حيث لغتك عربتك الملكية، نحو أجمل الأجوبة وأكثرها قدرة على قيادة الأسئلة نحو المهالك.
تصغي للمعرفة فيما الشعر ينساب بين أصابع كلماتك. تصغي وأنت تعرف إنك لا تعرف شيئاً عنه. هو وحده فقط الذي يطرح السؤال والأجوبة.

٣

تلك هي التجربة، معطوفاً عليها كلما تعلق الأمر بمراجعة ما يُكتب الآن، كثيره أعني، لكي يتم التوقف جيداً للقليل الباقي، لأكثره على الأقل، والتثبت من أجمل المواهب المتوارية، الخجولة، البعيدة عن ضوء ساطع من النشر السريع والارتجال، كثيرُ الثقة، قليلُ الماء، ونادر المثول بين يدي القارئ العابر.

في الكتابة الآن، ينبغي عليك البحث عن الشعر، تماماً كما يبحث الشاعر عن آفاق السؤال التي لا تنتهي ولا تقنع بالرائج السائد من الأجوبة.
ولتكن يقظاً، إن أنت بحثتَ، للتمييز بين الماء والمعنى.

٤

بلا معنى،
انتهينا في يدٍ وزجاجتين
وطائرٍ تاه البريدُ به.
رسائلُ أخوةٍ يتكاسرون على الطوابع
كي تضيع رسائل الأسرى
مكدسة أمام الماء
عطشى،
وبعضُ يدٍ مضمَخةٍ بعطر الغائبين
رسائل أخوةٍ يبكون في لغة
بلا معنى
انتهينا، أو نسينا الشمس
والريح التي انكسرتْ على أسوارنا
تاهت سدىً
أحلى رسائلنا سدىً ضاعت
بلا معنى
تحاجزنا على أجسادنا
وبكى لنا شجرٌ
وضاع الزيزفون بنا
فصرنا بعض اخطاءٍ ملفقةٍ لنا
وكدنا أن نموت،
وربما متنا.

_______
*جريدة عُمان/ ملحق شرفات

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *