نــعــنــاع

خاص- ثقافات

*محــمــد لغــريـســي

ها أنا أتبختـر كالسندباد البحري فوق حصاني الأزرق،يتحـدث معي ويحكي لي،وأنا أتخيل نفسي ذكرا مثله يصهـل ويسرق الـنساء.
وضعت عمتي برنوس الأفراح على كتفـي،في رجلي بلغة بيضاء كأنها قطعة ثلـج مختارة ،على رأسي شرف الملوك كلهم.
النساء خلـف حفلتي،يمسكن بين أنامل الحليب شمعتي،وهن يحدقن في سروالي المنقوش،كأنهن يشجعن فاكهتي على اكتساح الروابي والمروج..
وكنت غبيا ،لا أفهم ما خلف الستار.؟
وضعتني العمة في قعرالمصيدة..
كمادة جامدة كنت../
كلقـمة كسكس باردة كنت../
مازال صوت”الغيطة”والطبل يرتفع مدويا،مازال الإمام يدفن أنيني فـي قاع القصعة،هن بغنج يتغامـزن ،جمهورالأطفال خلف الباب الموصد يتنظرون صرخة البطولة.
البخور يتعالى.
يرتفع بهدوء نحو الهباء.
خيـوطه العطرية تتيه من حولي،وتحجبني خلف حائط من بخار وبخار..
الشيـوخ خلف ظهري،أراهـم يدخنون،ينسحبـون بعيدا من رائحة قصتي،هم بلا شك..يسترجعون طيف أحصنتهم التي انصرفت،ويتألمون إلى حد النخاع
——————
سا ذجا كنت هذه الليلة.
أطلق جدي حمامة بيضاء أمام بصري،
ولم أفهم..
قال لي:
– انظر إلى الحمامـة إنها تضحك لك.
وكنت غبيا كذلك..
خنقني الإمام بكتفه الهائلة جدا،شل كامل حركتي بصدره الثقيل،ثم فتك بقسوة بنعناعي.
وأخيـــرا..
ضحك الإمام معي بمكر،
ولم يغرد السعد في قصوري الخرافية.
أمــي تبكي وسط الجوقة المشتعلـة بخليط الزغاريد والغناء الطــري.أنا أصرخ كالقطارات البخارية..ألم فضيع يكاد يطفىء طفولتي،رحيق التوت ينساب من تحت سروالي.
نساء كن يصفـفن شعـروالدتي الأسبل،يداعبن سواده الحاتمي بحناء وزعفران،يحجبن خصلاته الفاحمة بثوب أخضرداكن،منمنم بخيوط شمسية.
لكنهن يتركن خصلـة شاردة لي:
أقـرأها.
أفسرها بلغتي المدرسية.
وأتنفس من جديد..
———————
مازلن يرقصن…
أمـداح في كل فـم./أذكار تنبعــث من كل قفطان وجلباب،/ رائحة “الجاوي”المكي تبارك ولادة ذكورتي العسيرة / دموع عصية تختبىء خلف صوتي./ طعنة غادرة تغرس وشمها عميقا./
….
لما غفوت من نعاسي المتقطع،أطل علي حصاني من نافذة غرفتي.
بارك لي..
قال:
– يا صديقي.بعــد أيام قادمة،سيــزهر العطر،لن ترفضك الغزالات أبدا،لن يهربن من ريشـك وفراشـك، الغزالات كورد الطيش يعشقن لسعة الخيل..ستشتبك بغزوة النساء ذات يوم.آه..لو هربت اليوم بعيدا من ظل الإمام،لسخرالطبيب منك،واستهزأ بك القدر..
وكنت تافها كذلك..
أصدق الخرافات والكلمات.
———————
بعد دقائق مرت ثقيلة جدا .
طرقت ” إيطو ” بابي..
وضعت في فمي مرقا منكها ب”رأس الحانوت”،ملأت خبزتي برؤوس البصل والزبيب الكروي.ولأني كنت جائعا كبغـل البساتيــن،تناسيـت تلك الإيقاعات الزنجية التي تعذبني،فتقدمت إلى معـركتي،ألتهـم أفخـاذ الدجاجة البدوية الملونة بالثمروالتوابل والزبيب.
أكلت الألوان بشكل فوضوي./
صبت المرأة الضخمة حليبا فـي طربوشي الأحمر./
شربت لترين من السعادة./
لما انتهيت من شغبي البريء..
عادت الحمامة إلى أطرافي تبكي.
.———————
الـناس كنـمل.
سكارى الحومة .
اللصوص.البؤساء.الذئاب.القرود.النحل /
الصعاليك .الصفوة.الملحدون..اليهود.النصارى.
كلهم حضروا حفلتي..
يجلسـون القرفصاء،يصارعــون الكسكس التقليدي بأضراسهم،يشربــون كؤوسا من نعناع آخر،يسهرون في لغو مائع،ينطقون لغة سفيهـة في آخرالليل.
…..
دنا الإمام من سروالي التقليدي المذبوح.
همس لي
-احمـد الله.
ستصبح إماما مثلي،
تكتب تمائم المحبة للنساء،
تعالج سعــال صدرهن فـي فصل الشـتاء،
تخط لهـن طلاسـم السعادة في الصيف،
وسوف تصير نمرا،يزدرد الحلوى ..
——————–
أبي فـي الركن البعيد هناك،يلهو بالسبحة الطويلة،يتكىء على فأس متينة مسننة.
ظل صامتا ككاهن إيطالي..
ثم انفجر غاضبا :
– اسمع أيها ” الإمـام ” الهرم..
أريد أن يكون نعناع طفلي مشــرقا..أنا أعرف كل عناوينك ورحلاتك البعيدة…إذا لم تغن الحمامة لابني في ليلة العرس ولم تضحك له الحبيبــة قبل صلاة الفجــر.فإني سوف أهشم عظامك القديمة بفأسي..
أتسمع؟
مازال أبي يلعب بالسبحة..
وأنا أعاتب صامتا هذا الإمام الذي غدربي…
– حقا على يديك تعلمـــت أول حروفي الكوفية.حقا أنت علمتـــــني كيف أحفــــظ ألواحي القرآنية في كل مساء وصــــباح.
أنت أنرت لي الطريق فتجلت لي آيات الحق وأمجاد السماء.
أنت سلمت لي المفـتاح.
لكن…
من أي القارات قــدمت لتعذبني ؟
——————
في المسـاء…
ملأ الراقصون تاجي الروماني بلؤلؤ ومحارومرجان.فاضت الخيرات في مدني السرابية ودولتي،غرقت في نعيم الأمراء،ها أنا وسـط الحاضرين أتباهى ببريق البطولة.
اليوم..
أنا سلطان قريتي،أخالني بين دقات الطبــول وأنغام المزاميرحاكما ساميا يصـدر الأوامر العليا، وقــومي يسجدون تحت عرشي.
……
أقبلت”إيـطـو”..
مزقت طربوشي الأحمر..
اختلست ثروتي وبطولتي..كنت نائما.
سألتها:
– أين باب مملكتي يا بنت الثعلب ؟
ردت:
– أنت جميل كحرف النون، فـلماذا تزفر؟ أتريد أن يفترسك الغول الذي يسكن في مغارات “تازة”؟
قلت:
– أريد تاجي.وخزينـتي..
أين اللؤلؤ.؟
أين ريق الحريم ؟
أين المرجان.؟
أين عود زرياب ؟
أين الشعراء؟
قالت :
-عندما سينمـو شاربك،سأشتري لك قميصا بلا أزرار،كي تطيـرعاليا.عاليا.
هـل زرت أهــرامات ” الجــيــزة” ؟
هل زرت بلد الغـول؟
هل زرت مغارة هرقـــل؟
غضبت :
-لا أنت تكذبين.عندما ستموتين،سيقذف بك الحاكـم العام من أعلى القلعة.
أنت لصة ماكـرة.
أنت سرقـت تاجي
وسرقـت ذلك الصحن الفخاري من إقـليم “عـبدة “.
وسرقـت بيض النعامة من”واد الذهب “.
وسرقـت باقة الخزامى من تاجر “موغادور”.
———————
بعد سنوات أزهر النعناع الصغيــر،فاحت رائحته وتجاوزت الجســــور والجبال،أطربني الهديل،وضحكت لي مروج الغـــــــزلان…
سيــدي الإمام..أتسمعني؟
شكـرا لك..
أنت،شجعـتني على تذوق أصابعهن.شكرا، أنت حبيبي..والحصان صديقي .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *