الروايات والكتب العربية في الغرب

*ليلاس سويدان


من يتابع ترجمة الكتب العربية هذه السنوات، وخصوصا الروايات إلى اللغات الغربية، يشعر أن هناك حالة انتعاش لعملية الترجمة وحضورا للكاتب العربي في المشهد الثقافي الغربي، لكن الظن قد يكون غير الواقع، رغم توالي الترجمات وتعدد اللغات، خصوصا أن بعض الجوائز الأدبية تقوم بترجمة الروايات الفائزة إلى لغات غربية. لذلك نتساءل عما إذا كانت حالة الترجمة التي «تبدو» نشطة، قد حققت فعلا اختراقا ثقافيا أو قرائيا للكاتب العربي في المشهد الغربي، أو ما مدى استفادة الكاتب من ترجمة رواياته للغات أخرى.

الروائي الكويتي سعود السنعوسي أجاب عن هذه التساؤلات بقوله:
فلنقل إنني استفدت، بنسبة ضئيلة، من التعرف على آراء قارئ ينتمي إلى بيئة ثقافية مغايرة تماما، قارئ لا يكاد يعرف عنك شيئا، أو له تصورات مسبقة لا تشبه واقعك، ذلك القارئ الذي لا يشبه القارئ العربي بذائقته وآرائه.
ولكن رغم عدد الترجمات التي حظيت بها فإنها لا تشكل أي اختراق حقيقي للمشهد الثقافي الغربي. أتلقى بعض الآراء، وهي محدودة، عن طريق الرسائل الإلكترونية وتقييم القراء في موقع الـ غودريدز أو بالاحتكاك المباشر مع القارئ في الفعاليات والمهرجانات الأدبية العالمية، هي تجربة لا بأس بها ولكنها ليست كما يعتقد البعض أن الترجمة وحدها تحقق انتشارا عالميا، في حين أن الأمر لا يعدو كونه وهما لا علاقة له بالواقع. هناك من الكتاب العرب من حقق انتشارا لا بأس به، ولكن هناك أمر آخر لابد ألا نغفله، وهو ما يتعلق باشتراطات الناشر الغربي، وهو مثل أي ناشر يستند إلى مبدأ ربحي أولا وأخيرا ينتقي من الأعمال ما يغري قارئه، وهذا ما يدفع البعض من الكتاب العرب للكتابة وفق ذائقة مستوردة، لإعادة إصدار هذه الذائقة في نتاج أدبي يحقق رغبة القارئ الغربي وفق تصوراته عن العالم العربي شبه المجهول بالنسبة إليه. وهذا ما يجعلنا نقرأ أعمالا تصور العربي بنمط تفكيره وسلوكه وتفاصيل حياته على الصورة الذي يظهر بها في أفلام هوليوود.

مترجمون ودارسون

خالد خليفة أشار إلى أن فئة قرائه الغربيين من نوعية محددة أو خاصة جدا:
بالتأكيد استفدت من الترجمة ماديا ومعنويا، وتعرفت الى طرق جديدة لدى قراء جدد، ولدي قراء قلائل لكن يوجد قراء حتى لو كان أغلبهم دارسين لتاريخ المنطقة وسياساتها، أي أن قراء كتبي وكتب غيري من الكتاب المترجمين، جزء من وظيفتهم المنزلية، ولا يمكن الحديث عن اختراقات كبيرة في عدد القراء أو الذائقة الغربية، وحتى الآن لم تستطع الترجمة تحقيق ذلك الاختراق الكبير المتمثل في أن تصبح كتبنا جزءا من الإرث الإنساني، لكن أرى أن الوضع في السنوات الأخيرة أصبح افضل بكثير من سنوات العقود الثلاثة الماضية من القرن الماضي. أعتقد بأننا على أعتاب تحقيق اختراق لكنني لست متأكدا من وقت تحقيق هذا الاختراق وأهميته.

حضور هزيل

علي المقري رأى أن هناك عدة جوانب لاستفادته ككاتب من ترجمة كتبه، منها الجانب المادي وإقامة صداقات مع قراء جدد، ويضيف:
بهذا المعنى أقول ان لدي قراء، ولا أفرق، طبعا، بين قارئ غربي وآخر شرقي. مع هذا يمكن القول بوجود حضور قرائي نسبي للأدب العربي في اللغات الأخرى، يختلف بين كاتب وآخر. إلاّ أن هذا الحضور، في معظمه، يبقى هزيلا وفي الهامش من الحياة الثقافية العالمية، فهناك كتب عربية قليلة استطاعت أن تطبع أو توزع بالآلاف، إذ ان أكثر الكتب المترجمة تذهب إلى المخازن، ويكتفي الأدباء العرب بالتباهي، فقط، بأن كتبهم مترجمة إلى لغات عالمية. المسألة لها علاقة بالكتابة العربية الحالية ومدى مساحة الحرية فيها إلى جانب التقنيات الفنية التي مازالت في معظمها تقليدية، أو أنها لا تصل أحياناً حتى إلى الفنيات التقليدية المكرّسة في الأدب الحديث، كما أنها لا تستطيع أن تقدم خصوصياتها الفنية إلى قارئ اعتاد على نمط محدد من الأشكال الفنية؛ إضافة إلى أن الناشرين باللغات الأخرى لا يقومون بعمل دعاية ترويجية للكتب العربية المترجمة كتلك التي يقومون بها أثناء تعاملهم مع آداب أخرى.

الترجمة والعالمية

أمير تاج السر تحدث عن نجاح بعض الروايات بلغة غربية أكثر من لغة أخرى:
حقيقة استفدت كثيرا من الترجمة ليس في كل الروايات ولكن في بعضها، وأعني تلك التي ناقشت مواضيع يعتبرها الناس في أي مكان حيوية، مثل رواية «إيبولا 76» التي نجحت في الترجمة الإنكليزية والفرنسية، وكتب عنها كثير من المقالات، وأيضا «صائد اليرقات» التي ناقشت علاقة المثقف بالسلطة وعلاقة غير الموهوبين بالكتابة. فرغم أنها لم تنجح في اللغة الإنكليزية فانها نجحت بشدة في الإيطالية والبولندية، وحققت مبيعات عالية، و«العطر الفرنسي» التي وصلت للقائمة الطويلة في الجائزة العالمية للأدب المترجم للإنكليزية. طبعا يوجد قارئ هناك، ولكن ليس بحجم قارئ نصي في اللغة الأصل، وشخصيا لا أعتقد أن الكاتب حين يترجم يصبح عالميا، ولكن النص هو الذي يصنع عالميته. لذلك لن نقول ان الترجمة اخترقت الغرب بعد.

سوق النشر الأوروبي

ديتريش أولمس- ناشر ألماني- أعطى نظرة عامة على حركة الترجمة في الغرب ولفت النظر إلى أنها ما زالت تحتفي بكاتب عربي وحيد:
في ألمانيا هناك بعض الناشرين الذين يهتمون بالأدب العربي المعاصر، واشهر دور النشر تلك هي التي تقدم ترجمات واختيارات ممتازة هي Unionsverlag في زيوريخ. أما بالنسبة للكاتب العربي الأهم بالنسبة للقارئ الألماني فهو الروائي المصري نجيب محفوظ الذي تنتشر كتبه المترجمة، بينما للأسف لايعرف القارئ الألماني كتابا عربا كثيرين غيره.
بالنسبة للأدب العربي المترجم للإنكليزية، ورغم أني لا أعرف اتجاهات الترجمة هناك، ولكن ومن خلال متابعتي لما تصدره دور النشر البريطانية  من عناوين، فهم أكثر نشاطا واهتماما بالأدب العربي ولديهم كتب غير إبداعية مهمة مترجمة في دار I.B. Tauris وكما عرفت من نشرات جامعة أوكسفورد البريطانية.
بينما في سوق النشر الفرنسي فهناك العديد من الكتب المترجمة لكتاب عرب من جنسيات مختلفة مثل تونس والمغرب والجزائر، وهناك اهتمام أيضا بكتب الفلسفة العربية. لكن ونظرا لتأثير ذائقة النقاد في الغرب فإن نجيب محفوظ هو أهم من ترجمت كتبه، وعلى الرغم من أن الغرب بدأ التعرف على كتاباته في النصف الثاني من القرن العشرين فانها ما زالت مهمة له حتى اليوم بالنسبة للوسط الثقافي الغربي.

إعلان.. وهيمنة «الميديا»

ماري تريز-أستاذة الأدب المقارن في جامعة الكويت- قالت ان  الكتب الأدبية العربية المترجمة إلى اللغات الأجنبية لاتتمتع بقدر كبير من الانتشار في بلاد العالم، شرقا وغربا، مثلما تتمتع غيرها من الكتب المترجمة عن اللغات الأوروبية، أو اليابانية، أو عن آداب دول أميركا الجنوبية، على سبيل المثال لا الحصر، ويعود ذلك لأسباب عدة، تشترك فيها أطراف عدة. واضافت:
على الرغم من ازدياد عدد الناشرين للكتب العربية، وتزايد أعداد الطلاب الدارسين للعربية في الجامعات العالمية، ما زالت الكتب العربية لا تجتذب القراء لعدم الإعلان عنها على الصفحات الأدبية للصحف والمجلات المتداولة. نادرا ما يهتم معظم كتاب المراجعات الأدبية في هذه الصحف بالإبداع العربي، حيث صارت المنطقة العربية تمثل لهم مناطق مشتعلة بالصراعات، يجتاحها الفقر والتخلف، أو الرفاهية والتحفظ. والمثل يقال عن القنوات الفضائية التي تستضف الساسة والصحافيين لمناقشة القضايا السياسية والواقع الاجتماعي في المنطقة العربية، لكنها قلما تخصص حلقات من برامجها الثقافية عن الإبداع في المنطقة العربية.
يرجع ذلك لعدة أسباب، منها قلة الكتاب العرب أو المستعربين المعينين في هذه الصحف، والمهتمين بالأعمال الإبداعية، أو ربما المطلوب منهم مهنيا التركيز على قضايا الساعة. وما يزيد إقصاء المبدعين العرب عن الساحة العالمية، قلة تدربهم على كيفية اقتحام الساحة الأدبية العالمية بالتواصل الشخصي مع جميع الهيئات والمنظمات المهتمة بالإبداع. مع دخولنا عصر هيمنة الميديا، صار لزاما على المبدع أو المؤلف أن يكون ممثلا في عدة قنوات إعلامية، وما حققه الكتاب من اليابان، والصين، والهند، ودول أميركا اللاتينية خير مثال على ذلك. فإجادتهم للغة التخاطب العالمية- الإنكليزية- مكنتهم من الاتصال والتواصل مع الجهات المختصة، وفتح آفاق للحوار، ومن ثم جذب الاهتمام بإنتاجهم الثقافي. أما الكتاب العرب، فيكتفي معظمهم بدفع أعمالهم في المحيط الثقافي المحلي، ويتوقفون عند هذا الحد.

مركز متأخر
د. وائل حسن- أستاذ الأدب المقارن في جامعة إلينوي- تحدث عن ازمة الترجمة غير المباشرة لعدم وجود مترجمين عن العربية، وظهور أكاديميين عرب أو مستعربين في الجامعات الأميركية والبريطانية  مما نشط حركة الترجمة:
لا تتوافر لدي احصائيات عن الاثنتي عشرة سنة الاخيرة، لكن حتى عام 2005 كان الوضع كالتالي بالنسبة للترجمة الادبية في اوروبا والولايات المتحدة. الغالبية العظمى من الاعمال المترجمة نقلت عن الانكليزية الى اللغات الاوروبية الاخرى، وكانت ايطاليا واسبانيا في الصدارة بنسبة 25 في المئة كتب مترجمة من جميع الكتب المنشورة، تليهما فرنسا بنسبة 15 – 18 في المئة، ثم المانيا بنسبة 11 – 14 في المئة. وكانت الكتب المترجمة من الانكليزية وحدها اكثر من تلك المترجمة من الـ 25 لغة التالية في الترتيب من حيث كثرة الاعمال المنقولة منها. اما الترجمة الى الانكليزية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة فلا تتعدى 3 في المئة فقط، وهو ما يدل على اختلال شاسع في موازين القوى بين اللغات الغربية وبعضها. وبطبيعة الحال فالترجمة من اللغات غير الاوروبية الى الأوروبية ضئيل جدا، حيث جاءت اللغة اليابانية في المركز الثامن والعربية في الثامن عشر بين جميع اللغات المترجم منها في اوروبا، بما فيها اللغات الأوروبية. وتكاد تكون الغالبية العظمى من الكتب العربية المترجمة تنقل الى الفرنسية، وان كان بعضها يترجم مرة اخرى من الفرنسية الى لغات اخرى، أي ترجمة غير مباشرة لعدم توافر المترجمين من العربية. لكن ما يبشر بالخير هو ان عددا كبيرا من الروايات العربية ترجم خلال الاثني عشر او الثلاثة عشر عاما الماضية الى الانكليزية، ولعل السبب يرجع لظهور الكثيرين من الاكاديميين العرب والمستعربين العاملين بالتدريس في الجامعات الاميركية والبريطانية، وكثير منهم يدرس هذه الاعمال وينشرون عنها الابحاث النقدية بعد مناقشتها في الندوات والمؤتمرات الاكاديمية، فهناك وجود متزايد للمشتغلين بالادب العربي في المحافل العلمية، مما يساعد حركة الترجمة والنشر.
___
*القبس

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *