ليلاس سويدان تكشف ابن البوكر وبنت الويكيبيديا



*أشرف أبو اليزيد


لا تخلو الصحافة، عربية وعالمية، من الحديث عن الجوائز الأدبية، ويتواتر حجم ما يُنشر عن المترشحين للجوائز والفائزين بها بقدر عظم تلك الجائزة أو سواها، وإذا كانت جائزة نوبل لم يغفلها المنتقدون، كل عام، فإن الجوائز العربية لها نصيب الأسد من تلك الانتقادات، خاصة وأن كثيرا من كواليسها بات معروفا، حيث لم يحرص القائمون عليها على سريتها، وفيهم من اعترف بأنه لم ير أعمالا ترشحت في لجنة هو أحد أعضائها!
وقبل أن أتحدث عن القضيتين الأحدث اللتين مسَّتا أشهر الجوائز الأدبية المعاصرة، لا يفوتنا أن لجنة التحكيم، أو القائمين على الجائزة كثيرا ما يسعون لتصحيح الأوضاع، مثلما حدث مع أحد الفائزين بجائزة مرموقة، سُحبت منه الجائزة بعد اكتشاف سرقته لكتاب نقدي من أحد أعضاء اللجنة التي رشحته للفوز!
وفي قصة أخرى، لجائزة أدبية، ترشح عمل قصصي، ولكن تشابه – أو تطابق – عنوانه مع عمل لمتسابق آخر جعل الجائزة تذهب للمكان الخطأ، وكان تدارك القائمين على الجائزة بمنحها للفائزين الاثنين ، الذي استحقها، والذي تطابق عنوان عمله مع عنوان المجموعة الفائزة.
ومثل كرة القدم، بدا أن الأخطاء تحدث، لأن الحكام بشر، لكن قليلا من البحث الصحفي الاستقصائي هو من يتوقف ليرصد ويوثق ويكشف. وندرة من لديهم الجرأة بعيدا عن أية حسابات مواءمة تجعل البعض يحجم عما فعلته الصحفية الدقيقة ليلاس سويدان، التي استطاعت هذا العام وحده توجيه النظر إلى مخالفتين تستوجبان الحساب، من خلال ما نشرته في جريدتها، القبس الكويتية.
في القضية الأولى أبعدت مقالة سويدان المرشح في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية من السباق، وخسر التنافس الكاتب الكويتي طالب الرفاعي، الذي سمى نفسه ابن البوكر، ( لأنه ترأس لجنة تحكيم المسابقة نفسها في دورة سابقة) في رده على مخالفته قوانين الترشح، بألا يكون العمل المقدم أقدم من عامين، وهو ما ثبت عكسه لدى لجنة التحكيم، فاستبعدت روايته “في الهنا”.
أما القضية الثانية التي اكتشفتها ليلاس سويدان فتخص الكاتبة الروائية السورية لينا هويان الحسن التي اقتبست حرفياً مقاطع كاملة من الموسوعة العامة ويكيبيديا في روايتها للفتيان المرشحة ضمن القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لفرع «أدب الطفل».
وتكتب ليلاس سويدان عن التناقض بين ما قرأت في العمل المطبوع، وبين ما اقترفت المؤلفة؛
“جميع الحقوق محفوظة. لايسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو (أي جزء منه) أو تخزينه.. من دون إذن خطي مسبق من الناشر». ربما تمثل هذه العبارة المطبوعة في الصفحات الأولى لرواية «البحث عن الصقر غنام» للروائية السورية لينا هويان الحسن، مفارقة لكونها توجب حفظ حقوق الملكية الفكرية لكل محتوى الرواية، بيما تحتوي الرواية على عدة فقرات، بعضها طويل وآخر قصير، مأخوذة حرفيا من موقع ويكيبيديا، من دون أي إشارة للمرجع أو علامات تنصيص توضح أن هذه الفقرة ليست «تأليفا» خالصا للكاتبة. وللتوضيح أكثر فإن هذه الفقرات هي مادة علمية في وصف بعض الحيوانات أو التعريف بها. ومنها صفحة 63 التي تصف «ظباء المها»، وكذلك فقرة من حوالي تسعة أسطر في صفحة 28 تصف الكلب السلوقي. بينما كل المعلومات عن النعامة في صفحتي 51 و 52 و53 هي من الويكيبيديا أيضا ومنقولة حرفيا في أغلب الفقرات وبتصرف بسيط في فقرات أخرى. حتى وصف الثعالب في صفحة 70 من الرواية بجملة «إنها حيوانات متوحدة، كائنات مفترسة منتهزة للفرصة»، هو وصف مذكور حرفيا في صفحة «ثعلب» على ويكيبيديا. وكذلك المعلومات في صفحة 89 عن جربوع الصحراء مأخوذة كفقرة كاملة حرفيا من موقع «الموسوعة.كوم». وبالمناسبة ما هو مكتوب في صفحة 25 و26 عن صيد «الطرح»، وهو طريقة من طرق الصيد بالصقور هو جزء من رواية «سلطانات الرمل» للروائية لينا هويان الحسن صفحة 184.”
وتضيف ليلاس:
“حسنا، ربما يمكن للروائية أن تستخدم ما كتبته في رواية سابقة في رواية حديثة، مادامت كتاباتها ضمن حقوق ملكيتها الفكرية، ولكن يبدو غريبا عدم إشارتها لذلك أو حتى صياغتها لعملية الصيد بكلمات أخرى وأخذها كما هي مع إضافات قليلة جدا!. ولكن ماذا عن موقع ويكيبيديا والمعلومات المأخوذة عنه حرفيا أو بتصرف بسيط؟. جميل أن تقدم الروائية في روايتها الأولى للفتيان والفتيات والمرشحة لجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع أدب الطفل، هذا الكم من المعلومات العلمية عن حيوانات الصحراء، ولكن جيل الانترنت الذي يعرف البحث عبر غوغل، والذي يفترض أن يتم تشجيعه على الاستزادة، ألم يكن من الممكن الإشارة له أن هذه المعلومات مجرد «مقتطفات» من مادة علمية أكبر يمكن للقارئ الصغير التوسع فيها عبر البحث، مادامت الكاتبة منشغلة في روايتها كم يبدو بتعريف القارئ على العالم الطبيعي للصحراء وكائناتها؟!”.وتحت عنوان ” أمانة علمية” تتابع ليلاس تحقيقها المطول:
“النقطة الثانية هي فكرة الاقتباس من دون إشارة للمرجع، وهي نقطة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية والأمانة العلمية حتى في عمل أدبي ما دام استعان بمعلومات علمية مهما كان حجمها. موقع ويكيبيديا الذي اقتبست عنه الكاتبة من دون إشارة لذلك أو وضع أقواس حول الفقرات المقتبسة، يذكر ضمن شروط الاقتباس من المشاع الإبداعي «ذكر المؤلف والمصدر: يجب عليك نسب العمل لصاحبه بطريقة مناسبة، وتوفير رابط للترخيص، وبيان إذا ما قد أجريت أي تعديلات على العمل. يمكنك القيام بهذا بأي طريقة مناسبة، ولكن على ألا يتم ذلك بطريقة توحي بأن المؤلف أو المرخص مؤيد لك أو لعملك». مع ملاحظة أن كل صفحة أو معلومة على موقع ويكيبيديا مشار إلى مراجعها ومصادرها، ويحتم الموقع على من يستخدم هذه المادة أن يتيحها للآخرين أيضا بلا قيود. وهذا ما يتعارض مع ما هو مكتوب في بداية الرواية عن عدم السماح باستخدام أي جزء من الكتاب من دون إذن من الناشر، إضافة إلى أنه تضليل للقارئ الذي قد يظن أن هذه المادة والفقرات من تأليف الكاتبة.
وتقول سويدان : “الرواية، سواء كانت للكبار أم للفتيان، هي عمل إبداعي، فإلى أي مدى يمكن قبول استخدام الكاتب لفقرات من مصادر أخرى بطريقة القص واللصق من دون مجهود في إعادة صياغة تلك الفقرات أو الجمل؟”.
تشير الصحفية الاستقصائية إلى أحد حوارات الحسن قالت به «المعرفة بالنسبة لي أمر جذاب ومن المهم حضوره، لم أنس قط المعرفة التي قدمتها لي رواية موبي ديك عن عالم البحار والحيتان، أو حتى تلك الرواية الصغيرة الحجم لأليخاندرو باريكو التي كان عنوانها «حرير»، عن عالم دودة القز.. الأمثلة كثيرة، وأنا شخصيا غالبا ما أكتب النص المدعم بالمعرفة والمعلومة، انها طريقتي بالكتابة». وتتساءل سويدان: ولكن هل الروايات التي قرأتها الحسن واستشهدت بها على حضور المعرفة في الرواية كانت تقتبس حرفيا من مصادر من دون الإشارة اليها، أم أن العمل الأدبي يمكن أن يتجنب الاقتباس إذا أعاد صياغة المعلومة بكلمات الكاتب ورؤيته لكيفية وضعها ضمن سياق مادة إبداعية؟. وتختتم سويدان بقولها:
“عموما مسألة الاقتباس وعلاقتها بحقوق الملكية الفكرية من النادر أن تثار في بلادنا فيما يتعلق بعمل أدبي، لأن غالب الأعمال الأدبية لا تحتوي على مادة علمية، وحقوق الملكية الفكرية يتم تناولها من جانب زاوية حفظ حقوق الأديب والناشر، ولكن للكتابة مهما كان نوعها ومهما كان حجم الاقتباس ربما شروط ومعايير يجب الالتزام بها والاطلاع بشكل موسع على أنواع رخص حقوق الملكية الفكرية.”
المثير أن إشاعات قوية تتردد بأن رواية لينا ستفوز بالجائزة، فهل لأن معايير الجائزة لا تجد غضاضة في مخالفة قوانين الملكية الفكرية، أم لأن إثارة القضية جاءت متأخرا؟
في الوقت الذي تستعد فيه ليلاس سويدان اكتشاف ما بعد ابن البوكر وبنت الويكيبيديا ، لا شك أن لجنة الجائزة تعكف على إيجاد حل أو تبرير.
_________
*آسيا. إن

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *