أَسْبَحُ في أُكَوَاريُوم

خاص- ثقافات

*سيومي خليل

اللَيالي لَيسَت سَوداء دَائِما ، يُمكن أَنْ يَكون لَها لَونٌ غَير مَعروف ، ويُمكنُها أنْ تَكون بِلون صَافٍ لَكن ذَاكرتنا لاَ تَتَذكره ، ويُمكنُها أَنْ تَكون لَعَنةً لذيذة ، لعنةٌ تَجعلك تُفكر كَثيرا في أَشياء لَنْ تَسمح لَك الصباحات ، ولا النَّهارات ، بالتفكير فِيهَا .

مَعَ كُل لعنَة لذيذة يُمكن للسَّرير الذي يَضُم جَسدك أَن يَتحول إلى مُستنقع ،تَنق فِيه ضَفَادع مُختلفة ، ويَتَحرك فيه سَمك السَلمون صَغِيرا ، وقَميئا ، ولَيس فِيه مَا يُشهي لأَكله ، حِينها لاَ تَستطيع إلا أن تَكُون صَيادا ، أو حَكيما يَتأمل ما يُمكن أنْ يَتَطاير من المستنقع من أفْكَار ، والأَسوأ أَن تَتَحول إلى سَمَكة مِنْ غَير اسم تَسبح فِيه ، ويَكُون همُّها الدَّائم الهروب مِن أَسماك أَضخم .

اللَيالي لَيست مُريحة ولا مُؤرقة ، إنَّها لاَ تَفعل شَيئا مِن هَاذَين الأَمرين إلا للذين يُعولون عَلى ستَار الظَّلام كَي يَنسوا كَشف النهَار ،أمَا إياي فَإني مَنذور لَشيء بَينهُما ، لِمَنزلة بَين المَنزلتين ، لَذا لاَ يَتوقف هَذا الذِّهن عَن البَحث عَن جرعَات مِن أَفيون خَيالي غَير منظور ، أو عَن كُؤوس من فودكا رُوسية قَديمة جدا تَخلصت من شربها قبل شُهور سَلفت .

هُناك ليالي تكُون فيها سَمكة فِي قَلب أُكواريوم صَغير جدا ، ورغَم أنَّك السمكة الوَحيدة التي توجد هناك ، إلاَّ أَنَّك تَشعر أَنَّ سَمكة قرش أبيض تُلاَحقك ، وأَنَّ حِيتان الأُوركا تخَطط بِذَبذباتها جد المتطورة لِتَحديد مَكانك ، وتَشعر أَنَّ الطحالب الخَضراء التي من الواجب أن تَقتَات منها تَعمل جاهِدَة علَى نَفث مَادة سَامة كَي تَقتلك .

الأَمر لاَ يَقف عندَ أَنَّك سَمَكة فِي قلب أوكواريم صَغير جدا ، بل إنَّه متسخ جدا ، وجدير بأَن يَكُون بالوعَة لاَ تَستحق أَن تعيش فِيها غَير فِيروسات مازال العلم لمْ يكتشفها ، وفِي جَوانب هذه البَالوعة تَتربص كائنات غَير مُحَددة المَلاَمح اطلاَقا، تُحاصر كُل محَاولة لأخذ النَّفَس .

وأنْت سمَكة صَغيرة جِدا في أُوكواريم صَغير جِدا سَتحلم دُون شَك بالحرية ،لكن ذَاكرتك سَتَكُون كَذاكرة السَّمك ، فَلا تَمر إلا ثَواني حَتى تَنسى مَا فَكرت فِيه للتَّو ،وبَين الفكرة وعَدم تَذكرها ، سَتُقرر أن تَقضي تلك الليالي بِدون أَي مُحاولة للتَّفكير ، فالليالي السَّوداء تَكون مُرعبة أَكثر حِين تكون لها أَفكار وَردية .

كَأَني أسبح فِي أُوكواريم ؛ هَذا هُو عُنوان الليالي السبع أو العشر الأَخيرة ، وَرغم مَا يمكن أنْ يُسببه الأوكواريوم من خَنق لكائن مِثلي ، إلا أن السَّمك هو أحسن كائن يمكن أَن يَتحول إليه المرء، فهو بِدون ذَاكرة ، وهَذا ماتحتاجُه بعض الليَالي ، إنها تَحتاج أن تَكون كائن حي لكِن بِدون ذَاكرة ، لِذَا سَيكون تخيلك لنفسك سَمكة تَسبح في قلب أوكواريم أفضل عِلاَج لما تُصَاب به من حَالات تَوتر نَاتجة عن الذاكرة .

أُفَضل أنْ أَكُون سَمكة صَغيرة جدا في قلب أوكواريوم صَغير جِدا عَلى أنْ أَكون فِي بَحر يتَهافت عَليه الجَميع ، ويَتَقاتل الجميع مِنْ أَجل أخذ مَكانٍ فِيه ، ويَتم وَضع المقالب بشكل دَائم مِن أَجل أَخذ مَكان سِبَاحة آخر ساذَج لَم يَفهم قَانون البَحر ، لِذا رَأيت فِيمَا يَرى النَّائم فِي الليالي السوداء التي تَتوفر عَلى لعنة لذيذة ، أَنِّي أَسبح بِدون نِهاية ، فَسَمكة صغيرة مِثلي سيَبدو لَها ذلك الأوكواريم الصغير جدا بحرا واسع الأَطراف ، ربَما احتاجت سنينا لِكَشف جُزء منه .

هَكَذا أُعلنها : فِي بعض الليالي السَّوداء أُفَضل السباحة في أوكواريم صغير جدا ومتسخ كَي لاَ أَرى بعْض الحُثَالة في البحر .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *