مركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط يحتضن ندوة علمية احتفاء باليوم العالمي للغة العربية

خاص- ثقافات

تقرير: الدكتور لحسن الكيري*

 

    نظمت شعبة اللغة العربية بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط بتنسيق مع إدارة هذه المؤسسة يومه الخميس 15 دجنبر 2016 من الساعة العاشرة صباحا إلى الساعة الثانية و النصف زوالا ندوة علمية تخليدا لليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف الثامن عشر من شهر دجنبر كل سنة كما هو معلوم. و قد كان عنوان هذه الندوة العلمية المباركة: “اللغة العربية و تحديات الثورة الرقمية”. و قد جرت أطوار هذه الندوة في جلستين. و هكذا ففي الجلسة الأولى تناولت الكلمة رئيسة لجنة التنظيم و أستاذة ديداكتيك اللغة العربية بالمركز الدكتورة فاطمة حسيني فرحبت بالمحاضرين و الحاضرين مذكرة بما لهذه المناسبة من مكان خاصة عند المتكلمين بالعربية عامة و مدرسيها خاصة مسلطة الأضواء في ذات الآن على وضع اللغة العربية في الزمن الراهن و ما ينتظرها من تحديات لعل أبرزها التحدي الرقمي.

    و بعدها تناول الكلمة السيد محمد أمطاط مدير مركز تكوين مفتشي التعليم بصفته رئيسا لهذه المؤسسة فرحب بدوره بالحضور و أشار في مداخلته إلى فضائل اللغة العربية و مكانتها بين اللغات الحية في العالم اليوم رغم ما يتهددها حقيقة من أخطار يتمثل أبرزها في اللهجات العامية. و بعده تنال الكلمة السيد يوسف أبو دقة نيابة عن السيد عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة (الإسيسكو) الذي لم يستطع الحضور شخصيا، فذكر هو الآخر بالجهود التي ما فتئت تبذلها هذه المنظمة منذ ثلاثين سنة على عدة مستويات محلية و إقليمية و دولية خدمة للغة العربية و تمكينا لها كي تواصل الحفاظ على مكانتها لغة حية و أداة للتدريس و موضوعا للدرس. و قد كشف عن مجموعة من المشاريع التي تدخل في السياسة التي تنتهجها الإسيسكو كذلك لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. ثم تناول الكلمة بعده الدكتور عبد الفتاح الحجمري؛ مدير مكتب تنسيق التعريب فشدد على أنه رغم الجهود المبذولة إلى حدود الآن من طرف الأفراد و الهيئات و الحكومات في مجال النهوض باللغة العربية إلا أنه لا زال ينتظرنا عمل كبير خاصة فيما يتصل بعلاقة اللغة العربية بالرقمية و فيما يتصل كذلك بالبحث المصطلحي. و قد كشف عن بعض إنجازات المكتب الذي يتشرف بإدارته و المتمثلة في قرب إصدار ثلاث معاجم رباعية اللغة منها واحد في علوم التربية. و إثر ذلك أخذ الكلمة الدكتور فؤاد شفيقي مدير قسم المناهج بوزارة التربية الوطنية و التكوين المهني فقدم عرضا مختصرا عن السياسة التي تتبعها الوزارة من أجل النهوض باللغة العربية ما دام يمثل مؤسسة حكومية حسب قوله. و هكذا أكد أن مستوى تدريس اللغة العربية لا بأس به اليوم في المدرسة المغربية على العموم. كما أشار إلى أربعة مشاريع جعلت منها وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني أولويات رئيسة و هي تلك المتعلقة بمشروع المنهاج المنقح للتعليم الابتدائي ما دامت أزمة القرائية آتية من المرحلة الابتدائية، و مشروع الديداكتيك المتداخلة و مشروع تدريس اللغة العربية لأبناء الجالية المغربية بالخارج ثم مشروع تحدي القراءة العربي.

    و بعد ذلك تناول الكلمة الدكتور محمد بلحسن نيابة عن الدكتور فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني للدفاع عن اللغة العربية الذي لم يستطع الحضور هو الآخر. و قد أكد في تدخله أن اللغة العربية عنوان الثقافة العربية الإسلامية و لا محيد عن إعطائها العناية التي تستحقها إذا ما أرادنا أن نتقدم. و لا يجب أن نتعجب من ذلك ما دام التاريخ يبين بما لا يترك مجالا للشك أن الشعوب التي تتقدم و تتطور تفعل ذلك بلغتها الوطنية الموحدة و بعيدا عن التشرذم و التناحر اللغوي. و في الأخير، تناول الكلمة الدكتور موسى الشامي رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية فقرر هو الآخر كون اللغة العربية في المغرب اليوم بحالة حسنة شاء من شاء و أبى من أبى. إن اللغة العربية حالة خاصة بين لغات الأرض إذ كرمها الله بأن حملت رسالة القرآن فنحن عندما نقول الإسلام نقول العربية، و بالتالي فهي باقية ما بقي المسلمون رغم مشاكلهم السياسية اليوم خاصة في بعض الدول العربية كسوريا و العراق. و قد أضاف بأن كون تقدمنا سبيل إلى تقدم لغتنا و تطورها.

   و بعد استراحة شاي انطلقت الجلسة الثانية التي سيرتها الدكتورة فاطمة حسيني كذلك و شارك فيها نخبة من الدكاترة المتميزين بورقات بحثية مستفيضة صبت جميعها في مسألة اللغة العربية و تحديات الرقمية. و قد تناول الكلمة في البداية الدكتور محمد لهلال؛ أستاذ اللسانيات بكلية آداب المحمدية و عضو الجمعية المغربية للسانيات العربية الحاسوبية. و قد سلط الضوء على ما للتكنولوجيا من أفضال على تحسين جودة تدريس اللغة العربية و تدويلها و نشرها على نطاق واسع في أوساط المتكلمين عالميا. أما المداخلة الثانية فقدمها الدكتور حسن بدوح؛ أستاذ اللسانيات بالكلية المتعددة التخصصات بخريبكة و الذي أفاض بدوره في موضوع اللغة العربية و التحديات المعرفية المطروحة عليها في زمن العولمة مشددا على تأخرنا في مجال لغوي ثقافي حيوي هو الترجمة إلى اللغة العربية و منها إلى لغات حية أخرى. و هذا حسبه ليس في صالح لغتنا التي تتجاوزها تلك اللغات بخطوات في استيعاب المفاهيم و المصطلحات العلمية الحديثة. و لعل تقرير اليونيسكو يبين تأخرنا كدول عربية في مجال الترجمة. و قد دعا إلى إعطاء البحوث اللغوية التطبيقية أهمية كبرى لما لها من قيمة في مجال تحسين تدريس اللغة العربية كما شدد على ضرورة التجسير الأكاديمي أي التكامل بين العلوم و المعارف و الذي أصبح ضرورة علمية.

    في حين تناول المتدخل الثالث الدكتور محمد بلحسن، مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية و التكوين بفاس، الكلمة فسلط الضوء على المحتوى الرقمي العربي على الشابكة. فبين أن هذا المحتوى بات يعرف تطورا من حيث الكم و الكيف و ذلك راجع إلى عدة أسباب و عوامل يتداخل فيها الحضاري و السياسي و الاقتصادي و الثقافي. فمثلا التوسع التدريجي للوسائل التكنولوجية في أوساط المجتمع العربي جعل هذا المحتوى يغتني يوما بعد يوم. و إثر ذلك، تناو ل الكلمة الدكتور عبد الفتاح شهيد و هو أستاذ بشعبة اللغة العربية بالكلية المتعددة التخصصات بمدينة خريبكة. و قد عالج في مداخلته قضية القصيدة العربية في الفضاء الرقمي. و قد بين أن القصيدة التفاعلية لا زالت تحول دون فرض ذاتها و إثباتها صعوباتٌ لعل أبرزها ضعف ثقافة التقنية في مجتمعنا العربي و عدم استمرارية التجارب إما بسبب فقدان الثقة و القناعة في المشروع أو انشغال الشعراء بوهم و مرض الزعامة. و قد ذكر ببعض التجارب في هذا المضمار كتجربة مشتاق عباس معن و منعم الأزرق.

    و في الأخير، تناول الكلمة الدكتور عبد العزيز عشعاش باسم الطلبة المفتشين بقسم اللغة العربية و ذلك في مداخلة ابتغى لها عنوانا “اللغة العربية و الفجوة الرقمية”. و هكذا فبعد مدخل تأطيري بين فيه مكانة اللغة العربية بين لغات الدنيا و وقف على بعض فضائلها و خصائصها و قيمتها في أعين أولي العلم القدامى و المحدثين، انتقل إلى تقديم مجموعة من الاقتراحات القمينة بسد تلك الفجوة الرقمية التي أمست تعاني منها اللغة العربية. و هي فجوة يتم تداركها عبر عدة مداخل يتعالق فيها السياسي بالتربوي و الثقافي و التقني.

   و أخيرا و ليس آخرا، فقد تفاعل الحضور مع المحاضرين بطرح أسئلة و تساؤلات لامست بعض القضايا العالقة في الورقات البحثية التي تقدم بها هؤلاء الباحثون الأكاديميون الرصينون. و قد تم ذلك في أجواء أكاديمية يطبعها الاحترام و التبادل و التقاسم و الموضوعية و التواضع و التفاؤل و الأمل و ذلك رغم ضيق الوقت. ثم تناولت الكلمة الدكتورة فاطمة حسيني فأثنت على المحاضرين و شكرت لهم جميل حضورهم و تجشمهم صعاب السفر للمساهمة في إثراء هذه الندوة كما شكرت جمهور الحاضرين على التفاعل و الاهتمام. و هكذا اختتمت أشغال هذه الندوة العلمية على الساعة الثانية و النص زوالا.

________

*كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء – المغرب.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *