خاص- ثقافات
*سيومي خليل
التَّقرير الأَول :
يَرتَدي جَسده.
يَسكنُ جسده.
وكصخرة عظيمة يحَاول التنقل به ، كَصدفة سُلحفاة بحرية ، يَتَحرك صَوب عَمل لا يُحبه ، يَمر جَنب أشياء لا يَراه، كلما أَتعبته الصَّدفة ينقرها قَليلا، يَتحسَّسُهَا ، فيجد أنَّهَا مَازَالت هُنَاك ، هِوايتُهُ الوَحيدَة هي أَن يَتذكر مَا يَرتَديه ، وأنْ يُعيدَ السَّكن في جَسده ، يُضيف إلى اسمه دَائمَا عبَارة أنتمي إلى هُنا .
حِين سُئل عن المَّقصود بالهُنَا ، فَهم سَائله، بتلميح خَفي، أنّه يَقصدُ العَالم العربي .
التَّقريرُ الثَّاني :
وفق التقرير الأول يَتضحُ أنَّه بَرم بإنتمَائه.
لا يكره انْتِمَاءه تَحديدا ، إنمَا مُثقل به لاَ غير.
إنَّه حَزينٌ لأنَّه عَربي الآن ، عَربي هُنا ، عَربي في وقت ضائِع …
لقَد صَادَف وأن تَحدثَ عنْ الهَامش وعلاقته بالعَربي ، به تَحديدا ، الهَامش سَكن آخر لي بَعد جَسدي ؛ هَذَا ما قَاله لإحدى السُّحب العَابرة يوما ما …
دائمَا مَا يَضْحَكُ ويَقُول عبَارة مُّؤثرة :
لقد نَجَحْنَا في خَلْق مَركَزَا لنَا دَاخل الهامِش ، إنَّا نَحتلُ الرتَب الأولى في الذيل.
لمْ يَقف البرم هُنَا تحديدا ، إن حَالة القَيء التي تُصيبه ، تَجْعلُه علَى درايَة بالظلام ، يفهم جيدَا كيفَ يَكُون اللَّون الأَسْود هُو لَون خَرائط جغرافية، هو لَون بُلدان ، ولونُ حُكومَات ، ولَون مؤَسسات …حالة البَرم الشَّديدة تَجعله إنطوائيا إلى أبعد الحدُود ، إنَّه يرى بعين الريبة كل شيء يتَحَرّك في مساره ، لقد قَال لنفسه يَوما ما بكل جرأة :
في ظل هَذه القتَامة الشديدة التي تُظللنَا وتضلنَا يمكننَا أن نَّشك حتى في نوايا الفَرَاشات .
التقرير الثالث:
في مسألة النَّوايا تم استنتاج قِرَاءة غريبة لنواياه .
إنَّه تَحديدَا لا يتوفر على نية محددة ، إنَّه يَعيش لا غير، مثل أي حمَار مثقل بالحجَارة .
النية الوَحيدة التي تَعلم أَن يُفكر فيهَا دَائما هي أنَّ النَّوايا لا تعني شَيئا مُّحددا .
وفي تَفاصيل شَرحه لهذه الفكرة قال :
نَوايا الجَميع حسنة ، وعالمنا خَراب.
نَويا الجَميع صَادقَة ، والفَساد يَتَعوسَجُ في كُل شَيء.
نَوايا الكل ملائكية ، وفرنكشتاين مقيم دائم هنا
لقد تَساءل سُؤالا بريئا :
إن كنَا صادقين ، فلما المسار به كل هذه المَّطَبات ؟؟؟
لقَد تخلى عنْ النية ، إنَّه يعْمَل ، يَتحرك ، يَمشي ، يَنفعل لا غير ، ويَكون مسْؤولا عمَّا يَقوم به ، لا يبرر مَا يفعله إطلاَقَا بمَا نَواه ، فهو لا يريد أن يَكُون كَالقطيع الذين يلتجئون إلى حاَئط النوايا كيستظلوا به .
التقرير الرابع :
تم البَّحثُ في الأَساليب الخَاصة التي تجعله رجلا ، عَمَلاً بالعبارة الشهيرة الرجل هو الأُسلوب ،فَوُجِدَ أنَّ هُنَاك خَلل كَبير في الأُسلوب ، وأنَّ كل المَقَاطع بهَا نشَاز وَاضح ، وأَنَّ السَّلاَسة المَّفْرُوضة تختفي كلمَا تَعمق الإنسان دَاخله ، فلا تَجد غير الهَشاشة ، كأن دَاخلهُ خيوطُ عَنْكَبوت تَكفي نسمة لتفتيتها .
حين سُئل عن هذه الهشاشة ضحك وقَال :
هل مَطلوب مني أن أكون أسلوبَا رَائقَا ؟؟؟؟
صمتَ ثمَّ أجَاب نَفْسَه:
نَعَم مَطلُوب مني ذَلك ، لكنْ للأَسَف لَمْ تَضعوني في كتَاب مُثير ، لقد وضَعتمونِي في قفص ، في بنَاء اجتماعي لا أُسلوب وَاضَح لَه ، إذن ليس من المَعقُول أَنْ تَطلبوا من الطيور في الأَقفَاص أنْ تَطير ، أزيلوا الأَقفَاص لاَ غَير .
التقرير الخامس .
أفضَل تَشبيه شُبه به أمثاله هُو التَّالي :
الفَراغ الذي كان يميز بعض القصَائد النَّترية ، وقَصائد الشَّعر الحُّر …
لقد قَال :
إننَا تَحديدا تلك الفَراغَات التي تَكُون في القَصَائد ، والتي لا تعني شَيئا مُّحَددا ، والتي يَجْتهد النُّقَاد في اعطائهَا مَعنَى مَا حين يكون الشَّاعر مشهورا …
إننَا ذلك اللاشيء الذي يَقوم بدور مَا.
لاشيء يَتحرك ، يَعمل ، يُنتج ، يتناسل ، يفكر ، ويُمْكنه في آخر الليل أَنْ يَجد شَيئا يفكر فيه يصلح للغد …لكن مع كل ذلك يظل لاَ شَيئا …
هذا اللاشيء عَابر في جُغرَافيا التَّوتر.
يَصلح ليكونَ وقودا للحُروب ، ليتَحَول إلى فِئران تَجَارب ، لتمَارس فيه آخر ابتكارات الأنظمة الفَاسدة ، لتنتهك فيه مَعَالم الإنسان …
إننا لا شََيء يصلح لأَشياء كَثيرة ، شَخَصيات عَابرة جدا في بلدان يَبدو أنَّها سَتكون عابرة هي الآخرى إن لمْ تُعد قراءة نفسها ..