ذَاتُ ظَفِيرَةٍ قَائِظَةٍ

خاص- ثقافات

*سيومي خليل

لاَ تَتَبعْنِي ..كُنْ أَنتَ ، وأنَتَ فَقَط.
نيتشه.
—–
لا تَعْكس المرْآة شَيئا مِّما أَعرفُه عن نفْسي
كل مَا تَعْكُسه لاَ أَعْرفُه
هَو لآخر لَمْ يَسبق أنْ عَرفتُه يَوما
أو ربمَا جَالستُه فِي أحد المَجَالس الكَئيبة .
أنا :
خَليل..
كانَ هَذا الاسْم هُو مَا نادتْني بِه
ذَات صَبيحة
ظَفِيرَة مُّعلقَة علَى رَأْس أنْثى
بصوتهَا الجَهُوري كَرَّرَته مَرة آخرى
لكني كَأي مُتَوحد
تُضَخم أذنَاي الحُروف والأَصْوات
فَلاَ أَسْمَع غَير ضَجيج لاَ يَنْتهي
مَطَارقٌ تُراقص مَسَاميرا علَى لَوح
وَقَع بَين الأُذن ومُنَاداة تلك السَّيدة .
على السَّاعة 12:00 تحديدَا
يَنْتَصف دَاخلي الإحساس بالرَّغبَة
والرَّغبَة فِي زَوال هَذا الإحْسَاس
كمَا يَنْتصفُ اليَوم بينَ النَّهَار
واللَّيل
وكمَا تَنْتصفُ اللغَة على شَفَتي
السَّيدة صَاحبة الظَّفيرة
وهي تنَادي مَرة آخرى
باسمي مبتُورَا من حرفيه الأَخيرين
خل …
انتبهت أنَّ الحَرفين يعنيان فيضا منَ المعَاني
فَأنَا ذلك الصَّديقُ الذي كَانَت
تَتَفنن القَواميسُ التي لاَ أُحبها فِي البحث عنْ
مترَادفَات لَه
وأنَا أيْضَا ذَلك المَّسْعى الذي أجْمَع
كُل الشُّعراء دُون اسْثتناء أنَّهُ غَير مُتَحقق .
قَالت:
خِّلٌّ
وغابَ صَوتهَا
أمَّا صُورتهَا فَلمْ تَكن فِي عينَي كيَ أحتفظ بهَا
ولا استطَاع النُّورُ أنْ يُوضحهَا .
المرآة مَرَّة آخرى يُمكنها في لَحظَة مَا
أنْ تُكَرر مَا كُنت قدْ سَمِعتُه
كمَا تُكَرر مُّسجلَة أُغنيةً رَتيبَةً عنْ حبُ فاشِل
تُكرر المرَآة مَا سمِعَتْهُ الأُذن
ليصَيرَ رَسمَا تَشْهدُه العَين .
ذَات الظَّفيرة هِي في الأَصل تَفْصيلٌ
غَير مُنْتَبهٍ لَه
كان وَراء صُورتي التي ظَهرتْ علَى المرْآة
يُشبه تَمَاما المَّكْتَبة التي تَضمُّ كُتُبي
والتي تَقَعُ المرَآة أمَامهَا
كأني بهَذَا التَّرْتيب أُريدُ أنْ أَتَوفَرَ
علَى نُسْخَتين من كُل كتَاب.
ظهرتْ ورَائي تَمَاما
ونادَتْ
بالاسم كَاملاً في المَّرة الأُولَى
وبالاسم مَنْزُوع الحَرْفين الأَخيرين
في المَّرة الثَّانية.
كَي أفهم مَا وَقَع دَاخل المرَآة
عرجتُ علَى مَا يَقَعُ داخلي
وللغَرَابة أنَّ كُل مَا كَان يَقعُ دَاخلي
كَانَ فَوضَى شَديدَةَ الوضُوح
تَذَكرتُ نيتشه وهو يَطْلُب
تَرك الفَوضَى دَاخلنَا كَمَا هي
كَي نَرَى النَّجمَة وهِي تَتَرَاقَصْ ؛
هَل كَانَتْ صَاحبةُ الظَّفيرة هِي تَحديدَا تلك
النَّجمَة التي يَجب علَيَّ أن أتركهَا تَتَرَاقَصُ
داخلي ؟
هل كانَتْ هي الوَهْم القَديم بأنْ
أمْسك إحدَى الكَائنَات التي تَعيشُ دَاخل
المرايا؟
ثم ، وكَي لاَ أَكُون منحَازَا لأَي وَهمٍ
بامتلاَك الحقيقةَ ،
هَل كانَتْ المرآة هِي منْ تُحَدِّقُ فيَّ
تلك اللَّحظَة ؟.
لقَد سمعتُ اسمي
وهَذا بِكُل بسَاطة مَا يُمكنني أنْ أقولَه
لأَي شَخْص سبَق وأنْ سمَع اسمَه
في لَحظَة مَا
يَنطقُه كَائِنٌ غيرُ وَاضح المَعالم
لكن مَا لاَ أستطيعُ أن أقُولَه
أنَّ صَاحبة الظفيرَة
لاَ يُمكنهَا أنْ تَكُون غَير وَالدَتي
فَهي التي تَدَرَّبت علَى نُطقه
دُون أن أسْتَطيعَ رُؤيتهَا
وهِي التي تَنْطقُه تَمَامَا في اللحظة
التي أكُونُ مُحتَاجَا لسَماعه.
إذن ، التَّفصيل غيرُ المُّنتبَه لَهُ
الذي ظَهر علَى المرآة
كانَ حَنيني لظَفيرَة وَالدَتي
لتلكَ الظَّفيرَة التي كَانت مُّمَيزة جدَا
والتي تَصلُ إلى خصرِهَا
والتي فَقَدت الكثِيرَ منْ بَريقهَا حينَ كبُرَت
وصَار لونُها أَحمرَا
بفعل الخُضَاب الكَثير
الذي أَحبتُه وَالدتي .
التَّفْصيلُ كَان شَوقا لذاتي الآخرى
لذَات كُنْتُ أرَاهَا تَتَعَاظمُ داخلَ ذَاتي
لكني تَذَكَّرتُ
أنَّ الوَالدة كَانت تَقُول لي :
مَا تَرَاهُ في المرآة لَيس صُورتَك
فَكن أنْت صورتكَ
بعيدَا عنهَا .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *