أخيراً عثرت على الفندق، وسألت الرجل ذو القفازات البيضاء إذا ما كان أبي هناك. أشار الرجل إلي مكان ما في الداخل وقال :
– عليك أن تسأل في الاستقبال.
فسرت إلى حيث أشار، وضعت يدي على الكونتر الذي كان أمامي مباشرة. ابتسمت السيدة التي كانت موجودة عندما أخبرتها بما أريد، هنا تليفون يمكنك استخدامه، نهضت من خلف المنضدة ووضحت لي كيف أستخدم التليفون.
كان صوت أبي مندهشاً لسماع صوتي، وصار أكثر دهشة عندما علم أنني موجود في الفندق، فنزل على الفور ليراني، كان يرتدي بدلته، ولكن رابطة عنقه محلولة تماماً كما كان يحدث عندما يعود من عمله في نهاية اليوم، قال :
– مرحبا تيجر!
ثم مسح علي رأسي ونظر حوله وقال :
– أين أمك ؟
– في المنزل.. لقد أرسلتني
– أرسلتك ؟
ثم أضاف في صرامة ؟
_ لوحدك ؟
– قالت لي أن علي أن أستلم الجثة.
امتقع وجه أبي و قال في همس :
– قالت ماذا ؟
أعدت عليه ما قالته لى أمي بالضبط.
حدق أبى في وجهي وقال :
– إنها مجرد رحلة عمل. ما الخطأ في ذلك ؟ ألست أسافر كثيراً ؟
تطلع أبي ورائي، عبر أبواب الفندق الزجاجية، كانت الشمس تسطع في الخارج والناس يركبون التاكسيات، لا أستطع أن أقول إلام كان ينظر أبي. بعد هنيهة، قال :
– يا للمسيح، حسنا، إذن هي خطط النساء السرية.
وعند ذلك تطلع إلى وجهى من جديد وقال :
– لماذا لم ترسل أمك واحدة من أختيك ؟
– قالت إن ذلك واجبي، وقالت إنني الرجل الجديد للمنزل.
وضع يده على كتفي وقال وهو يضغط عليهما :
– أعتقد أنك ستكون. أعتقد أنك ستكون كذلك.
– لا أفهم.
فقال
– في الوقع أنا نفسي لا أفهم. لا أعتقد أن هذا يحتاج إلى أي مساعدة على الإطلاق، أليس كذلك ؟
شعرت بخيبة أمل، فمن المفترض أن يتفهم البالغون هذه الأمور .
قال أبي :
– هل تناولت طعاما ؟
أخذني إلى العشاء في مطعم الفندق، وهناك سألني عن المدرسة، في تلك الليلة، نمت على الأريكة في غرفته الفندقية، وفي الصباح، ركبنا الطائرة إلى البيت، لم يضايقني الناس في هذه الرحلة، مثلما حدث في رحلتي التي كنت فيها وحدي.
عندما حطت الطائرة، أخذنا تاكسي أجرة إلى المقابر، كانت أمي وأختاي قد سبقننا إلى هناك. كن يقفن بجوار حفرة وكومة كبيرة من التراب. عانقتنى أمي، كانت تبكي من وراء خمارها الأسود، وكانت أختاي تبكيان أيضا، فبدوتا مثل سيدتين كبيرتين في الفساتين السوداء وهن يضعن المنديل على أعينهن، وكان هناك رجل في عباءة سوداء بجوار الحفرة.
قال أبي :
حسنا، أعتقد أنني أعرف ما يجب أن أقوم به.
سوى أبى رابطة عنقه، ثم نزل إلى الحفرة ورقد فيها، تكلم الرجل ذو العباءة السوداء لبعض الوقت، كان يستخدم ألفاظا لا أعرفها.
تطلعت إلي داخل الحفرة ولوحت لأبي، فلوح لي، عند ذلك رمت أمي بحفنات من التراب داخل الحفرة، وفعلت أختاي مثلها. وكان للتراب صوتا ناعما، مثل صوت المطر وهو يضرب قميص أبي. وضعت أمي في يدي قطعة من الطين، فبدأت في البكاء وأنا أمسك بها، بينما أمي وأختاي يجمعن التراب ويلقين به في الحفرة، استقر معظم التراب حول حواف الحفرة , لم ينزل تماما فوق رأس أبي.
قال أبى :
تيجر. ما زال هناك الكثير الذى لم أقله لك حتى تصير رجلا.
انهال التراب عليه من كل جوانب الحفرة، كما لو كان قد سقط في قاع فوهة بركان. طوبة وراء أخرى، و إلى جانب ذلك ألقوا عليه بأكوام التراب من كل الجوانب، نفض بنطلونه وقميصه، وعلى الفور، لم يظهر منه سوى وجهه.
قال أبي :
لا تفعل شيئا غبيا أو مجنونا.
ثم أضاف :
– أحب لك عندما تكبر ألا تندفع نحو فتاة مزعجة، يمكن لك أن تتريث. أنا و أمك تريثنا.
لا أعرف عما يتحدث، ومع ذلك وافقته، ومسحت أنفي بطرف كمي، غمز لي بعينه
ثم أغلق عينيه متفاديا التراب، والآن لا أرى منه سوى فمه، حيث تلطخ بقع من التراب الأسود أسنانه، قال :
– وهذا مهم جدا
فركت قطعة الطين التي في بيدي :
– أنصت إلى أمك كما قالت أنت رجل البيت الآن.
بدأ بعض التراب الذي رمته أمي فى الانهيار بعيدا عن أبي قليلا، فقال :
– سوف أزوركم عندما أستطيع
وعندئذ غطى التراب فمه، وصرخت أمي وشدت شعرها وهي تلقي بالمزيد من التراب.
المؤلف : بروس هولندا روجرز / Bruce Holland Rogers كاتب أمريكي يكتب القصة القصيرة، كما يكتب أيضا تحت الاسم المستعار Hanovi Braddock. وقد فازت قصصه بالعديد من الجوائز الأدبية.أبرزها الترشح لجائزة إدجار آلان بو لأفضل قصة قصيرة، ولد عام 1958فى توكسون، بولاية أريزونا، وقد قام بتدريس كتابة القصص في الدنمارك، اليونان، فنلندا، والبرتغال.