اسـم الآلـة

خاص- ثقافات

*أ.د/ عبدالرازق مختار محمود

في اللغة العربية اسـم الآلـة هو: اسم مشتق من الفعل للدلالة على الأداة التي يكون بها الفعل، ويصاغ من الفعل الثلاثي المتعدي على الأوزان الثلاثية التالية: مِفعال بكسر الميم مثل: منشار، مسمار، محراث، ووزن مِفعل بكسر الميم مثل: مغزل، مصعد، مشرط، وكذلك وزن مِفعلة بكسر الميم أيضاً مثل: مغسلة، مسطرة .

كما أجاز مجمع اللغة العربية وزنين آخرين هما: فعّالة، مثل: غسالة، ثلاجة، ووزن فعّال، مثل: خلاط، سخّان، وهناك أسماء آلة جامدة، أي ليس لها أفعال، مثل: سيف، فأس، قلم…..

واسم الآلة هو الحاضر الغائب: فهو الحاضر في كلماتنا اليومية، والغائب بمفهومه، ودلالته، وقاعدته، ليس بين العامة فقط، بل بين كثير من المتخصصين،  وَهَذَا يؤشر بدوره إلي شيئين يمكن التأمل فيهما ونحن نعاود قراءة مدلولات اسم الألة:
الأول وهو حال اللغة العربية؛ فالعربية وهي درة التاج بين اللغات قوة ورصانة، ويسرا، وشموخا، ونموا، ورسوخا، فهي الحاضنة للقرآن، والقرآن خاضنتها، وهي الضاربة في جذور التاريخ، والمحلقة في سماء الأبدية، وهي كما يقول الدكتور عبدالصبور ضيف – رحمه الله-  لغة العلم والتقنية.

نعم وللأسف الشديد أصبح حالها كحالنا، متداعية بين اللغات، منزوية في كل المحافل، والملتقيات، غائبة في المؤتمرات، والمحاضرات، تتلقي يوميا الطعنات من المنتسبين لها قبل الكارهين.

فها هي أجيال كاملة من المثقفين، ومن المتعلمين، والمعلمين، بل والأكاديميين، قد هجروها، واستبدلوها بمزيج، وخليط مقيت من  غثاء اللغات، والإشارات، والرموز الالكترونية، التي تؤشر أول ما تؤشر إلي ضحالة هذا الجيل، وسطحيته، وابتعاده عن الجذور.

333333333
وإذا انطلقنا إلي ميادين التعليم، فحدث ولا حرج، فلولا بقية من حياء لاختفت اللغة العربية، من قاعات دروسنا، وهي تكاد، بعد أن أصبح الهوس باللغات الأجنبية في منتهاه، وأصبح الطفل وهو في أيام كلماته الأولي قاموسه الأجنبي أقوي، وأشمل، وأكثر ثراء  من قاموسه في  العربية بكثير، وهو خلل بين وواضح، يسير عكس مراد العلم، وهو ما انتبهت إليه دول كثيرة، عادت سريعا إلي لغتها القومية، تعلمها، وتطورها،  وتقويها، وتشق لها في طريق عالمية اللغات طريقا، وحذرت تلك الدول، وأكدت أن تعليم اللغات الأجنبية، ينبغي أن يتأخر قليلا، حتي يتخرج الطفل من مرحلته الابتدائية، كما كنا نفعل قبل ربع قرن، وكنا متفوقين في العربية والأجنبية، فكان العقاد، وطه حسين، كما كان مصطفي مشرفة ونبوية موسي، كان نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، كما كان مجدي يعقوب، وأحمد زويل. بل إن هذه الدول التي وضعت لنفسها مكانا مرموقا بين الدول المتقدمة قد رسخت مفهوم دراسة أساسيات العلوم، والرياضيات، باللغة القومية، وأكدت نتائج دراساتها أن تعليمهما يكون أفضل، ودرجة الإبداع أكبر، في حال التعليم والتعلم باللغة الأم.

أما المؤشر الثاني لاسم الآلة فهو الآلة عينها، وحالها لا يختلف كثيرا عن حال اللغة العربية، فنحن لا  نأخذ من الآلة إلا اسمها، وإن تمسكنا بها جنحنا إلي ذلك النمط الاستهلاكي،  وإذا زاد اهتمامنا أخذنا منها الضار أكثر من النافع، فبدلا من أن تقوم صناعات للتكنولوجيا، ونحتضن مصانع الطائرات، والسيارات، وغيرها، برعنا في مصانع الإسمنت، والأسمدة والبتروكيمياويات،  فهلكنا، وازدهرت تلك الصناعات. نعم فبدلا من معاودة افتتاح، وتطوير مئات المصانع المغلقة؛ التي تميزنا فيها وبها: كالنسيج، والسيارات، وبعض أنواع الألومنيوم، وغيرها، وتلك صناعات ضاربة في جذور إمكانياتنا، ولدينا من الأرصدة التاريخية والخبرات، ما يؤهلنا لمواصلة التطوير، إلا أن حالها كحال اللغة العربية، سارت في ركب الاغتراب، والتساهل، وأصبحنا نستورد ونستخدم،  من الآلات كما نستورد ونستخدم من الكلمات؛ فأصبحنا مذبذبين بين ذلك لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء. فلا بجذورنا وإمكاناتها تمسكنا، ولا تعلقنا بالغرب حق التعلق.

نعم هذا اسم الآلة، وهذا حاله بين قواعد اللغة العربية، وهذا حالنا بين الأمم هجرنا لغتنا فانزوت بين اللغات،  وتركنا ألاتنا فأصابها الصدأ، وأصبحنا نستورد الكلمات والآلات.
وأمه هذا حالها مع لغتها، وصناعتها هي أمة تحتاج إلي الكثير من الجهد؛ حتي تنطلق بلغتها إلى العالمية، وحتي تصبح صناعتها  رمزا؛ لتميزها.
وأخيرا فان عودة اللغة العربية  إلي مدارسنا لغة تعليم، وتعلم، وتميز، وتفرد وتقدم،  ربما يكون المدخل والسبيل إلي عوده الآلة إلي مصانعنا حتي ننتج، ونبدع، ونصدر، ونتصدر.

نعم  فلتعد لغتنا القومية إلى حيث الرسوخ، والتمكين؛ تعد مداخن المصانع محلقة في سماء العالمية.

____________
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *