خاص- ثقافات
إِنْرِيكِي أَنْدِرْسُونْ إِمْبِيرْتْ*/ ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**
أهدي هذه الترجمة إلى مترجمين عربيين مصريين كبيرين بذلا مجهودا مشهودا يشهد به الأباعد قبل الأقارب و ذلك في مجال التقريب بين الثقافتين الإسبانية و العربية إذ يتعلق الأمر بعلي إبراهيم منوفي و الطاهر أحمد مكي، فلهم منا أسمى آيات الشكر و العرفان.
عَلَى حَافَّةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ – حَيْثُ كَانَ يُعَلِّمُ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ تِلْكَ الْآيَةَ الّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُفَسِّرَ كُلَّ شَيْءٍ – صَفَّفَ الرَّسَائِلَ: إِلَى زَوْجَتِهِ، إِلَى الْقَاضِي، إِلَى الْأَصْدِقَاءِ. وَ بَعْدَهَا شَرَبَ السُّمَّ وَ نَامَ.
لَا شَيْءَ. نَهَضَ بَعْدَ سَاعَةٍ وَ رَأَى بِأُمِّ عَيْنِهِ الْفَشَلَ. نَعَمْ، كَانَ ذَاكَ سُمًّا.
لَقَدْ كَانَ مُتَأَكِّدًا جِدًّا! رَكَّزَ الجُرْعَةَ وَ شَرَبَ كَأْسًا أُخْرَى. نَامَ مِنْ جَدِيدٍ. سَاعَةُ أُخْرَى. لَمْ يَكُنْ يَمُوتُ. وَ بِالتَّالِي أَطْلَقَ النَّارَ عَلَى صُدْغِهِ بِمُسَدَّسِهِ.
أَيُّ مُزَاحٍ كَانَ ذَلِكَ؟ أَحَدُهُمْ – وَ لَكِنْ، مَنْ؟ وَ مَتَى؟ – أَحَدُهُمْ كَانَ قَدْ أَبْدَلَ لَهُ السُّمَّ بِالْمَاءِ، وَ الرَّصَاصَاتِ الْحَيَّةَ بِرَصَاصَاتٍ فَارِغَةٍ. أَفْرَغَ الرَّصَاصَاتِ الْأَرْبَعَ الْأُخْرَى فِي صُدْغِهِ. دُونَ جَدْوَى. أَغْلَقَ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَ جَمَعَ الرَّسَائِلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْغُرْفَةِ فِي لَحْظَةٍ كَانَ صَاحِبُ الْفُنْدُقِ وَ الْخَدَمُ وَ الْفُضُولِيُّونَ قَدْ أَقْبَلُوا مُنْزَعِجِينَ مِنْ دَوِيِّ الطَّلَقَاتِ الْخَمْسِ.
عِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَجَدَ زَوْجَتَهُ مُسَمَّمَةً وَ أَبْنَاءَهُ الْخَمْسَةَ مُنْطَرِحِينَ أَرْضًا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُصَابٌ بِطَلْقَةٍ نَارِيَّةٍ عَلَى مُسْتَوَى الصُّدْغِ.
تَنَاوَلَ سِكيِّنَ الْمَطْبَخِ، عَرَّى بَطْنَهُ وَ بَدَأَ يُوَجِّهُ إِلَيْهِ طَعَنَاتٍ مُتَتَابِعَةً. كَانَتْ شِفْرَةُ السِّكِّينِ تَتَوَغَّلُ فِي اللَّحْمِ الْمُتَرَهِّلِ وَ بَعْدَهَا تَخْرُجُ نَقِيَّةً كَمَا لَوْ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنَ الْمَاءِ. كَانَ اللَّحْمُ يَسْتَعِيدُ طَبِيعَتَهُ الْأُولَى كَالْمِيَاهِ بَعْدَ الْانْتِهَاءِ مِنْ اصْطِيَادِ سَمَكِ الْقِرْشِ فِيهَا.
أَفْرَغَ النَّفْطَ عَلَى ثِيَابِهِ بَيْنَمَا كَانَتْ أَعْوَادُ الثِّقَابِ تَنْطَفِئُ مُحْدِثَةً صَرِيرًا.
رَكَضَ حَتَّى الشُّرْفَةِ وَ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَ بِنَفْسِهِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَرَى فِي الشَّارِعِ حَشْدًا مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ تَنْزِفُ بُطُونُهُم مِنْ جَرَّاءِ طَعَنَاتِ سِكِّينٍ، بَيْنَ نِيرَانِ الْمَدِينَةِ الْمُحْتَرِقَةِ.
*القصة في الأصل الإسباني:
El suicida
Al pie de la Biblia abierta – donde estaba señalado en rojo el versículo que lo explicaría todo- alineó las cartas: a su mujer, al juez, a los amigos. Después bebió el veneno y se acostó.
Nada. A la hora se levantó y miró el frasco. Sí, era el veneno.
¡Estaba tan seguro! Recargó la dosis y bebió otro vaso. Se acostó de nuevo. Otra hora. No moría. Entonces disparó su revólver contra la sien. ¿Qué broma era ésa? Alguien -¿pero quién, cuándo?- alguien le había cambiado el veneno por agua, las balas por cartuchos de fogueo. Disparó contra la sien las otras cuatro balas. Inútil. Cerró la Biblia, recogió las cartas y salió del cuarto en momentos en que el dueño del hotel, mucamos y curiosos acudían alarmados por el estruendo de los cinco estampidos.
Al llegar a su casa se encontró con su mujer envenenada y con sus cinco hijos en el suelo, cada uno con un balazo en la sien.
Tomó el cuchillo de la cocina, se desnudó el vientre y se fue dando cuchilladas. La hoja se hundía en las carnes blandas y luego salía limpia como del agua. Las carnes recobraban su lisitud como el agua después que le pescan el pez.
Se derramó nafta en la ropa y los fósforos se apagaban chirriando.
Corrió hacia el balcón y antes de tirarse pudo ver en la calle el tendal de hombres y mujeres desangrándose por los vientres acuchillados, entre las llamas de la ciudad incendiada.
*روائي و قاص و ناقد و مقالاتي أرجنتيني ذائع الصيت. ازداد في مدينة قرطبة الأرجنتينية سنة 1910 ميلادية. له تكوين متعدد بين الفلسفة و البيولوجيا و الفن. درس في كل من الأرجنتين و الولايات المتحدة الأمريكية. و هو عضو الأكاديمية الأرجنتينية للآداب. من بين مجاميعه القصصية نذكر على سبيل المثال لا الحصر: “ساعة الرمال” الصادرة سنة 1995 و “إجماع اثنين” الصادرة سنة 2000 و “قنينة كلين” الصادرة قبلًا سنة 1975. و جدير بالذكر أن كتابات هذا القاص و الناقد الفذ معروفة في الثقافة العربية بحيث نجد أن الكاتب و المترجم المصري علي منوفي قد سبق و أن ترجم له كتاب “القصة القصيرة: النظرية و التطبيق” الصادر سنة 2000 و هو كتاب راجعه كذلك الناقد المصري الكبير صلاح فضل. ثم نجد كتاب “مناهج النقد الأدبي” و الذي نقله إلى اللغة العربية العلامة المصري الطاهر أحمد مكي و ذلك سنة 1991. توفي إمبيرت بالعاصمة الأرجنتينية سنة 2000.
_______
**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء – المغرب.